فينيسيا يعلن ومراكش يخفي

المهرجانات تتسابق فيما بينها

فيغو مورتنسن كما في دوره الجديد «طريقة خطرة»
TT

في إطار السينما العربية (على الأقل)، كان هناك مخرجون لا يتوقفون عن العمل. العام الواحد كان يطلق فيلمين أو ثلاثة للمخرج نيازي مصطفى أو لحسن الصيفي أو لحسن الإمام أو لحسام الدين مصطفى، وكلهم رحلوا بالطبع.

في لبنان محمد سلمان كان يخرج من تصوير فيلم يوم الخميس ويدخل تصوير فيلم جديد يوم الاثنين. هذا كان في الستينات. في السبعينات قلده سمير الغصيني وبات الأكثر نشاطا من أستاذه. حتى على صعيد المخرجين الأكثر جدارة على الأصعدة الفنية والأسلوبية والضمنية، كانت الأمور أفضل بكثير مما هي عليه اليوم: كان سعد عرفة وأشرف فهمي وعلي عبد الخالق ومحمد خان وسعيد مرزوق وعاطف الطيب وخيري بشارة وسواهم يعملون على الدوام. ومع أن المرء يفهم أن من بقي حيا من هؤلاء (أمد الله في أعمارهم ورحم من مات منهم) قد كبر سنا، لكن توقفهم عن العمل حاليا لا علاقة له بالسن على نحو أساسي. هم متوقفون لأن المنتجين يريدون مخرجين جددا وراء الكاميرا وهؤلاء «على قفا من يشتري» كما يقول المثل.

والمنتجون لا يفعلون ذلك حبا بالشباب وكنوع من الوعي بمستقبل السينما المصرية وحرصا عليه، حتى ولو رددوا هذه المسميات مائة مرة، بل لأن المخرج الشاب عادة ما يريد أن يعمل وسيقبل بالشروط الثلاثة التي توضع أمامه مجتمعة: أجر ضعيف، الامتثال لرغبات النجم، وتلبية رغبات للإنتاج. يفعل ذلك لأنه يعتبر أن الفرصة المواتية خير من ألف على الشجرة، وهو يعتقد أنه إذا ما أنجز فيلما ناجحا للشركة التي يعمل لها فسوف يستمر.

هنا الفخ المنصوب؛ في السابق كان الاستمرار يبدو دائما وعلى نحو متواصل، يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وعاطف سالم وسواهم الكثير، لم يتوقفوا عن العمل والبذل والنجاح ولم يتحولوا إلى عاطلين في أي من فترات حياتهم. المخرج الحالي معرض للشطب سريعا إذا ما فشل فيلمه الأخير أو إذا ما حقق نجاحا كبيرا. الحال الأول مفهوم السبب، أما الحال الثاني فهو ملغوم: كيف يتم توقفه إذا ما كان ناجحا؟ يتم ذلك لأن الإنتاج حينها سوف يبحث سريعا عن مخرج جديد أرخص ودائما ما يقول نعم.

كشف مهرجان كان في دورته الحالية أنه لا يزال المرصد الأول للكثير من المهرجانات التي يقوم مديروها بالقدوم إليه لكي يستطلعوا حال السينما، ويطلبوا الأفلام التي يرغبون فيها. موضع قدم تمهيدي ينطلقون منه بعد ذلك لتوزيع الدعوات على ما اختاروه من أفلام.

أحد هؤلاء هو مدير المهرجان التشيكي، كارلوفي فاري فكتور باداك، الذي يقول لنا إنه يركز على «الجديد الطارح أفكارا مثيرة للاهتمام» باحثا عن هذه النوعية من الأفلام من بين ما يعرضه مهرجان «كان». ما أريده هو تلك النوعية التي تستحق الفرصة الثانية أو تلك الجيدة التي لم تأخذ فرصتها على الإطلاق، في الوقت نفسه تمضي مديرة مهرجان تاورمينا الإيطالي، ديبورا يونغ، الوقت في بحثها الدائم عن أفلام عربية تعرضها في الدورة المقبلة، وكلاهما في الشهر السابع من هذا العام. بحث يونغ، وهي ناقدة من فاراياتي انتقلت إلى هوليوود ريبورتر مع عدد لا بأس به من نقاد المجلة ذاتها، قطع مرحلة كبيرة: «لدينا أفلام من مصر ولبنان والمغرب، لكني أبحث عن أفلام تونسية وجزائرية. هل لديك معلومات تساعدني بها؟».

في اليوم التالي، أعلن المكتب الإعلامي للسينما التونسية عن مجموعة من الأفلام الجديدة التي يكاد العمل يكتمل فيها، أو هي في غمار المستقبلين القريب (كحالة فيلم رضا الباهي المنتظر منذ سنوات «براندو، براندو») والبعيد (كحالة الفيلم الجديد الذي سيقدم على تحقيقه نوري بوزيد ولا يزال بلا عنوان نهائي)، لكن المسألة بالنسبة للسينما الجزائرية أكثر تعقيدا؛ ليست هناك نية لأفلام ولا إمكانية لذلك. وإذا ما تخطى المرء الحواجز السياسية والأمنية والرقابية؛ كيف سيتخطى الحواجز المالية وعقبات تكامل عناصر الإنتاج؟

إحدى نقاط اهتمام مديرة تاورمينا فيلم وصل طازجا من إسبانيا للمخرج والمنتج الكويتي وليد العوضي بعنوان «تورا بورا»، يقول عنه مخرجه لنا: «سيطرح هذا الفيلم تصورا جديدا بالنسبة لكيفية سرد حكاية الفيلم العربي». وبانتظار عرض ذلك خلال ساعات، فإن صيت المخرج السابق يجعل المرء يتطلع لمشاهدة هذا الفيلم بأمل كبير.

أوراق مطوية

* المنافسة بين المهرجانات ليست حكرا على سعي هذين المديرين، وهناك عشرات آخرون ملتحقون بهما، البحث عن الأنسب والأفضل، بل السعي للبروز كالمهرجان الذي يجب أن يُؤم. في هذا السياق نجد أن الجهة العربية الوحيدة الموجودة في هذا المهرجان، التي لا تنوي إطلاق مهرجانها الخاص قريبا هي الأردن. فقد صرحت مديرة «المعهد الملكي للأفلام» ندى دوماني بأن النية الآن ليست واردة. السبب: «قبل أن ننطلق في هذا المجال، نريد أن نصنع أفلامنا الخاصة. سؤالنا الدائم هو لماذا نريد استعجال الأمور وحولنا الكثير من المهرجانات العربية الصديقة؟ إذا ما قمنا بتأسيس مهرجاننا فإن علينا، على الأقل، توفير إنتاجات محلية من ناحية، والبحث عن وسيلة نتميز بها عن المهرجانات الأخرى، من ناحية ثانية».

هذا في الوقت الذي أكدت فيه السيدة سهير عبد القادر، نائب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، أن الدورة المقبلة من المهرجان المصري لن تُقام في وقتها المعلن سابقا (الشهر الثاني عشر) لأسباب تتعلق بالانتخابات التي ستقع في هذه الفترة، وتعتبر أن هذا قرار حكيم، ولو أنه سيؤدي إلى حجب المهرجان لهذه السنة: «لقد اجتمعت مع نحو خمسين مسؤولا ومندوبا في لقاء للاتحاد الفيدرالي للمهرجانات الدولية، ونحن من المنضمين إليه، وأخبرتهم بهذا القرار وتحدثت عن ضرورة دعم هذا المهرجان لأنه نافذة مصر الجديدة التي ستعرض كل المتغيرات الحاصلة وتكون المكان الأنسب لمصر والعالم لعرض الجديد من الأفلام والجهود الشابة. والكلمة لاقت ترحيبا كبيرا وقيل لي: (لن يكون هناك بديل لمهرجانكم عندنا)، وهذا شيء عظيم أفتخر به».

المهرجانات العربية الرئيسية الأخرى المتسابقة في «كان» هي دبي وأبوظبي والدوحة ومراكش. وفي حين أن المسؤولين عن المهرجان المراكشي يبقون أوراقهم مطوية حتى لا يقرأها أحد، فإن المهرجانات الثلاثة تشهد نشاطا كبيرا خلال هذا المهرجان. حسب توالي مواعيدها الجديدة؛ يتقدمها أبوظبي في دورته الخامسة، يليه مهرجان الدوحة في دورته الثالثة. أما دبي فهو أكبرها سنا إذ يدخل عامه التاسع. وكل مهرجان يبحث، على نحو طبيعي، على الفيلم الأفضل لضمه. وإذا ما كان هناك الكثير من الإنتاجات الأجنبية في هذا السياق، فإن البحث عن الفيلم العربي هو الأصعب، وذلك لسببين: تقوم بعض هذه المهرجانات بمساعدة تمويل الأفلام مسبقا؛ مما يربط مستقبل الفيلم بها فيعرض عندها أولا (وإذا ما عرض عندها أولا لم يعرض في مسابقة المهرجان التالي) والثاني هو أن الكثير من الطحن السينمائي هذا العام لم يؤد إلى إنتاج كثير يُفتخر بتقديمه. وفي حين أنه على المخرجة اللبنانية أن تقرر إلى أي مهرجان عربي ستدفع بفيلمها الجديد «خلق لوين»، هناك اهتمام مفاجئ بأول فيلم ذي أبعاد ثلاثة عربي المتمثل بفيلم اللبناني سليم الترك «القصة الحقيقية لهوية مزورة»، الذي برهن على أنه أفضل فنا من أي فيلم عربي آخر تم إنتاجه في الأشهر القليلة على الأقل.

فينيسيا يعلن

* السباق بين المهرجانات ليس حكرا على مؤسساتها العربية بل بين كبار المهرجانات الدولية، وإلا كيف نفسر قيام مهرجان فينيسيا بإعلان وجبته من أفلام الدورة المقبلة قبل موعد ذلك بأسابيع؟ صحيح أنها ليست الوجبة الكاملة، لكنها تشي بالتنافس الجلي بين المهرجانات الثلاثة الأولى (وهي المهرجانات التي اعتادت «الشرق الأوسط» تغطيتها) برلين وكان وفينيسيا.

من ناحيته يكشف فينيسيا أن لديه الفيلم الجديد من المخرج الفرنسي لوك بيسون «السيدة»، ويتعامل مع الفيلم الجديد للمخرج ستيف ماكوين «الجوع» وعنوان «عار». وثمة فيلمان بريطانيان آخران لجانب فيلم ماكوين هما «البحر الأزرق العميق» لترنس دايفيز و«تريشنا» لمايكل وينتربوتوم.

والمخرج الإسباني أليكس دي لا أغليزيا، الذي سبق له في العام الماضي أن اشترك في مسابقة المهرجان الإيطالي، سيعود هذه السنة بفيلم جديد بعنوان «حين الليل». هذه نماذج من الأفلام التي تم الإعلان عنها، وهناك أخرى من إيطاليا والصين وكوريا والسويد. أما الأفلام الأميركية فلم يعلن عنها بعد، وإن كان المدير الفني للمهرجان، ماركو مولر، واثق من أن قرب استحواذه على «بعض أهم ما عند هوليوود. أعدك بذلك».

لكن مولر يكشف في الوقت ذاته أنه نال موافقة المخرج الكندي ديفيد كروننبيرغ على حضور الدورة المقبلة من فينيسيا، والاشتراك (في المسابقة على الغالب) بفيلمه الجديد «طريقة خطرة» بطولة كيرا نايتلي، مايكل فاسبيندر والأميركي فيغو مورتنسن الذي سبق له وأن عمل تحت إدارة كروننبيرغ في فيلمين من قبل هما «تاريخ العنف» و«وعود شرقية».