مهرجان «كان» يشمر عن ساعديه ليستقبل زبائنه المعهودين

«الشرق الأوسط» تكشف عن الأفلام الأكثر احتمالا للعروض الرسمية

لقطة من «شجرة الحياة»
TT

كنا في «الشرق الأوسط» أول من كتب عن فيلم جوليان شنابل الجديد «ميرال»، وذلك حين شاهده هذا الناقد في إطار عروضه في مهرجان «فينيسيا». وزدنا على ذلك مقابلة خاصة تمت معه في حفلة تقديم للفيلم أقيمت في اليوم ذاته. ونقلنا إلى القراء ما قاله حول فيلمه الذي يتعامل مع الموضوع الفلسطيني، وهو ابن المتدينين اليهوديين المشبع حين ذكر «لم يكن في مقدوري تجاوز الرغبة في صنع فيلم يسهم في تقريب وجهات النظر والمفاهيم والأفكار بين شعبين (الفلسطيني والإسرائيلي) أرى أنهما عانيا كثيرا». شنابل ومنتجا الفيلم، بوب وهارفي واينستاين، لم يمنعهم حماسهم للدولة الإسرائيلية من رؤية أن الحل الوحيد هو سلام يربط بين الشعبين.

في الأسبوع الماضي وجد الثلاثة أنفسهم في موقف المتهم من قبل جماعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل، فقد قررت الأمم المتحدة عرض الفيلم في قاعتها وبرعايتها، وما إن علمت تلك الجماعات حتى سارت إلى هناك ورفعت لافتات منددة بالفيلم. ليس لأن أفرادها شاهدوا الفيلم و«حللوه»، بل تبعا لكونه مقتبسا عن رواية الفلسطينية رولا جبريل ويقدم أوضاعا إنسانية.. ليس لأن الفيلم عمل متكامل فنيا أو حتى سياسيا، لكنه يهدف إلى تقديم وجهة نظر لن يمكن للسلام أن يحل من دون أن يعرفها الطرف الآخر ويتعامل معها. الفيلم عُرض من دون مشكلات، وربما بعض المعارضين الذين شاهدوه خرجوا وقد هدموا جدران الخوف التي كانت تعتريهم.. فقط ربما.

في مثل هذا الشهر من العام الماضي، تطلع العالم السينمائي إلى مهرجان «كان» المقبل، وطرح على نفسه بضعة أسئلة. وكان أكثرها ترددا يدور حول ما إذا كان المخرج الأميركي ترنس مالك (هاجر والده من لبنان وأنشأ إمبراطورية نفط صغيرة) سينجز فيلمه الجديد «شجرة الحياة» في الموعد المناسب لعرضه في «كان»، أم لا. السؤال لم يكن من فراغ، بل كان مبنيا على أن بعض المخرجين يستطيعون بالفعل تسليم أعمالهم إلى المهرجانات الكبرى حتى بعد إغلاق باب التقدم. المخرج ترنس مالك (67 سنة) هو واحد من هؤلاء. كل واحد من أفلامه استقبل بترحاب نقدي شديد، وإن لم يسع المخرج لكي يشترك في مهرجانات عالمية الشأن، باستثناء «الخط الأحمر الرفيع» الذي عرضه في دورة مهرجان برلين السينمائي الدولي سنة 1998.

«شجرة الحياة» لم يكن بعد قد أُنجز حين أعلن «كان» العام الماضي عن أفلامه المشتركة رسميا في المسابقة أو خارجها، لكن التوقع علا على أساس قيام المهرجان بتبادل رسائل مع المخرج الذي كان قد دخل لتوه معامل ما بعد التصوير. لكن «كان» جاء ومضى ولم يعرض الفيلم. ترنس مالك ليس المخرج الذي يستطيع أحد استعجاله. «فينيسيا» بات قريبا وانتقلت التوقعات إليه، حتى إنه حين أخذ الجميع يتحدثون عن الفيلم - المفاجأة - الذي يود مدير المهرجان ماركو مولر عرضه، ارتفعت حماسة البعض وهم يؤكدون أن هذه المفاجأة لن تكون إلا «شجرة الحياة». لكن مفاجأة المهرجان كانت عبارة عن فيلم صيني متوسط القيمة عنوانه «الخندق» اختاره مدير المهرجان المعروف بعلاقاته الجيدة مع صانعي الأفلام في جنوب شرقي آسيا.

حينها تكهن عديدون أن فيلم مالك إذا لم يلحق بـ«كان» ولا بـ«فينيسيا» فإنه سيكون من نصيب «برلين».. لكن «برلين» بدوره أتى ومضى من دون أي أثر للفيلم.

الآن، «كان» يعود في دورة جديدة (الرابعة والستين) تنطلق في الحادي عشر من مايو (أيار)، والفيلم ذاته مطروح بشدة كاحتمال قوي. تفيد المعلومات بأن مالك انتهى تماما من العمل على الفيلم مع نهاية العام الماضي (قبل «برلين») لكنه شاء انتظار «كان» إما لأنه وعد المهرجان الفرنسي بذلك، أو تبعا لاختياره الخاص.

فيلم مالك الجديد هو الروائي الطويل الخامس له منذ عام 1973 حين قدم عمله الأول «بادلاندز». وأستطيع أن أقول إنه الفيلم الذي يماثل «أوديسا الفضاء» إنما من دون رحلة فضاء خارجي: لقطات المخرج الطويلة ذات الشعرية الغرائبية للحياة ولأجوائها الريفية والطبيعية الرحبة ممتزجة بموضوع اجتماعي عاطفي وجداني حول نشأة صبي من الولادة حتى مطلع شبابه مع المرور على علاقته المتوترة في خضم محاولات والده تأسيسه على منواله هو وليس حسبما يخطط الشاب لنفسه. أبطال الفيلم، براد بيت، شون بن وجيسيكا شتاين وزاك إرزك الذي يقوم بدور الصبي في مرحلة الشباب.

زبائن دائمون

* «شجرة الحياة» ليس الفيلم الوحيد الذي يتبلور كمرشح أساسي لمسابقة «كان»، أو - على الأقل - للعرض خارج المسابقة. هناك نصف دزينة من الأفلام الأخرى تدور في محور اهتمام المهرجان المقبل. هذا عدا عن الفيلم الذي كان المهرجان أعلن عنه بالفعل وهو «منتصف الليل في باريس» مع أوين ويلسون وراشيل ماك آدامز والفرنسية ماريون كوتيار.

وودي آلن ليس غريبا عن المهرجان الفرنسي، فهو عرض فيه عدة أفلام خلال السنوات العشر السابقة، آخرها «سوف تقابلين رجلا أسمر طويلا» في العام الماضي. كذلك ليست فكرة الفيلم غريبة عن وودي آلن: عائلة كبيرة تزور باريس ومن بين أفرادها الابن وخطيبته حيث يكتشفان أن الحب الذي بينهما ليس ذاك الذي لا يمكن هدمه. موضوع تعامل معه آلن في معظم ما أخرجه من أفلام من أيام «مانهاتن» سنة 1979 وحتى اليوم: العلاقات التي تربط بين عدة أفراد يجد كل منها أن علاقته ليست نهائية فيقع في حب جديد.

المدير الفني للمهرجان تييري فريمو، لم يخف سعادته بالفيلم «هذا الفيلم رسالة حب رائعة لباريس».. كيف لا يكون مع هكذا عنوان ومع وجود السيدة الفرنسية الأولى كارلا بروني ساركوزي في عداد الممثلين؟

ما يرجح الأفلام الأخرى هو أن مخرجيها عادة ما يتوجهون إلى «كان» بأعمالهم. بذلك هم زبائن دائمون. وبالتالي، فإن أعمالهم الجديدة المقبلة تبدو مؤكدة، ويتقدمها الفيلم الجديد للأخوين جان بيير ولوك داردين. هذان دائما ما يعرضان أفلامهما في «كان» وكان آخرها «صمت لورنا» سنة 2008 الذي نال جائزة أفضل سيناريو آنذاك. الفيلم الجديد بعنوان «الفتى ذو الدراجة» (الذي كان عنوانه «أطلق سراحي») وهذه المرة ينتقل الاهتمام من العائلة (كما في فيلمهما الأسبق «الطفل») ومن المرأة («صمت لورنا») إلى الفتى الذي ينفصل عن والده ويقرر التحول إلى أنثى تبعا لعدم رضاه عن تعامل المجتمع معه كصبي. موضوع شائك لكن هذا هو شأن أفلام المخرجين البلجيكيين اللذين عادة ما يتعاملان مع شخصيات تعاني من أوضاع وشؤون عائلية وبيئية مجحفة.

الفيلم من بطولة الممثلة الفرنسية سيسيل دو فرانس، وبذلك هو ثاني هذه الأفلام من بطولة ممثلة فرنسية باعتبار وجود ماريون كوتيار في فضاء «شجرة الحياة». أيضا من بين الممثلات الفرنسيات في أعمال غير فرنسية، شارلوت غاينسبورغ التي تظهر في فيلم الدنماركي لارس فون ترايير الجديد «ميلانشوليا»، وذلك للمرة الثانية كونها لعبت بطولة فيلمه السابق «ضد المسيح».

الكلمة، في علم النفس، تعني نوعا من الكآبة، لكن المخرج يستخدمها هنا اسما لكوكب يقترب لدرجة الخطورة تجاه الأرض مع كريستين دانست وكيفر سذرلاند وشارلوت رامبلينغ من بين الشخصيات الأخرى في قصة خيال علمية تقع أحداثها في الولايات المتحدة، ولو أن التصوير تم في ألمانيا والسويد. والمخرج يعتبر فيلمه «فيلما كوارثيا نفسيا»، في حين يتردد في هوليوود أن المخرج ينفذ فيلما تجاريا ينافس به تلك الأعمال التي يخرجها رولاند إيميريش في هذا المجال.

رعب من دون رعب

* بالعودة إلى قصص المراهقين والمراهقات، شأن «شجرة الحياة» و«الفتى ذو الدراجة»، نجد الفيلم الجديد للأميركي المستقل غاس فان سانت. هذا المخرج من زبائن «كان» المداومين، مما يرجح اشتراكه هذا العام أيضا. فيلمه الجديد «بلا راحة» (أو Restless) عبارة عن حكاية فتاة (مايا وازيكوفسكا) تلتقي بشاب (هنري هوبر) وتقع في حبه رغم صغر سنهما، وبذلك يغلقان باب احتمال وقوع كل منهما في حب لاحق متعاملين بجدية الكبار مع مشروعهما العاطفي.

زبون آخر لا يسعه إلا العودة إلى «كان» آملا في الاستحواذ على الذهبية في كل مرة هو الإسباني بيدرو ألمادوفار. هذه المرة يقدم فيلما جديدا يصفه بنفسه على أنه «فيلم رعب من دون رعب»، وعنوانه «البشرة التي ورثتها»، ويدور حول طبيب (يؤدي دوره أنطونيو بانديراس) يحاول إنقاذ زوجته التي يحبها من الموت عن طريق ابتداع بشرة جديدة لها.

هناك أيضا الفيلم الجديد للإيطالي الساخر ناني موريتي بعنوان «لدينا بابا» أو كما عنوانه الأصلي «Habemus Papam»، وهي العبارة اللاتينية التي تتردد حين يتم انتخاب بابا جديد. الفرنسي الكبير ميشيل بيكولي يشترك وموريتي نفسه في البطولة.

أخيرا، وحتى الآن، هناك احتمال قوي أن يكون الفيلم الجديد للمخرج البرازيلي والتر ساليس أحد الأفلام المتسابقة في الدورة الجديدة. عنوان «على الطريق» ومستوحى من رواية شخصية وضعها جاك كيرواك الذي كان صديقا للكاتب وليام س. بوروز والشاعر آلن غينسبورغ. نوع من أفلام الطريق (Road Movies) بميزانية 25 مليون دولار في تركيبة فنية تشبه إلى حد ما تركيبة فيلم ساليس السابق «مفكرة الدراجات» الذي تناول فيه الحقبة الشابة من حياة تشي غيفارا، والذي عرضه على شاشة المهرجان الفرنسي سنة 1988.