مسلسلات السيرة الذاتية لم تعد تحظى بمشاهدة كبيرة

النقاد اعتبروا أن العديد منها افتقد الوعي الدرامي وتسبب في تشويه شخصية البطل

TT

شهدت الساحة الدرامية التلفزيونية خلال الآونة الأخيرة عرض العديد من المسلسلات التي تتناول السيرة الذاتية لبعض الشخصيات المشهورة من فنانين وكتاب وشعراء ورجال أعمال معروفين لدى أغلب الناس، إلا أن العديد من نقاد الدراما والسينمائيين يرون أن هذه النوعية من المسلسلات لم تعد كسابق عهدها، تحظى باهتمام ومشاهدة كبيرة، وأرجع النقاد الذين استطلعت رأيهم «الشرق الأوسط» السبب إلى أن العديد من هذه المسلسلات يفتقر إلى الوعي الدرامي، وتقوم على السرعة في الإنتاج، على حساب الكيف والقيمة الفنية، مما يؤدي إلى تشويه الشخصية في العمل الدرامي، مؤكدين أن بعض المسلسلات التي تختص بالسيرة الذاتية وتعرض الآن، تطاردها الدعوات القضائية لوقف عرضها.

ويشهد شهر رمضان حاليا عرض العديد من مسلسلات السيرة الذاتية، لعل أبرزها مسلسل «الشحرورة»، الذي يتناول قصة حياة والمشوار الفني للفنانة صباح منذ طفولتها حتى وقتنا هذا، ومسلسل «الريان» الذي يعرض مشوار حياة رجل الأعمال أحمد الريان، الذي انتشرت مشروعاته الناجحة في مصر وانتهى به المطاف إلى السجن وخسارة كل ما يملك، بالإضافة إلى مسلسلات أخرى تسير على نفس النهج الدرامي.

إلا أن النقاد أوضحوا أن مسلسلي «رجل لهذا الزمن» الذي تناول قصة حياة أول عالم نووي مصري، الدكتور علي مصطفى مشرفة، عالم الفيزياء الشهير، أول عميد لكلية العلوم، ومسلسل «عابد كرمان» الذي يدور حول الجاسوسية بين مصر وإسرائيل، تمكنا من النجاة من مفرمة ومصيدة تشويه تاريخ هذه الشخصيات، حيث يعرضان الشخصية بما يتقارب مع حياتها الأصلية.

وحول ما إذا كانت مسلسلات السيرة الذاتية تشويها أم تكريما للشخصية، قال الكاتب السيناريست وحيد حامد، الذي له سابقة في تقديم مسلسلات السيرة الذاتية حيث قدم مسلسل «الجماعة» الذي تناول فيه حياة الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، قائلا: على الكاتب أو الفنان أو المخرج الذي يتصدى لعمل يحمل سيرة ذاتية لشخصية سياسية أو أدبية أو غيرها، أن يتحلى بصفتين «الأمانة والشجاعة المطلقة»، موضحا أنه دائما ما يرغب أنصار كل شخصية في إظهارها «بأبهى صورة ودون أخطاء» وبالتالي، يجب أن لا يتم تجميل الشخصية بأي شكل، طالما قررنا طرحها في عمل درامي، والأهم هو الالتزام بالحقيقة، وجدية البحث. ويؤكد حامد، أنه لم يتابع بشكل دائم مسلسلات السيرة الذاتية التي تعرض حاليا، مثل «الشحرورة» و«في حضرة الغياب»، فقد شاهد أجزاء من الحلقات الأولى ووجدها ضعيفة من الناحية الفنية وركيكة ومتواضعة.

وأكد حامد أنه خلال تجربته في مسلسل «الجماعة» قام بالالتزام بالحقائق التاريخية، مشيرا إلى أنه لا يصح تقديم أي حقائق مغلوطة وذلك لأن هناك أجيالا جديدة لا يعرفون شيئا عن هذه الشخصيات التي تقدم في أعمال سواء تلفزيونية أو سينمائية، لافتا إلى خطورة الدراما في الوقت الحالي.

أما الناقد عصام زكريا، فيرى أن معظم هذى الأعمال ضعيفة في الكتابة والتصوير والإخراج وحتى في التمثيل، فهي تسجل الواقع من دون دراما حقيقية، بالإضافة إلى تصوير التاريخ القديم مقابل عدم الالتزام بكل تفاصيل مرحلته في ذلك الوقت. ويؤكد زكريا أن أحد الأسباب الهامة التي تضعف مسلسلات الشخصيات المعروفة، هو عدم تعود مجتمعنا على تقبل الحقيقة، موضحا أنه إذا قمنا بعمل بمقارنة بسيطة مع فيلم «الحياة وردية» الذي تناول حياة المغنية الفرنسية الشهيرة إديث بياف، سنرى الهوة العميقة بيننا وبينهم، وهذا من المساوئ المجتمعية والعقلية، التي لا تجعلنا نرى الواقع كما هو.. مشيرا إلى أن مسلسل «أسمهان» الذي عرض في رمضان قبل الماضي وتناول قصة حياة مطربة الزمن الجميل أسمهان، كان من أفضل مسلسلات السيرة الذاتية، فعلى الرغم من الضغوط والشروط التي فرضها آل «الأطرش» على صناع المسلسل، فإن المسلسل تحرر إلى حد ما من فكرة التصوير المثالي للشخصية. وعما إذا كانت هذه الأعمال قد تشوه التاريخ أو تتحايل على جزء من حقائقه، يؤكد زكريا أنه ليس تشويها بقدر ما هو تنقيح، وهذه كارثة عندما ننقح السير الذاتية ونجعلها مهذبة، ونبتعد عن الحقائق سواء السلبية أو الإيجابية. ودافع أمير شوقي منتج مسلسل «الشحرورة» عن المسلسل قائلا إن المسلسل يقدم جانبا مختلفا وحقيقيا من حياة الشحرورة «صباح»، ونكشف فيه جوانب لا يعرفها أحد، لكن في نفس الوقت لا يمكننا الحديث في موضوعات تتعلق بفنانين آخرين، ويضيف شوقي أن المسلسل دوره أن يذكر الناس بالشخصية فقط.

ودافع أيضا المخرج أحمد شفيق عن مسلسله «الشحرورة» قائلا المسلسل هو مجرد تكريم للفنانة صباح وتسليط للضوء على مشوار فني طويل وحياة أطول، وكان من أهم الأشياء لي في هذا العمل حرصي على ألا أقدم شخصية وأمجدها، فكان من الضروري أن أقدم جوانبها السلبية والإيجابية، ولو كانت صباح لها إيجابيات فقط، ما كنت تحمست ولا أخرجت هذا العمل. ويؤكد شفيق أنه لا يقدم مسلسلا كمجرد نسخ من التاريخ وتصويره في الواقع، موضحا أن الكثير من المخرجين ساروا على نهج التقليد فقط، بمعنى أن يكون الممثل أو الممثلة مشابها بشكل كبير للشخصية الحقيقة، وفي اعتقادهم أن هذا هو النجاح، وبالتالي أنا رافض تماما أن أقلد المخرجين الذين سبقوني وقدموا أعمالا درامية تناولت سيرة ذاتية لشخصيات معروفة.