نادين لبكي: السينما هي السلاح الذي نستطيع من خلاله تغيير مجتمعاتنا

فيلمها «هلق لوين؟» يحصد جائزة مهرجان كان السينمائي

المخرجة اللبنانية نادين لبكي خلف الكاميرا تتابع أحد مشاهد فيلمها «هلّق لوين» («الشرق الأوسط»)
TT

لم تخطط المخرجة نادين لبكي للوصول إلى العالمية، بل حلمت بها على طريقتها العفوية وقررت بين ليلة وضحاها أن تكتب مع جهاد حجيلي ورودني حداد سيناريو فيلم لامسها في العمق في فكرته عندما كانت حاملا بطفلها الأول عقب الاضطرابات الأمنية التي عايشتها بيروت في 7 مايو (أيار) من عام 2008. وبعد عدة شهور شهد السيناريو ولادته تحت عنوان «هلق لوين؟»، وبدأت معه نادين مشوارها الجديد في عالم السينما بعدما كانت قد استهلته عام 2006 بفيلم «سكر بنات» أو «Caramel» كما هو معروف عالميا، والذي رأى النور عام 2007.

يتناول الفيلم قصة مجموعة من النساء تعيش في قرية لبنانية تحاول تخطي الانقسامات الدينية التي ولدتها الحرب اللبنانية وتسعى إلى إلهاء رجالهن عن إثارة الفتنة. بلغت تكلفة إنتاجه 4 ملايين يورو، وهي التكلفة الكبرى في تاريخ السينما اللبنانية، وقد شارك فيه ممثلون لبنانيون، بينهم عادل كرم وانجو ريحان بالإضافة طبعا إلى نادين لبكي نفسها، ويستغرق عرضه ساعة وخمسين دقيقة، وتدعو لبكي فيه العالم إلى التصالح والسلام. حصد الفيلم جائزة «Francois Chalais» لفئة «نظرة ما» عن أفضل عمل روائي طويل لمؤلف أبدع في إبراز حقيقة عالمية، والتي سبق وحازها المخرج المصري الراحل يوسف شاهين عام 1999 عن فيلمه «الآخر».

وعما إذا كانت هذه الجائزة أرضت طموحها المهني قالت المخرجة نادين لبكي في حديث خصصته لـ«الشرق الأوسط»: «طبعا هي جائزة حازها كبار المخرجين العالميين، وعندما جلست إلى نفس المائدة في حفلة العشاء التي أقيمت في المناسبة وضمت عمالقة الفن السابع أمثال فاي دونواي وكولين فيرث وغيرهم شعرت في لحظة من اللحظات أنني في حلم، ثم إنه تكفيني العبارة التي رددها لي بعض القيمين على الأعمال السينمائية في لبنان بأنني رفعت رأسهم في العالم، فهذا فخر لي ووسام أعلقه على صدري». وأوضحت أن «سر نجاح الفيلم يكمن في الحقيقة التي تنقلها فكرته من واقع نعيشه، ولأن من يشاهده يشعر أن الشخصيات التي تمثل فيه تشبهه كثيرا وتحكي عن هاجس يعيشه هو أيضا، وقد قصدت اختيار شخصيات من حياة أحببتها ولامستها عن قرب لتعكس طبيعة مجتمع ننتمي إليه»، وأنها تحاول دائما في أعمالها أن تظهر خصوصية بيروت التي تعشقها. ونادين التي يلقبها أصدقاؤها بالمرأة الحديدية لأنها استطاعت أن تنهي مونتاج الفيلم في وقت قياسي لم يستغرق أربعة أشهر من أجل إشراكه في مهرجان «كان»، اعتبرت أن السينما اليوم باتت أقرب في تركيبتها إلى الأفلام التوثيقية المعتمدة على الحقائق في الدرجة الأولى، مشيرة إلى أن الناس أصبحت واعية لأهمية السينما والسلاح الذي تمثله، والذي في استطاعته المشاركة في تغيير المجتمعات كونها صارت قريبة إلى هذا الحد من حياتهم وحقيقتهم. وتقول: «أنا شخصيا بدأت في كتابة الفيلم أثناء قيام المواجهات الأمنية في بيروت في مايو (أيار) من عام 2008، وكنت يومها حاملا وصرت أسأل نفسي لو كان مولودي شابا كهؤلاء الشباب الموجودين في الشارع البيروتي يومها، فكيف كنت تصرفت لأحميه مما يحدث؟ وكيف كان في مقدوري منعه من الانخراط في هذه الأجواء؟ وهكذا ولدت الفكرة من قلب الحقيقة التي أعيشها وترجمتها في الفيلم».

والتركيز على العنصر النسائي في فيلم «هلق لوين؟» سبق واستخدمته نادين لبكي في فيلمها السابق «سكر بنات»، فهي كما تقول لديها تساؤلات جمة عن الهواجس التي تطارد المرأة العربية عامة واللبنانية خاصة، وانطلاقا من مسؤوليتها كامرأة تلقي الضوء على هذه الناحية لديها، موضحة أنه ليس مستبعدا أن تتناول في المستقبل هواجس يعيشها الرجل أيضا.

وعما إذا كان هناك من تشابه بين شخصيتها الحقيقية وكاميرتها التي تقدم أفلامها في صورة مضيئة وواضحة وطبيعية وبألوان تضفي الفرح على مشاهدها، ردت نادين: «لا شك أن كاميرتي تلتقط ما يشبهني، فأنا بطبيعتي واضحة لا أعرف التعاطي مع أي شيء يسوده الغموض، وخصوصا في الأمور الإنسانية، كما أحب إيصال الرسالة التي أهدف إليها بطريقة سلسة وصافية غير سطحية ولو اضطررت أحيانا إلى أن ألجأ إلى روح النكتة فليس علينا دائما التصرف بجدية». وعن كيفية اختيارها للممثلين الذين يشاركونها العمل تقول: «أعتمد على إحساسي ونظرتي للشخصية التي أختارها، والحمد الله أن أملي لم يخب بأي شخصية تعاونت معها حتى الآن، وإنني كممثلة أشعر بالغيرة أحيانا من ممثل نجح في إقناعي كثيرا بأدائه». وتؤكد نادين لبكي أن استخدامها لقفشات كوميدية في أفلامها من شأنه أن يضفي بعض الراحة على مواقف حساسة ومواضيع دقيقة تتطرق إليها، معتبرة أن الضحكة تحمل أحيانا في طياتها حزنا عميقا وأنه يجب أن نضحك على حالنا من وقت لآخر.

وعما إذا كانت تلجأ إلى الاقتباس أو الإيحاء من أعمال لغيرها ترى نادين أنها تلقائية جدا في أفلامها وأن أحدا لا يستطيع القول إنه لم يتأثر بأعمال عالمية، ولكن هذه الأعمال نكتسب منها ولا ننسخها أو نقتبس منها.

وتصف المخرجة اللبنانية نفسها بالفوضوية وأنها غالبا ما ترتجل بعض المواقف التمثيلية مع الفريق الذي يعمل معها، وهذا ما يجعل أعمالها مدموغة بعنصري الطبيعية والمفاجأة بامتياز، وهذا ما يولد حسب رأيها أجواء منفتحة أمام الجميع عندها يتصرف الممثل بعفوية فتلحقه بكاميرتها ويلحق بها باقي الفريق التقني، وهذه العفوية تولد ردود فعل مباشرة بين جميع العاملين في موقع التصوير فتصبح حقيقية أكثر، الأمر الذي يزودها بوعي يجعلها تلتقط المشهد بإحساس ومسؤولية كبيرين مما يسمح للمشاهد أن يتعرف بسرعة إلى أسلوبها.

وتحدثت نادين المخرجة عن نادين الممثلة قائلة: «أحب التمثيل، عندها أنفصل تماما عن نادين المخرجة، فأشعر بالراحة وكأنه نوع من (البريك)، فهناك شخص آخر يتحمل المسؤولية عني فأسلم نفسي تماما للتمثيل. هذا طبعا عندما أعمل تحت إدارة مخرج آخر، فهناك لذة أشعر بها في هذا التعاطي مع الممثلين الآخرين وأنا واحدة منهم، فينكسر هذا الروتين الذي يرافقني عندما أمثل وأخرج في نفس الوقت». ونادين التي برعت أيضا في تصوير الإعلانات التجارية والكليبات الغنائية واستطاعت من خلالها أن تطلق العنان لأفكارها الخاصة في المضمارين تعترف أنها حاليا لم تعد تملك لا اللذة ولا الوقت لذلك، وأنها تفضل الابتعاد عن تصوير الكليبات والانصراف لعالم السينما الذي يشكل طموحها الأكبر مهنيا. واعتبرت أن أنظار العالم اليوم متجهة بشكل أساسي إلى السينما اللبنانية وأنها شخصيا متفائلة بوصول هذه الصناعة إلى العالمية، وعن رأيها في بعض المخرجين من زملائها الذين اختاروا أسواقا غير لبنانية للبدء منها في عالم السينما أشارت إلى أن ذلك ليس خطأ وأنها شخصيا تفضل اعتماد اللبنانية في كل شيء ولا تستطيع أن تقوم بغير ذلك حاليا، وأن عروضا عدة قدمت إليها في هذا الصدد لكنها رفضتها لأنها شعرت بأنها لن تفلح بها.

ورأت نادين لبكي أنها لا شك محظوظة في ما يخص موضوع تمويل أفلامها وإنتاجها، وأن الفرنسية آن دومينيك توسان وثقت بموهبتها منذ البداية وقالت لها: «أنت سيري وأنا ألحق بك»، فأخذت على عاتقها كلفة إنتاج «سكر بنات» وبعدها «هلق لوين» دون أن تتعرف نادين إلى أي شيء في هذا الخصوص، أو في ما يتعلق بالاتصالات اللازمة لإنتاج الفيلم أو توزيعه.

وتوجهت نادين لبكي إلى المبتدئين في هذا المضمار تدعوهم إلى صب كل شغفهم فيه وإلا فليس باستطاعتهم الاستمرار فيه لأنه درب شائك وطويل فيه الكثير من التعب والقلق، وأن لا يخافوا من الحلم، فهي نفسها حلمت بمهرجان «كان» ووصلت إليه، والأهم أن يبقوا أقدامهم على الأرض وأن لا يسكروا بالشهرة ويحلقوا في سرب أوهامها.

ووصفت زوجها الموسيقي خالد مزنر بملهمها وبالسند الحقيقي لها، فهو لا يتوقف عن تشجيعها، كما أنه لا يهتم بواجبات نادين الزوجة بقدر ما يهتم بنادين الفنانة، ولا يوفر فرصة ليعبر لها عن فخره واعتزازه بها، وأنه دائما يدفعها إلى الأمام، وتقول: «إنه حتى لا ينتقدني، ولا أعتقد أن ذلك بالأمر الجيد، وعندما نبدأ في الحديث مع الأصدقاء حول فكرة فيلم ما يبدأ هو أيضا بتأليف الموسيقى له فتولد الأفكار كلها متشابكة ولتصبح متناسقة في ما بعد، ولتشكل عملا منسجما منذ ولادته حتى تنفيذه وخروجه إلى النور».

يبقى القول إن نادين التي رزقت منذ سنتين بطفلها الأول وسمته وليد تيمنا بوالد زوجها، لا تفترق عنه وغالبا ما يرافقها إلى استوديوهات التصوير والمونتاج، ولا تستبعد وقوفه أمام كاميرتها في أحد أفلامها المقبلة لأن فرخ البط عوام.

أما فيلم «هلق لوين؟» فمن المفترض أن تعرضه الصالات السينمائية في سبتمبر (أيلول) المقبل في لبنان وفرنسا ومن ثم في الدول الأوروبية الأخرى وبينها برلين وبروكسل وغيرها، إضافة إلى دول الخليج العربي ودول شرق آسيا.