بين الأفلام

ميلاني تييري تحت إدارة المخرج تفارنييه
TT

تمثيل: لامبرت ولسون، ميلاني تييري، غريغوار ليبرنس - رينو فرنسا - دراما تاريخية (2010).

حين قدم المخرج الفرنسي برتران تفارنييه فيلمه هذا في مسابقة «كان» شهد إقبالا عدديا كبيرا، لكن ربما أقل قدر من الكتابات اللاحقة. إنه كما لو أن نقاد هذا الزمان ليس لديهم ما يقولونه في فيلم يحمل أسلوب عمل وعرض وسرد قديم (أولد فاشن)، إلى جانب أنه يتحدث عن فترة زمنية تعود إلى القرن السادس عشر، مما جعله يبدو أبعد مما يثير اهتمام البعض.

لكن فيلم تفارنييه، وهو واحد من أذكى وأفضل المخرجين الفرنسيين والأوروبيين منذ عقود، فيه خصال كثيرة لصالحه، وهو في عروضه العالمية اليوم يذكر المرء ببعضها. صحيح أن قدرا من هذه الخصال «قديم الطراز»، لكن ذلك بذاته أحد أهم أسباب تميز وجودة هذا العمل.

استوحى المخرج الأحداث من رواية لمدام لافاييت كتبتها سنة 1662 عن أحداث وقعت قبل مائة سنة تعرف باسم »حرب مونتبنسييه». قوامها عاطفي وسياسي، وكلا الخطين يلتقيان في صميم رغبة الإنسان في الاستحواذ.

الشأن العاطفي هو الرغبة في تطويع بطلة الفيلم ميلاني تييري (مدام مونتبنسييه) والاستيلاء على قلبها. الشأن السياسي وليد صراع ديني دارت رحاه من عام 1562 إلى عام 1598، والمخرج لا يهاب المشاهد التي تنقل بشاعة الحرب. يصور فعلها وقتلها وقتلاها. وفي ذلك يقرب الصورة الماضية من صور بعض ما يحدث في عالمنا اليوم باسم الدين تارة، وبسبب مناهج تلك النظم التي تمارس الفاشية والعدائية باسم هذا الدين أو ذاك. هذا التجسيد لويلات الحرب يبدأ من اللقطة الأولى: حركة أفقية طويلة تظهر قتلى إحدى المعارك وهم منتشرون فوق الأرض. تصوير برونو ديكيزر (وهو مدير تصوير له خبرة تمتد من عام 1975) يعكس الوحشة التي تجسدها أرض كانت قبل لحظات من المعركة ترابا وحشائش وأشجار، ثم أصبحت جثثا مترامية. بعد ذلك، ندخل القصر الذي نتعرف فيه على بعض الشخصيات الرئيسية: ماري (تييري) طرد مختوم متجه إلى زواج ليس من اختيارها. لقد اتفق والدها (فيليب مانان) مع دوق مونتبنسييه (ميشيل فيليرموز) على هذه الصفقة: المرأة الجميلة مقابل أرض كبيرة. الدوق لن يتزوجها بل سيهديها لابنه الأمير (غريغوار لبرينس رينو) على الرغم من أنها تحب شخصا آخر اسمه هنري (غاسبارد أولييل).

هذا يشعل حربا موازية لتلك القائمة بين البروتستانت والكاثوليك أيامها: حرب الإرادة المكسورة التي تحاول أولا مواجهة مصيرها، لكنها إذ تذعن تبحث عن منافذ صغيرة تستطيع أن تتنفس منها. فالزوجة تنقل إلى قلعة معزولة. والزوج إلى الحرب والزوجة وحيدة، وهذا بدوره ليس في صالحها أو صالح زوجها.

ما يفعله المخرج إلى جانب تقديم سيرة حرب وفترة تاريخية، هو البحث في مكونات ذلك التاريخ الفرنسي المليء حروبا داخلية. مشاهده منفذة جيدا على الصعيد التقني ولو كانت ضوضائية زيادة عن اللزوم. كثيرة النسج بحيث تتمنى أحيانا لو يتمهل المخرج قليلا أو يكتفي بالقليل. حين نتعرف على الشخصيات نجدها محملة بالغضب من قبل أن تبدأ. في المعارك، الكاميرا أقرب إلى منتصف الصورة أو صلبها مما يجب. الحصان يبدو كما لو كان تفعيلا لإثارة الاهتمام أكثر منه وسيلة لما هو غير ذلك.

اختيار ميلاني تييري مناسب من حيث إنها تبدو دائما جديدة على الوجه، لم يسبق للمشاهد أن تعرف عليها وعلى قدراتها، وغير مناسب حين يجد المرء نفسه غير قادر إلا على مقارنة أدائها بأداء لامبرت أو معظم الممثلين الآخرين.