حميد الشاعري: القذافي عطل مسيرتي الفنية لسنوات و«حاربني في عز نجاحي»

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يسعى لأن تنافس الأغنية الليبية الأغنية الخليجية

الفنان الليبي حميد الشاعري («الشرق الأوسط»)
TT

منذ اليوم الأول للثورة الليبية في 17 فبراير (شباط) أعلن الفنان حميد الشاعري تأييده لها، وقرر دخول ليبيا أثناء اندلاع الثورة ولكنه فشل، وعلى الفور تعاون في إنشاء المحطة التلفزيونية «الرأي الحر» التي تبث أحداث الثورة الليبية من مصر. وتحدث الشاعري مع «الشرق الأوسط» من القاهرة عن علاقته بالعقيد معمر القذافي أثناء حكمهن وكذلك نجله سيف الإسلام الذي كلفه بعمل أوبريت غنائي عن ليبيا، ولكن مع تغيير كلماته لكي تمتدح القذافي، إلا إنه اعتذر عن الاستمرار فيه. كما يكشف الشاعري عن كيفية محاربة الرئيس الليبي في عز نجاحه بأساليب لم تكن ظاهرة، وأنه لم ينفذ الكثير من أحلامه الفنية بسبب ذلك، قائلا إنه رغم ما تعرض له من انتقاد في وسائل الإعلام الليبية وقت الثورة، فإنه سيستمر فيها وسيظل حرا، وإنه ليس أفضل ممن يموتون كل يوم في ليبيا للدفاع عن حريتها. وهذا نص الحوار.

* لماذا أقدمت على فكرة عمل «قناة ليبيا» في ظل هذه الأجواء الجارية داخل الأراضي الليبية؟

- أرى أن وقت الثورة كان هو أنسب وقت لظهور قناة ليبية تعبر عن الليبيين الحقيقيين، لبث الحقائق التي تدور داخل الأراضي الليبية من دون أي مجاملات، وكانت هذه الفكرة لأخي مجدي الشاعر وليست فكرتي بمفردي، والقناة تقدم مجموعة من الشخصيات الإعلامية البارعة والمتخصصين في تقديم البرامج وكلهم شخصيات ليبية حرة.

* ولكن الإبداع الليبي قليل، وتلك الشخصيات لم نسمع عنها من قبل، وعددهم قليل ومن المقيمين خارج ليبيا؟

- هذا كان هدفا من أهداف القناة، أن تبين للعالم أن ليبيا بها الكثير من المثقفين والإعلاميين، ولكن سياسة وضغط القذافي عليهم دفعتهم للهروب من ليبيا خوفا من تأثير فكر القذافي عليهم، وأنا واحد منهم، خرجت من ليبيا وأنا في التاسعة عشرة من عمري كي أنجح وأبني نفسي.

* وما مصلحة القذافي في قتل المواهب داخل ليبيا؟

- كي يكون هو الموهوب الأول والمثقف الأول والفنان الأول، فلا يذيع صيت أي أحد من ليبيا إلا معمر القذافي، فهو كان مريضا نفسيا يحب الذات ويعشق السلطة، وأكبر دليل على ذلك الأسماء التي اختارها لأبنائه: سيف الإسلام معمر القذافي، عائشة معمر القذافي، والساعدي القذافي، إلخ.

* هل تقابلت مع القذافي من قبل؟

- من حسن حظي أنني لم أقابله أثناء فترة حكمه، لأني لو قابلته كنت سأنتقده في وجهه، لكن في الفترة الأخيرة منذ بداية عام 2007 دعاني سيف الإسلام نجله في عيد ميلاده وتحدثنا عن أحوال ليبيا وانتقدت أشياء كثيرة، والذي فاجئني أنه أيضا انتقد الأوضاع في ليبيا وقال إننا ليس لدينا حراك سياسي ولا قانون وليست لدينا إمكانيات للمنافسة مع أي بلد من البلدان، وكلامي مع سيف الإسلام زاد عندي الأمل والتفاؤل في التغيير، وبدأنا في بداية عام 2011 عمل خطة لليبيا الغد بهدف التطوير والتحديث في كل الألوان سواء كانت ثقافة أو فنونا أو مؤسسات أو خدمات.

* ولكن موقف سيف الإسلام المعلن إبان الثورة يناقض هذا الرأي؟

- فعلا أنا صدمت جدا فيه، وكلامه في الإعلام كان مختلفا تماما، وكنا ننتظر منه خطابا يعبر عن الحقيقة ويتحدث فيه عما يحدث في ليبيا، ولكن جاء مخيبا للآمال، حيث إننا كنا نعتقد أنه الأمل لأنه ظهر متفهما بعض الشيء، ولكننا فوجئنا بموقفه وأنه كان يخدعنا لكي يحمي والده ويستولي على الحكم 40 سنة أخرى مقبلة. ومن المحتمل أنه خائف علي نفسه من بطش أبيه.

* ما حقيقة «الأوبريت» الذي كلفك به؟

- نعم هو بالفعل كلفني بعمل أوبريت لما سيحدث لليبيا في المستقبل، وكان هذا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولكني فوجئت أن كلمات الأوبريت تغيرت لكي تمدح في معمر القذافي، فرفضت أن أنفذه واعتذرت عن المشاركة فيه. ومن حسن حظي أنني لم أنفذه. وكان عرض علي أكثر من مرة الغناء للقذافي، ولكني كنت أرفض لأني كنت غير مؤمن بما يقدم لليبيا، ولكن هذا ما كان يحدث، وكان يحاربني بطرق كثيرة جدا وإن لم تكن ظاهرة للناس، ومنها تعطيل مسيرتي الفنية لسنوات كثيرة، ولكنني كنت مصرا على موقفي كل الإصرار وعندي إيمان بأن الله وحده هو من يعطي.

* وما هي أشكال الحرب التي كان يشنها عليك؟

- القذافي عنده في الاستخبارات العامة قسم يسمي «مكافحة النجومية والشهرة»، وكان هناك شخص مكلف بإيقاف مسيرتي الفنية في مصر، وأنا جلست مع هذا الشخص بعد ذلك، واعترف لي بأنه كان ينفذ ذلك عن طريق الكثير من العوامل ومن ضمنها إيقافي من قبل النقابة المصرية، حيث أوقفتني النقابة 4 سنوات والسبب لم يكن مقنعا أن أوقف كل هذه المدة لأنني نسيت أن أجدد «كارنيه» العضوية عاما واحدا، حيث إن الموضوع لم يكن طبيعيا، بالإضافة إلى أن القذافي كان يدفع أموالا لفنانين معروفين جدا لكي لا يتعاملوا معي ولن أذكر أسماءهم. وكان يحاربني في عز نجاحي ولم أنفذ الكثير من أحلامي بسبب ملاحقته لي، وما قام به معي كرره مع آخرين مثل الشاب جيلاني والمطربة أميرة اللذين توقفت مسيرتيهما الفنية كثيرا وكان هو السبب وراء ذلك.

* هل ترى أن مبارك كان أفضل من القذافي في معاملته مع شعبه؟

- طبعا، هناك فرق كبير جدا بين النظام المصري والنظام في ليبيا، حيث إن النظام المصري كان فيه حرية شكلية ظاهرية، حتى في التعامل مع المصريين أثناء الثورة كان مختلفا، حيث إن مبارك لم يجلب مرتزقة لضرب شعبه ولم يطلع على الإعلام ويشبه الشعب الليبي بالجرذان، كما أن النظام الليبي لم يكن به أي حرية ولم يكن أحد يستطيع أن يتكلم عن أي شيء حتى في بيته، فقد جند القذافي 50 في المائة من الشعب للعمل في المخابرات للتجسس على الباقيين.

* هل ترى أن الشعوب العربية ساندت ليبيا بما فيه الكفاية؟

- هناك مواقف لا تنسى للشعوب العربية، فهناك السعودية التي قدمت الكثير من المساعدات للشعب الليبي، والتي لم تكن ظاهرة على الإعلام، وأيضا هناك قطر ودورها الكبير، وتونس ومصر اللتان استقبلتا الكثير من اللاجئين الليبيين واحتضنتهم داخل أراضيهما. كما أن الجامعة العربية أدت دورها على أكمل وجه، فقد أعطت للقذافي مدة شهر حتى يتراجع عن موقفه ولكنه لم يغيره، فقامت الجامعة برفع مذكرة إلى الناتو لإنقاذ بالمدنيين الليبيين. ولا أنسى كلمة عمرو موسي وهو يقول إن جامعة الدول العربية لن تسكت عن المجازر التي تحدث داخل الأراضي الليبية من المعمر القذافي.

* تحدثت الفنانة السورية رغدة في إحدى لقاءاتها الإعلامية أنها مع معمر القذافي، وأنها لا تعرفه على المستوى الشخصي، ولكنها معه وتؤيده ضد الناتو أو أي طرف يريد التدخل في الأراضي الليبية.. ما تعليقك؟

- يبدو بالفعل أنها لا تعرفه لا على المستوى الشخصي ولا حتى تعرف من هو، ولا أتفق معها في هذا، وأنا ألوم عليها قولها هذا الكلام، وهي ليست عندها دراية بما فعله القذافي بشعبه، فقد كان يضرب الشعب الليبي بالطائرات والقنابل وكذلك يجلب المرتزقة لقتلهم، وأعتقد أنه لا يحق لها التحدث عما يحدث في ليبيا، وكذلك ألوم على الفنانة المصرية شيرين أنها انتقدت الثوار الليبيين ووقفت مع القذافي، فهما بالفعل لا تعرفان شيئا عن الوضع في ليبيا كيف كان، فهناك شباب مثقفون وشباب أغنياء ينضمون للثوار ويحاربون نظام القذافي.

* ألم تقلق من وجود الناتو وإمكانية التدخل في ليبيا حتى بعد انتهاء مهمته بالقضاء على القذافي؟

- لا، الليبيون لن يسمحوا بذلك، كما أن الناتو عنده مهمة محددة عندما تنتهي سينتهي دوره، ونحن شعب حر ولا نسمح بالتدخل في أمور بلادنا وغير ممكن أن نكرر النظام الاحتلالي في بلادنا بعد الإطاحة بنظام الاستبداد المتمثل في القذافي. وأنا أرى أن نظام القذافي قد سقط، ولكن ما يقلقني هو إمكانية وجود شهداء مدنيين من الليبيين، ولولا استعانة القذافي بمرتزقة لقتل الليبيين لم يكن الشعب الليبي يطالب بحماية الناتو أو تدخلهم الجوي في ليبيا، فهم دخلوا لكي يحموا المدنيين من الطيران والمدفعية الليبية لنظام القذافي، والأوضاع في ليبيا مختلفة عما حدث من قبل في العراق.

* كيف ترى زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان لليبيا؟

- أرى أنها تأتي تحت بند المصالح المهمة، فتركيا دولة متقدمة عندها نموذج جيد ولها موقع جيد بالنسبة لأوروبا ومسلمة، ومهم جدا أن تكون لها علاقات جيدة مع كل من مصر وليبيا، ولا ننسى دور تركيا في دعم الثورة الليبية، حيث إن تركيا كانت تقدم معونات خلال شهر رمضان لليبيين، كما أنها احتضنت الكثير من اللاجئين الليبيين، وأنا ضد أن يقال إن شخصا يسعى إلى السيادة على كل الدول ولكن السيادة الحقيقية هي الاقتصاد القوي والتقدم في الحياة الاجتماعية والسياسية وعلاقات خارجية قوية.

* ما هي أغرب الحكايات التي كنت تسمعها عن نظام القذافي؟

- نظرا لوجودي خارج ليبيا 30 سنة تقريبا فأنا لم أر شيئا، ولكني كنت أسمع ما يفعله بالليبيين، فلم يكن يهمه فقط سوى الكرسي، وسمعت أنه قتل بالنار ابن خالته لأنه وقف في وجهه وكان ينتقده، وهذا ما كان يفعله مع كل من يقف أمامه من المعارضين حتى أقاربه. وهناك شائعة أخرجها القذافي وهي موت أحفاده حتى يتعاطف معه الليبيون وهذا لم يحدث نهائيا.

* ما هي حكاية حريق منزلك في الفترة الأخيرة؟

- كنت أجلس في البيت وأعمل في الاستوديو الخاص بي وسمعت صوت فرقعة بالشقة ورأيت النيران تشتعل في منزلي، ولولا ستر ربنا لكان حدث لي مكروه ولكن الحمد لله.

* هل تعتقد أن هذا الحريق كان بفعل فاعل؟

- أرى أنه توجد أياد خفية وراء هذا الحريق، ولكني لا أجزم بذلك، ولكن كل الشواهد تؤكد أنه بفعل فاعل، وأيضا في الفترة الأخيرة كانوا يشتمونني في ليبيا وفي الإعلام الليبي، ولكني سأظل فيما أقدمه وسأظل حرا وسأموت حرا وأنا لست أفضل ممن يموتون كل يوم في ليبيا للدفاع عن حريتها.

* ما مصلحة القذافي في أن يحارب الفن داخل ليبيا وهو رجل كان معروفا عنه أنه يحب الفن ويعشقه؟

- القذافي لم يكن يحب الفن ولم يحب إلا نفسه فقط، فهو من قام بحرق الآلات الموسيقية داخل ليبيا، وإذا أقيم حفل أو مهرجان فني كان ما يهمه هو أن يذكر اسمه فيه حتى يكون هو الراعي لمثل هذه الفنون داخل ليبيا.

* أثناء فترة مرضك عندما سافرت إلى ليبيا، قالوا إنك تم علاجك على حساب النظام الليبي؟

- إطلاقا.. لم يحدث ذلك، كل ما في الأمر أن وزير الصحة عرض علي أن أسافر إلى ألمانيا للعلاج ولكني رفضت، وقلت هناك من هو أحق مني بذلك، وطلبت أن أعود إلى ليبيا لكي أموت وسط أهلي، ولم يكلمني أو يحدثني القذافي طوال حياتي.

* ماذا لو طلب القذافي العفو من الشعب الليبي؟

- القذافي خلاص مات داخل كل ليبي ولكنه فقط جسمانيا ما زال موجودا، ولكن الموضوع ليس موضوع مسامحة أو عفو، فالموضوع أكبر من ذلك، فالقذافي جرائمه كثيرة ولا بد أن يحاكم محاكمة عادلة على كل ما فعله بالشعب الليبي، وثورة 17 فبراير ثورة بدأت منذ زمن بعيد، فهناك ثورات ماضية لكن لم تكتمل ونحن نحمد الله أنها اكتملت أخيرا.

* كيف ترى دورك كفنان تجاه ليبيا في الفترة المقبلة؟

- حاليا أنا أجهز لمدينة فنون للنهوض بالفن الليبي الزاخر بالتراث العظيم، وسأسعى كي تنافس الأغنية الليبية بقوة الأغنية الخليجية، كما أسعى إلى بناء استوديوهات واكتشاف المواهب الدفينة في الشعب الليبي، وأتمنى أن أظهر الفن الليبي الحقيقي من خلال هذه المدينة.