جورج قرداحي لـ «الشرق الأوسط»: لا علاقة لي بإسقاط النظام في سوريا

قال إن تصريحه حول الثورات العربية أسيء فهمه

TT

لا يخفي الإعلامي جورج قرداحي خوفه على الثورات العربية التي أشعلتها زنود فتية نقية القلب ومفعمة بالحيوية، من ديناصورات كبيرة تسعى إلى مصادرتها، خاصة أنه يرى أن الاختراق الثوري الذي حصل فجأة على يد الشباب لن يتكرر مرة ثانية إذا صودر اليوم، كما يشدد في الوقت نفسه على أنه مع مطالب الإنسان العربي في كل الدول العربية، وضد قتل الناس في أي مكان في الوطن العربي.

جورج قرداحي الإعلامي المتميز في زمن برامج الألعاب والمسابقات، والإعلامي المحايد والموضوعي في زمن الإعلاميين المنحازين لجهة دون أخرى ولرأي ضد آخر، يبقى في مواقفه فوق النقد والانتقادات. فالبعض هاجمه وانتقده، على الرغم من أنه لم يكن يوما إعلامي نظام، بل إعلامي مناصر للقضايا المحقة للشعوب العربية، التي تطمح للوصول إلى حقوقها الإنسانية: الديمقراطية والحرية.

وجورج قرداحي، الذي اشتاق إليه جمهوره الممتد من المحيط إلى الخليج، ستكون له إطلالة قريبة على شاشة الـ«MBC» من خلال برنامج جديد يتحدث عنه وعن مواضيع أخرى في هذا اللقاء.

* ما موقفك من الثورات التي تحصل في الوطن العربي؟ وهل ترى أنها متشابهة في مضمونها وأهدافها؟

- منذ أن بدأت الثورة في تونس وانتقلت إلى مصر، كنت في غاية السعادة والسرور لأن الشباب أثلجوا صدورنا، بعد أن كنت أنا وكل من هم في مثل جيلي قد وصلنا إلى حالة من اليأس. الأمة العربية كانت غارقة في النوم كـ«نومة أهل الكهف»، لا تستفيق ولا تتحرك، ولذلك أنعشني الحراك الثوري في الدول العربية، وشعرت أن الأمة فيها حياة ونبض وإرادة تغيير، وأنا من أشد المؤيدين له، حتى إنني نزلت إلى ميدان التحرير في مصر. أنا مع الثورات العربية التي تطالب بإقرار الحقوق الكاملة للإنسان العربي، التي حرم منها منذ ما قبل الاستقلالات، عندما كانت الدولة العربية غارقة في الاستعمار. ولقد سبق أن أدليت بتصريح أسيء فهمه، عندما قلت إنني خائف على هذه الثورات، لأنها لا تزال فتية، والعالم فيه ديناصورات كبيرة تريد مصادرتها، وكنت أريد من الشباب أن يظل متيقظا، وألا يسمح لأحد بأن يحولها إلى مكان آخر.

* هل تجد أنه بدأت فعلا مصادرة الثورات العربية؟

- طبعا.. هناك محاولات.. وهذا يبدو واضحا مما يحصل في تونس ومصر. هذا الاختراق الثوري الذي حصل فجأة على يد الشباب المفعمين بالحيوية وأنقياء القلوب لن يتكرر مرة ثانية إذا صودر اليوم. أنا لا أعتبر نفسي لبنانيا فقط، بل انتمائي هو للوطن العربي كله، إلى الثقافة العربية كلها، وإلى هذا الإنسان العربي الذي يطمح للوصول إلى مرحلة من الديمقراطية، الحرية وتكريس حقوق الإنسان. * ما موقفك من الحملة المثارة ضدك، التي تتهمك بتأييد النظام في سوريا؟

- أنا مع مطالب الناس في سوريا، ومع أن يحصل الشعب السوري، في جميع المحافظات، على حقوقه كاملة، لأنني مع مطالب الإنسان العربي في كل الدول العربية، وضد قتل الناس، سواء في سوريا أو في أي مكان آخر في الوطن العربي.

* وهل أنت مع إسقاط النظام في سوريا؟

- من بعد نجاح برنامج «من سيربح المليون» نشأت وشائج محبة بيني وبين كل الناس، وكنت ألتقيهم في سوريا، اليمن، مصر، ليبيا، تونس والسعودية وسائر الدول العربية، ولا أرضى أن تسقط نقطة دم واحدة في الشارع العربي. لا علاقة لي بإسقاط النظام في سوريا، ولست أنا من يوجه إليه هذا السؤال، لأنني لا أتعاطى مع الأنظمة لا في سوريا ولا في أي بلد غيره، وأنا انتقدت على موقفي، لأنه عندما بدأت الأحداث في درعا، اتصل بي «التلفزيون السوري» تعليقا على ما كان يجري هناك، ويومها قلت: «أنا أخشى أن تكون سوريا معرضة لمؤامرة، القصد منها، تفتيتها وضرب وحدتها واستقرارها، وهذه ستكون كارثة ليس على سوريا فقط، بل أيضا على كل الدول المجاورة في بلاد الشام، وحتى على دول الخليج». الوضع في لبنان هش، وإذا تغير الوضع في سوريا وانتقلت، لا سمح الله، إلى وضع من العرقلة والفوضى الدامية والمدمرة، فإن لبنان سيدفع الثمن، وكذلك فلسطين والأردن، ومن ثم العراق الذي سيدفع ثمنا أكبر، وربما تصل النيران إلى دول الخليج. أنا لم أقل على الإطلاق إنني أريد أو لا أريد أن يبقى النظام في سوريا، لأن الأمر لا يتعلق بي، ولا يجوز لأي إعلامي أن يطالب ببقاء نظام أو رحيله، لأن النظام السوري أو أي نظام عربي آخر إذا لم يكن يحظى بثقة الأكثرية من شعبه وقواته المسلحة، فإنه لن يبقى، حتى لو صلينا وصمنا من أجل بقائه، ولقد شاهدنا ذلك في تونس، مصر وليبيا. كل مواقفي هذه تعبر عن رأيي الشخصي ولا علاقة للـ«MBC» وإدارتها بها.

* وبالنسبة إلى الوضع في لبنان، فإلى أين نحن ذاهبون؟

- وضع لبنان مرتبط بالوضع في سوريا، وكلنا كلبنانيين نعيش حالة قلق تجاه ما يجري فيها، لأننا لا نعرف إلى أين يتجه الوضع هناك، فإذا كان متجها نحو المجهول، فإنه سيكون كارثيا في لبنان، ولذلك لا يلومني أحد إذا كنت أشعر بالخوف بسبب ما يحصل في سوريا، والكل يعرف في لبنان: المؤيدون والمعارضون للنظام السوري، أنه إذا دخلت سوريا في الفوضى أو في حرب أهلية، لا سمح الله، فنحن في لبنان سندفع الثمن، وكذلك القضية الفلسطينية. ولذلك أنا أطالب السوريين بالتهدئة، وإذا كانت ثمة بوادر حوار والسلطة مدت يدها، فخذوا بهذا، ويا أيتها المعارضة الحبيبة ادخلي في اللعبة، طالما أن الرئيس الأسد أبدى استعداده للقيام بالإصلاحات وأقر قوانين جديدة للأحزاب، للانتخابات وللإعلام، لأنني أرى أن التغيير من الخارج صعب جدا.

* وماذا عن المحكمة الدولية، هل تشكل لك مصدر قلق؟

- المحكمة الدولية أوجدت شرخا وانقساما عموديا في لبنان، وإذا استمرت الأطراف المؤيدة والمعارضة لها في التعبئة الشعبية، المذهبية والفئوية، فإنني أخاف من انفجار ما، مع أنني لا أتمنى ذلك على الإطلاق.

* وهل تتوقعه؟

- هو متوقع في أي لحظة، ونحن في لبنان نعيش على برميل بارود. ولكن على الرغم من الاحتقان، يوجد في لبنان مسؤولون كبار يتمتعون بالوعي، ولن يسمحوا بأن تصل الأمور إلى حيث ما هو مخطط لها.

* ما رأيك بأداء الإعلام في العالم العربي في المرحلة الحالية؟

- أنا أردد دائما أنه يوجد «إعلامات» عدة في الوطن العربي. للأسف لم يعد هناك إعلام موحد، بل إعلام يتحدث بحسب التوجه السياسي لدولته أو المؤسسة التي يمر عبرها. الإعلام العربي في حالة فوضى تماما كما هو حال الوطن العربي، وأنا لا أريد أن أقيمه. لكن دور الإعلام ليس تحريضيا، تقسيميا، لإثارة النعرات الطائفية، لتشويه الحقائق ولتزوير الوقائع. الإعلام يجب أن يكون موضوعيا، وهو عندما يمنع من الوصول إلى أماكن معينة، لا يحق له فبركة معلومات وصور ومشاهد، لأنه ليس مطلوبا منه أن يكون جزءا من معركة مع أو ضد نظام.

* هل تقصد بكلامك وسيلة إعلامية بعينها؟

- بل أنا أتحدث بشكل عام. الإعلام رسالة، وهو مسؤول عن أمور عدة في المجتمع، وأنا أتمنى من الإعلام العربي، وبخاصة الوسائل الإعلامية الناجحة، أن تحافظ على مصداقيتها أولا، وموضوعيتها ثانيا، وإذا حصلت خلافات في دولة عربية معينة، عليها أن تتبنى الرأي والرأي الآخر. بالفعل وليس بالقول فقط، لا يحق لأي وسيلة إعلامية أن تكون طرفا.

* كأنك تقول إن الإعلام العربي أصبح جزءا من الثورات العربية؟

- بالفعل، مع أن دوره ليس الإسهام في المعركة، بل نقل ما يجري بشكل موضوعي. ربما البعض لن يحب ما أقوله لأنه يعتبر أن الإعلام معه، هذه المرة، ولكنه قد يكون ضده في مرات مقبلة. الإعلام سيف ذو حدين، ويجب أن يحترم نفسه كما المشاهدين، ونحن إذا راقبنا علاقة المشاهدين به، نلاحظ أنهم منقسمون حوله، فهو مكروه من قبل البعض، ومقبول من قبل البعض الآخر.

* كمشاهد عربي، أي المحطات تتابع؟

- كل العرب يتابعون المحطات الإخبارية، نظرا للتطورات التي تحصل في الوطن العربي، وأنا مثلهم، أتابع محطة «العربية» لأنها محطتي، وأيضا محطة «الجزيرة»، وعندما أكون في لبنان أتابع المحطات المحلية كما القنوات الأجنبية. أحيانا، تجبرني محطة معينة على تركها والانتقال إلى محطة أخرى، لأنها تكرر مشاهد معينة على مدار أسبوع كامل، أو لأنها تخصص نصف ساعة من وقت نشرتها لخبر عن بلد معين، والخمس دقائق الباقية، لمجموعة أخبار عن بلدان أخرى.

* هل ترى أن الإعلاميين المثقفين الذين يتقنون أصول اللغة العربية وقواعدها أصبحوا عملة نادرة على الفضائيات المحلية والعربية؟

- هم ليسوا عملة نادرة، والمجتمع لا بد من أن يفرز شبابا من أصحاب الكفاءات ويتمتعون بالقبول لدى المشاهد، وربما يصبحون نجوما في المستقبل.

* من يلفتك من بين الإعلاميين الذين يطلون على الشاشات العربية؟

- لكي أوفر عليك وعلى نفسي التفكير في هذا الموضوع، أقول إن كل مقدمة أو مقدم، حقق النجاح ومحبة المشاهدين، يتمتع بالكفاءة وبالثقافة، لأنه حصل على إجازة مرور من الناس.

* لكن ألا توافق على أن بعض مقدمي البرامج ومذيعي نشرات الأخبار، لا يلمون بأبسط قواعد اللغة العربية؟

- أنا لا أتحدث عنهم وهم لن يستمروا. الناس هم الذين يضعون العلامات، ومن تكون علاماته سيئة، فلا يمكن أن تتحمله الشاشة لفترة طويلة. ربما هؤلاء وصلوا من خلال «الواسطة»، ولكنهم لن يكملوا المشوار، ومن يستمر، هو الذي يعمر برنامجه لسنوات طويلة، لأن إجازة مروره هي الناس وليست «الواسطة». أحيانا يكون هناك سوء إدارة في بعض المحطات، والإعلامي الناجح الذي يستلم زمام الأمور في أي محطة تلفزيونية لا يسمح بوصول عناصر غير كفؤة إلى الشاشة. عندما كنت أشغل منصب مدير عام في إذاعة «MBC»، «إف إم»، وقبلها في «إذاعة الشرق»، لم أكن أسمح لأي شخص بالجلوس وراء المذياع وتقديم أي برنامج، إذا لم يكن يملك المواصفات المطلوبة. عملية «فلتراج» لا بد أن تحصل، شرط أن يقوم بها شخص مهني.

* وكيف تفسر إصرار بعض المحطات على التمسك ببعض العناصر غير الكفؤة، التي لا تزال تحتل الشاشات منذ سنوات طويلة؟

- في هذه الحالة، يكون هناك عدم اهتمام من المحطة بالإعلانات، ويكون لديها دخل آخر يؤمن لها الاستمرارية. اليوم، أصبح التنافس تجاريا، والمحطات التجارية المتنافسة التي تعتاش على الإعلانات لا يمكن أن تقبل بأي مذيع في أي برنامج لا يؤمنها لها، ولذلك فنحن نلاحظ أنها تستبدل برنامجا بآخر، ومذيعا بمذيع آخر.

* «إم بي سي» تقرر إيقاف وعدم عرض برنامج جورج قرداحي «أنت تستاهل»

* مراعاة لمشاعر الشعب السوري

* دبي: («الشرق الأوسط»)

* اتخذت «مجموعة MBC» قراراً، على أعلى مستوى، بإيقاف وعدم عرض البرنامج الجديد «أنت تستاهل» على «MBC1»، من تقديم جورج قرداحي، والذي كان مقرراً عرضه ضمن شبكة البرامج الجديدة بين عيديْ الفطر والأضحى، وذلك لمراعاة مشاعر الشعب السوري.