المخرج نبيل المالح: «عالشام عالشام» يجسد إرهاصات الثورة السورية

قال لـ «الشرق الأوسط» : لدي فيلم عن الأجواء التي تقود الشعوب إلى الثورات

نبيل المالح
TT

شرف المحاولة لدى المخرج السوري نبيل المالح لا ينتهي، فمنذ سنوات طويلة يواجه الإقصاء والمنع وحالة من الخناق إلا أن قلبه ينبض بالرفض. في رأي المالح أن القمع متوارث في الأنظمة العربية منذ قديم الأزل، وكانت السينما السورية واحدة من ضحايا قمع النظام السوري، لذا فهو يعتبر أن السينما السورية «تصالحية»، لكونها تتحدث عن كل شيء إلا المواضيع التي تستحق الحديث عنها.

في حواره مع «الشرق الأوسط» من القاهرة يتحدث المالح عن ثورات «الربيع العربي»، وسقوط الأنظمة العربية، ويكشف عن أن لديه فيلما يتحدث عن الإرهاصات والأجواء النفسية والفلسفية التي تقود الشعوب إلى الثورات.. وهذا نص الحوار:

* نبيل المالح الأديب والمخرج السوري، كيف يصف المشهد السياسي العربي الآن؟

- من وجهه نظري فإن المشهد السياسي العربي في حالة مخاض عسير، لأن الأمور لم تنته بعد بل في مرحلة البداية، كما أننا ننتظر ظهور ملامح لهذه الثورات أو مقدمة للحوار الديمقراطي، وكذلك نوعية التوجه الذي ستسفر عنه الثورات، هذا في رأيي ملخص بسيط للمشهد السياسي الحالي في الوطن العربي.

* دائما تقول إن الأنظمة القمعية لا تحتمل حرية الطائر، فهل ما زلت عند رأيك؟

- طبعا، لأن القمع متوارث في هذه الأنظمة منذ قديم الأزل، كما أنها لم تكن تعرف أي طريقة أخرى سوى القمع.

* لديك مشوار طويل من الكفاح، فهل ما زلت تعاني من التضييق والخناق حول أفكارك؟

- هذا حقيقي، لذا أصررت على الرحيل من دمشق والإقامة في دبي كي يتسنى لي أن أتنفس بعيدا عن هذا الخناق.

* هاجمت النظام السوري في عز عنفوانه، وتحدثت عن فساد مؤسسة السينما.. هل ترى أن هذا الفساد كان سببا في تضييق الخناق حولك؟

- قلت من قبل إن المؤسسة العامة للسينما هي مجرد نموذج لما يجري في مؤسسات أخرى، عندما يفضح أحد الفاسدين، فهذه حالة استثنائية. الجميع يعلم أن سوريا تحوي كما هائلا من الفساد، وهو السبب الأساسي والمرجعي للحراك الشعبي الحقيقي الذي يحدث اليوم، هناك أيضا نوع من الحماية للمفسدين، فلا نجد أحدهم يعاقب أو يفصل. والسينما واحدة من الضحايا، لذا أعتبر السينما السورية تصالحية لأنها تتحدث عن كل شيء إلا المواضيع التي تستحق الحديث عنها، كما أن مديري مؤسسة السينما يتم تعيينهم من قبل أجهزة المخابرات ولم يتغير في الأمور شيء، فمثلا المدير الحالي للسينما قال بعد تعيينه إنه جاء من خلال ضابط مخابرات كبير، وكأن ذلك رسالة إنذار للجميع ولمن يحاول مهاجمته، والغريب أنه كان يتحدث عن ذلك بفخر كبير.

* وما الجديد حول فيلمك الممنوع من العرض «عالشام عالشام»؟

- هذا الفيلم يعد واحدا من المعالم السينمائية في سوريا، وبعدما انتهيت من تصويره تم منعه من العرض، وتم تشكيل لجنة كبيرة للبت فيه لكنها رفضت عرضه. ومن يشاهد هذا الفيلم سيرى إرهاصات الثورة السورية فيه، فهو فيلم بسيط يطرح وجهة نظر لماذا يهرب الشباب من الريف إلى المدينة، وأؤكد في هذا الفيلم أن أسباب الهجرة اقتصادية، كما أنه يرصد الانتهاكات التي تم ممارستها ضد سكان المناطق التي تعيش تحت خط الفقر.

* بعد مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي، كيف تصف الربيع المقبل؟

- سقوط الأنظمة العربية أمر حتمي وثابت تاريخيا على مدار آلاف السنين، ومن وجهة نظري فإنه لن يستطيع نظام ديكتاتوري الاستمرار وهو يمارس الظلم اليومي لشعبه، فمن المؤكد سيأتي يوم ويلفظه ويرفضه، وللأسف أن معظم هذه الأنظمة العربية جاءت من خلال انقلابات عسكرية، ولم تأت من خلال الشعوب، لذا ليس لها شرعية. وسقوط القذافي نوع من سلسلة سقوط هذه الأنظمة الاستبدادية، وموت الطاغية جزء من الحل، لكن المهم ماذا سيفعل الشعب فيما بعد، فهذه الثورات هي من صنع الشارع العربي، وكي تصبح هذه الثورات ناضجة لا بد من أن تتخطى حدودها للبحث عن مجتمع عربي واحد ومتكامل مدني وديمقراطي.

* وسط هذا الغليان السوري الحالي، كيف ترى مستقبل وطنك الآن؟

- أنا دائما متفائل، كما أن كلمة «لا» تعني أن المجتمع السوري متفاعل وحي، وسيستطيع أن يحقق أغراضه.

* تردد في بداية الأحداث السورية أنه تم اعتقالك وتوجيه عدة تهم إليك، ما صحة ذلك؟

- هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فأنا موجود منذ فترة في دبي، وحينما انتشرت شائعة القبض علي لم أكن موجودا في دمشق، لكن المشكلة ليست في هذا الخبر بل في أن بعض المثقفين الذين أبدوا آراء ضد النظام تم تخوينهم. وأعتقد أنه من غير اللائق اتهام المثقفين بالخيانة لمجرد أنهم معارضون.

* ألم تفكر في كتابة وإخراج فيلم يرصد الحالات السياسية التي مرت على الوطن العربي مؤخرا؟

- في الحقيقة لدي فيلم يتحدث عن الإرهاصات والأجواء النفسية والفلسفية التي تقود الشعوب إلى الثورات، لكن قبل الحديث عن هذه الثورات لا بد من الحديث عن مجتمع عربي ديمقراطي يضع الوطن العربي على الخريطة التاريخية، وهذا الكلام يحتاج إلى سنتين أو ثلاث وليس الآن.

* في أحد أفلامك الذي يحمل اسم «وليمة صيد»، طرحت فكرة أن الضحية سيحاكم الجلاد، هل كنت تتوقع أن تشاهد ذلك المشهد في الوقت الحالي؟

- طبعا، ويجب أن يحاكم الجلاد محاكمة تاريخية وعادلة وحضارية لأننا لسنا في مرحلة انتقامية بل في مرحلة يجب أن تكون هناك فاتورة حساب لجرائم هذه الأنظمة المستبدة.

* هل الحراك العربي كان مفاجأة لكل مفكرينا ومثقفينا؟

- هذا حقيقي، لأنه كان هناك إحساس بأن هذه المنطقة من الخليج إلى المحيط هي منطقة المستنقع الراكد، لكن ثبت العكس وأثبتت الشعوب العربية بطولة استثنائية، وأن لديها قدرة على المثابرة والاجتهاد من أجل مزيد من التضحيات. أنا دائما كنت أفخر لأنني عربي، لكن أنا أفخر الآن لأن الشعب العربي خرج كي يقول كلمته، وأرجو من الله أن نرى مجتمعا مدنيا عربيا ديمقراطيا ويضع المنطقة العربية على الخريطة من جديد، ليس على أنها منطقة ركود بل على أنها منطقة تعيد بناء نفسها داخليا.

* في بداية الثورات العربية هناك مقولة ترددت أن مصر ليست تونس، ثم ليبيا ليست مصر، ثم سوريا ليست ليبيا، ما تحليلك لهذه المقولات؟

- هناك نقطة مهمة جدا ألا وهي أن هذه الأنظمة متشابهة على الرغم من اختلاف أدواتها، كما تتشابه في طرق مجابهتها للثورة، كما أن هذه الأنظمة لديها القرابة الفكرية والإجرائية. كما أن ما يدفعه الشعب السوري الآن كان من الممكن تلافيه في بدايات الأحداث من خلال حوار وطني، لكن الآن انفرط العقد والشعب السوري تقدم على النخبة وأصبح يرفض الحوار لأنه لم تتوافر لديه القناعة بأن النظام يرغب في الحوار حقا بل يرغب في الاستقرار.

* صرحت مؤخرا بأن الحراك السوري تأخر كثيرا، فلماذا؟

- أقصد تأخرت الأحداث، لأن المشهد السوري صار معقدا الآن، فمثلا حينما سقط النظام في مصر أو تونس كانت هناك مناطق محددة مثل ميدان التحرير في مصر، والحبيب بورقيبة في تونس لكن في سوريا الوضع مختلف، هذه نقطة، ثم الجيش في مصر وتونس وقف على الحياد وهذه نقطة مضيئة في حياة هذه الشعوب، لكن في سوريا الموقف مختلف، لأن هناك مناطق مختلفة وكذلك مصالح مختلفة، والتنوع العرقي والطائفي والثقافي سبب آخر في تلك المأساة.

* ظهر في مصر وسوريا تصنيف للفنانين، مثل قوائم بيضاء وسوداء، وقوائم الشرف والعار، فهل أنت مع هذه التصنيفات؟

- أنا ضد هذه التصنيفات، لأن أوائل الأشياء التي تحملها الثورات هي الحرية والكرامة.

* دائما ما يكون المثقفون والنخبة هم من يتقدمون الصف في الثورات، لكن ما حدث كان العكس لأن الشارع هو الذي تقدم هذه المرة، فلماذا من وجهة نظرك؟

- المثقفون والنخبة السياسية الموجودة في سوريا مثلا على مدى عقود طويلة هم شرفاء ولا يوجد بينهم وبين النظام أي تواطؤ، لكن أفكارهم كانت تواجه بالإقصاء أو بالسجن أو بالمنع، هذا الجانب يعطي المعارضة السورية نوعا من الاحترام والتقدير، والشارع السوري كان أسبق في الاستمرار والمثابرة، لكن الشارع لا يستطيع أن يستمر لأنه لا بد من وجود منظور سياسي واضح خلال الفترة المقبلة، وهذا ما تحاول النخبة السياسية أن تصنعه، وإلا فستحيد الثورة عن مكانها وأهدافها.