المخرج أحمد ماهر لـ «الشرق الأوسط»: سأقاتل كي يخرج «المسافر» من الرقابة دون حذف

قال إن دعمه للبرادعي كان وراء موقف نظام مبارك من الفيلم

المخرج أحمد ماهر («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أيام من عرض فيلمه الأول «المسافر»، بدا أن هناك أزمة بين المخرج أحمد ماهر، وبين جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بسبب رغبة الرقابة في حذف مشهدين من الفيلم، وهو ما رفضه ماهر، مؤكدا في حواره مع «الشرق الأوسط» إصراره على أن يرى عمله النور بدون حذف.

ويعد «المسافر» التجربة الروائية الطويلة الأولى لماهر الذي قدم عددا من الأفلام الروائية القصيرة المتميزة، كما يعد أول فيلم تقوم بإنتاجه وزارة الثقافة في مصر بعد توقف لثلاثين عاما عن الإنتاج السينمائي. ومثل «المسافر» مصر في المسابقة الرسمية في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2009، ليكون الفيلم العربي الوحيد بالمسابقة.

ماهر الذي عاد من إيطاليا ليشارك في الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) قال لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة إنه لا يفكر في الوقت الراهن في كتابة عمل عن الثورة.. «حتى الآن لم أتخلص من تعصبي وانتمائي للثورة وانحيازي التام لها، وما زلت غير قادر على تقبل الآراء الأخرى.. وبالتالي عندما أصنع فيلما الآن سوف تكون وجهة نظري أحادية».. وإلى نص الحوار:

* ما حقيقة إصرار الرقابة في مصر على حذف مشهدين من فيلمك «المسافر»؟

- هذا صحيح، وقد فوجئت بعد أن تحدد موعد عرض الفيلم تجاريا في 13 يوليو (الجاري) أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية اعترض على مشهدين مهمين في الفيلم وطالب بحذفهما، المشهد الأول يجمع خالد النبوي وسيرين عبد النور، والثاني هو مشهد تقوم فيه الممثلة اللبنانية نانا في نهاية العمل بإرضاع طفل.. عموما أنا لن أحذف أي مشهد، خاصة أنها مشاهد درامية لا يمكن حذفها إطلاقا، وأنا لم أضعهما بهدف الجذب التجاري.. وكنت قد تحدثت مع الدكتور سيد خطاب رئيس الرقابة وأخبرني أنه سوف يكوّن لجنة لتقييم الفيلم وإجازته وسوف يقوم بمشاهدته.

* وفى حالة رفض الرقابة السماح بإجازة الفيلم رقابيا، ماذا ستفعل؟

- سوف أحارب من أجل الفيلم ومن أجل عدم المساس به.

* وما حكاية غضبك من الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم، بعد إعلانها عرضه بخمس نسخ فقط؟

- هذا كلام غير صحيح.. كل ما حدث هو أن وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة المنتجة للفيلم، رأت أن عدد النسخ غير مناسب، خاصة أن عرضه التجاري في مصر سوف يتزامن مع عرضه في باريس، وبالتالي ليس من المفروض أن يعامل الفيلم مثل أي فيلم أجنبي يعرض بخمسة نسخ فقط.. والآن تجري محاولات من جانب وزارة الثقافة لبحث إمكانية زيادة عدد النسخ.

* كيف استقبلت خبر عرض الفيلم بعد تأجيل أكثر من عام؟

- أعتقد أن الوقت أصبح مناسبا الآن.. لكن الأهم من ذلك ويتعلق بسبب تأجيل عرض الفيلم حتى الآن، فقد علمت أن السبب وراء تأجيل عرضه في السينما كان دعمي لمحمد البرادعي، وتأييدي له، بالإضافة إلى أنني كنت قد استقبلت البرادعي في المطار منذ عام تقريبا، أي قبل الثورة، وبعد ذلك قرأت على صفحة البرادعي على موقع «فيس بوك»، أن هناك ضغوطا ربما يكون قد مارسها بعض أفراد في الحزب الوطني وأمن الدولة على وزارة الثقافة لمنع أو تأجيل عرض الفيلم.. وأعتقد أن الوزير السابق فاروق حسني لم يكن موافقا على هذا القرار.

* وما تفسيرك لذلك؟

- أعتقد أن ذلك كان بسبب موقفي من النظام السابق، هذا ما سمعته من خلال اتصالي بالسفارة المصرية في إيطاليا، في الوقت الذي كنت فيه هناك، أخبروني أنه حدثت عدة اجتماعات وترتب عليها أنهم اخذوا قرارا بتعطيله.. هذا ما حدث وقد كان هناك تجاهل إلى حد كبير منهم، والدليل أن الدولة لم ترشح الفيلم للمشاركة في أي مهرجان.. والمهرجانات التي شاركت فيها أعقبت عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2009.

* رغم أن فيلم «المسافر» لم يعرض حتى الآن، فإن هناك حملات هجوم شديدة شنت عليه.. ما تعليقك على ذلك؟

- في تقديري هي حملات منظمة.. فليس معقولا أن تنتج الدولة فيلما بميزانية ضخمة، والصحافيون يهاجمونه قبل أن يشاهدوه.. لذلك كان أمر مثيرا للدهشة والتساؤلات أيضا.

* ما هو تصورك لدور الرقابة في هذه المرحلة من عمر البلاد بعد سقوط النظام السابق؟

- حدثت قفزة ضخمة في المجتمع المصري بلا شك. والمفترض أن تسقط الرقابة بحكم سقوط النظام.. لكن ما زلنا أمام كتلة رجعية لم تصنع الثورة ولم تشارك فيها، ومن المتوقع أن يدينونا لو قمنا بإلغاء الرقابة الآن.

* هل يعني ذلك أننا غير مؤهلين لإلغاء الرقابة في تلك الفترة؟

- لا.. نحن مؤهلون لإلغاء الرقابة، لكن هذا لن يأتي إلا في مرحلة متقدمة، ونحتاج إلى حزمة من القوانين صارمة تسيطر على كل المنقلبين على الثورة والمحركين للفتن الطائفية والدينية لكي نمهد لمناخ ليبرالي.

* لكنّ هناك عددا من السينمائيين والمثقفين ضد إلغاء الرقابة تماما.. ويفضلون تطوير الجهاز الرقابي فقط.. ما رأيك؟

- أنا مع إلغائها، لكن بعد إعداد قوانين تردع من يعتدي على الحرية.. إذا نجحنا في عمل ذلك ففي ذلك الوقت نملك القدرة على إلغاء الرقابة.

* ظلت المحاذير الرقابية ترتكز على ثلاثة أبعاد؛ سياسية ودينية ومجتمعية.. أي من هذه الأبعاد الأكثر تضررا إذا ما ظلت الرقابة على حالها؟

- أعتقد أن الرقابة على البعد الاجتماعي أخطر بكثير.. فالرقابة السياسية سوف ينحسر دورها في المستقبل.. أما الرقابة الدينية فلن ينحسر دورها في الوقت الراهن وتحتاج أولا أن يتطور المجتمع، وفي تقديري لا يوجد سينمائي ولا روائي إلا ولديه رقابته ومسؤوليته الخاصة – رقابة ذاتية على الأفكار مثل عدم اقترابه من الدين والجنس ثم السياسة.. هو دائما يكون مسؤولا عما يقدمه.

* وماذا عن مشروع فيلم «المسيح».. هل لا يزال قائما؟

- كنت قد أجلته بسبب بعض المشاكل الرقابية، وانشغلت بكتابة سيناريو فيلم «بأي أرض تموت».. وأعتقد أن الوقت أصبح مناسبا لعمل فيلم المسيح الآن، وذلك بعدما تخلصنا من الفزع من الاقتراب من موضوعات حساسة مثل الدين.. وخلال الفترة المقبلة سوف أجلس مع المنتج محمد جوهر لوضع التفاصيل النهائية له.. وأعتقد أن فيلما مثل المسيح، من المهم أن يظهر الآن وأعتقد أنه أفضل كثيرا من أفلام تحمل الكثير من الهتافات والدعاية.

* ومتى ستبدأ تصوير فيلم «في أي أرض تموت»؟

- انتهيت من كتابته بالفعل، وخلال الفترة المقبلة سوف أعقد جلسات عمل مع الممثلين.. وتدور أحداثه في إيطاليا، ويتناول فكرة الموت في الثقافتين الشرقية والغربية من خلال عالم عنيف ومخيف، ويقوم ببطولته عمرو واكد، وأبحث الآن عن ممثل آخر أوروبي. وسوف نقوم بتصوير العمل في إيطاليا وجزء منه في فرنسا بميزانية تقترب من 4 أو 5 ملايين يورو.

* كيف ترى شكل السينما في مصر بعد ثورة 25 يناير، هل مناخ الإنتاج السينمائي سوف يتغير أيضا؟

- بالتأكيد سوف يحدث تغيير، ليس في السينما فقط، بل من الناحية الثقافية والاجتماعية والسياسية.. كما أن ما حرك الثورة في مصر هو ثقافة المجتمع، وفى تقديري أن الجمهور أصبح مختلفا بعد الثورة، ومن المنتظر خلال الفترة المقبلة أن تتطور السينما في مصر حسب حالة تطور المناخ السياسي والاجتماعي. ولدينا فرصة لعمل تغيير حقيقي على كافة المستويات.

* البعض يتحدث عن عزم بعض المنتجين دعم الأفلام منخفضة التكلفة.. كيف يمكن أن يؤثر هذا القرار على السينما في مصر؟

- أعتقد أن المرحلة القادمة ستكون للسينما البديلة والسينما المستقلة والمختلفة والمتحررة أيضا، وهى السينما قليلة التكلفة.. كما أن سقوط النجوم أمام هذا الحدث السياسي، الثورة، سوف يخلق حالة من التغيير في مصر، خاصة أن المؤسسة الصناعية التي كانت مسيطرة قبل الثورة تجمدت مثل النظام وقد كانت تفرض علينا ممثلين بإمكانيات ضعيفة، تنتجهم وتستثمر نجوميتهم بطريقة تافهة، وبالتالي تسهم في صنع حالة ثقافية متردية.

* الكثير من المخرجين وصناع الأفلام كانوا مشاركين في الثورة.. وقيل حينها إن أغلبية من نزلوا إلى ميدان التحرير ذهبوا بحثا عن فكرة لفيلم هل تعتقد أن هذا صحيح؟

- عندما قررت النزول والمشاركة في الثورة منذ يوم 25 يناير، نسيت من أنا وماذا أعمل، فالثورة جعلت من قيمة الأعمال بالنسبة لي قليلة للغاية.. وشعرت لأول مرة أن الواقع أصبح أكثر ثراء وأكثر اكتمالا من الخيال، وأن ذلك الوقت غير مناسب لعمل أفلام، بقدر ما هو مناسب للمشاركة فيما يحدث في مصر، وأن ما يتم صنعه أمامي كل يوم بالموت والدم من الصعب أن أعبر عنه بعمل فيلم. وبالنسبة لي لم تكن لديّ رغبة في تصوير أي شيء أثناء الثورة، وقد كنت ضمن المصريين الذين ضربوا الأمن بالحجارة. كما أنني لم أنزل الميدان بدوافع شخصية، بل نزلت بدافع عام وذاتي في الوقت نفسه.. واكتشفت لماذا كنت أصاب دوما بحالة إحباط، ولماذا كنت عندما أسافر لا أريد العودة إلى مصر مرة أخرى، كنت في حالة انعزال عن المجتمع، وأثناء الثورة كنت أعيد اكتشاف نفسي مرة أخرى.

* أثناء الثورة، خرجت أفلام كثيرة من ميدان التحرير ومناطق عدة في مصر منها فيلم «18 يوم» الذي مثل مصر في الدورة الماضية من مهرجان السينمائي الدولي، ما تعليقك؟

- هذا أمر طبيعي، فمن حق كل إنسان أن يقوم بتوثيق ما يحدث.

* وما رأيك في إطلاق اسم «أفلام الثورة» على هذه النوعية من الأعمال؟

- أعتقد أن الثورة لم تنته، والوقت هو الذي سيحسم ذلك.. وسوف نشاهد أفلاما كثيرة جدا عنها.. وثورة 23 يوليو (تموز) خصها السينمائيون بأفلام كثيرة وأقحمت مشاهد في أفلام من أجل الثورة.. لكنني لا أستبعد تقديم فيلم عن الثورة إنما ليس الآن.

* لماذا؟

- لأنني ببساطة لا أعتقد أن الثورة قد انتهت.. فالثورة مستمرة، والصورة غير واضحة. وأنا حتى الآن لم أتخلص من تعصبي وانتمائي للثورة ودفاعي عنها وانحيازي التام لها، وغير قادر على تقبل الآراء الأخرى. وبالتالي عندما أصنع فيلما الآن عن الثورة، سوف تكون وجهة نظري أحادية جدا.

* البعض يقول إن إنتاج أفلام في الوقت الراهن عن الثورة يعد محاولة استثمار للثورة؟

- الحكم في النهاية يجب أن ينصب على المنتج النهائي أو الفيلم.