بين الأفلام

«الطريق الآيرلندي»
TT

تمثيل: مارك ووماك، جون بيشوب، تريفور ويليامز بريطاني - دراما (حرب العراق).

* تطلب الأمر سنة كاملة لفيلم كين لوتش الجديد حتى وجد فرصة العرض الجماهيري في موطن إنتاجه. هذا ما يعكس وضعا صعبا للأفلام البريطانية والآيرلندية (تمويل الفيلم) عموما إلا إذا كانت من نوع تتلقفه شركات الإنتاج والتوزيع الأميركية وتتبناه كما هو الحال مع «خطاب الملك» لتوم هوبر مثلا.

«الطريق الآيرلندي» ليس «خطاب الملك»، بل خطاب كين لوتش بالكامل. أسهم المخرج المعروف بالموضوع والوضع العراقي، ولو أنه يتحدث عن شخصيات غير عربية تتعامل وتلك الحرب على نحو أو آخر، كما هو حال معظم الأفلام الأميركية والغربية عموما التي خرجت عن العراق في الآونة الأخيرة. إنه عن فرغيس (ووماك) الذي كان يعمل في وحدة أمنية خاصة ويستقبل جثة أعز أصدقائه في تابوت. هذا يثير فضوله لأنه يعتقد أن صديقه لم يسقط برصاص المقاومين العراقيين، بل بتدبير محكم من قِبل الجهة التي يعمل لصالحها. شكوك فرغيس تزداد حين يعلم بوجود شريط فيديو سجل الكمين الذي وقع على الطريق إلى المطار (والمكنى بـ«الطريق الآيرلندي») ويعلم بخطط الوكالة لاسترداد الشريط مهما كلفها الأمر.

بالتدريج نعلم أن المبرر الذي دفع الوكالة للتخلص من صديق فرغيس هو اكتشافه أن المؤسسة ارتكبت جريمة قتل متعمدة بحق عراقيين: سائق تاكسي وحمولته من الركاب الأبرياء.. وأن الصديق احتج وهدد بكشف المسألة وكان لا بد من التخلص منه. تبعا لذلك، يقلب فرغيس المائدة على أعدائه في الوقت الذي يبدأ في الوقوع في حب أرملة صديقه.

الموضوع يمشي بوحي من المؤسسة الأمنية الأميركية التي طالتها فضيحة مماثلة قبل بضعة أعوام، والتي لا تزال رغم ذلك تعمل داخل العراق متمتعة، حسب وصف الفيلم، بحرية عمل تفوق تلك التي للجنود البريطانيين أو الأميركيين أنفسهم. الفيلم بذلك يصبح مناسبة للنيل من تلك المؤسسات، كما من الحرب العراقية بكاملها، وهذا ليس عجيبا أو غريبا من المخرج المعارض لوتش. الغريب هو كيف أن الفيلم يكاد يفلت، في صلب حكايته، من بين أصابع مخرجه. صحيح أن الطرح يبقى جادا للغاية، والمضمون يحمل رسالته المعادية للحرب وللأدوار الغربية فيها بلا مواربة، لكن السيناريو لا يستطيع إلا أن يتحول إلى تحقيق يتكئ في أكثر من مكان على مواقف من الكلاشيهات التي تستطيع معها معرفة اتجاهاته المقبلة. الفيلم في هذا الشأن يبلغ نقاطا منخفضة تجعله يبدو كما لو أنه قصة بوليسية لشخصيات معهودة في هذا الإطار تحاول أن تجد الحقيقة بين طيات الأكاذيب. ليس لأن ذلك يؤثر على رسالة الفيلم السياسية، بل - وإلى حد معين - على المتوقع من مخرج لا يسبر غور التقليد في أعماله. وهذا الفيلم يذكّر بأفلام التحقيقات البوليسية مع تغيير المضامين.

وعلى الرغم من أن المادة تسير على سكتي حديد سارت عليهما أفلام التحقيقات البوليسية السابقة (مع اختلاف المضامين بالطبع) فإن المخرج واع لأن يكسر الإثارة ويحد منها حتى لا ينجرف الفيلم في دروبها على نحو هوليوودي ما. المشكلة هي أن المشاهد سابق للأحداث طوال الوقت إلى حد أنه حين تتساءل زوجة الرجل المفقود حول احتمال أن تكون المؤسسة ذاتها هي التي «صفت» رجلها، يكون المشاهد قد كون هذه الفكرة قبل نحو ساعة كاملة. هذا يكشف عن أن السيناريو كان بحاجة إلى أحداث موازية تتيح قدرا أكبر من الافتراضات. ولا يساعد الفيلم واقع أنه يعتمد على عدد محدود من الأماكن بحيث يصبح التنقل بينها أقرب إلى مط ما هو معروف من البداية في انتظار المرحلة المتطورة اللاحقة من هذه الأحداث.