«سيما علي بابا».. قفزة خارج المجرة

مغامرة غير محسوبة أطاحت بـ«أحمد مكي» بعيدا عن المقدمة

TT

في المشهد الأول لفيلم «سيما علي بابا» يقفز أحمد مكي خارج المجموعة الشمسية لينطلق إلى مجرة أخرى، وأتصور أن تلك القفزة السينمائية جاءت أبعد مما ينبغي، فألقت به بعيدا في دنيا الواقع عن منافسه التقليدي في دنيا الأرقام، أحمد حلمي!! يشهد تاريخ الكوميديا في مصر علاقة وطيدة بالأرقام، فدائما ما تسفر إيرادات شباك التذاكر عن صعود نجم تلتف حوله الناس وفي نفس اللحظة تعلن فيها عن أفول نجم آخر كانت الجماهير تهتف باسمه قبلها بلحظات.. مثلا كان إسماعيل يس نجما متوجا، المنتجون يقفون على باب بيته ومعهم عقود مفتوحة تنتظر توقيعه.. كان يقدم في العام 20 فيلما، وهو رقم لم يستطع أي نجم في العالم أن يقترب منه، إلا أن إسماعيل يس منذ نهاية الستينات وهو يشهد تراجعا ليأتي مطلع السبعينات ويحتل فؤاد المهندس وجيله المقدمة، ويرحل بعدها إسماعيل بعامين فقط عن الحياة وهو لم يتجاوز الستين.. ثم يتكرر الأمر مع عادل إمام الذي لم يترك المهندس وجيله سوى عشر سنوات فقط ليحتل هو المقدمة بطلا جماهيريا منذ نهاية السبعينات، ونشاهد بعد ذلك فؤاد المهندس يقبل دور بطل مساعد في أفلام يلعب بطولتها عادل!! رغم أن عادل وعلى مدى 30 عاما في الدائرة الرقمية لنجوم الشباك، فإنه لم يعد يحظى بالمركز الأول الذي تناوب عليه محمد هنيدي منذ عام 97 مع «إسماعيلية رايح جاي» ثم محمد سعد «اللمبي» 2002، ثم بدأ أحمد حلمي في احتلال القمة مع فيلمه «ظرف طارئ» 2006، وجاء أحمد مكي مع فيلم «إتش دبور» عام 2008، وهو يشكل منافسة قوية مع حلمي ويتنازعان دائما الأرقام.

في العام قبل الماضي قدم «طير انت»، ثم جاءت القفزة الرقمية بفيلم «لا تراجع ولا استسلام» عندما ظهر على الشاشة من خلال شخصية «حزلقوم» بعد أن تمكن من الهروب من شخصية «إتش دبور»، ويبدو أن مكي أمام الرقم الذي حققه فيلمه «لا تراجع ولا استسلام» - حيث تفوّق على أحمد حلمي الذي قدم في العام الماضي أسوأ أفلامه «بلبل حيران» - قرر الاحتفاظ بـ«حزلقوم» تميمة الحظ أو ما تصور أنه كذلك، ورغم ذلك فإن الإخفاق الجماهيري لفيلم «سيما علي بابا»، الذي أدى إلى أن يعاقب الجمهور نجمه بمغادرة دار العرض في النصف الثاني، ورغم ذلك فإن «حزلقوم» لا يتحمل وحده سر الهزيمة، ربما لو كان بناء الفيلم على المستوى الفني مرتفعا لتغير الأمر.

الفكرة تبدو براقة ومن اختيار العنوان «سيما علي بابا»، وهي لمن لا يدري نموذج لسينمات الدرجة الثالثة التي كانت منتشرة بقوة في مصر قبل نصف قرن، وكانت تعرف أحيانا بسينما «الترسو»، على اعتبار أن سينمات الدرجة الأولى هي «البريمو»، ولكنها ومثل أشياء كثيرة في حياتنا يبدو أنها اندثرت.. ما تبقى منها ربما تجده فقط في بعض الأقاليم وعدد من الأحياء الشعبية. وبالمناسبة، لا تزال في مصر سينما درجة ثالثة تحتفظ بهذا الاسم «علي بابا» الذي يعني في الوجدان الشعبي الحظ، لأن «علي بابا» في الحكاية الشعبية الشهيرة التي تحولت إلى أوبريت إذاعي وتلفزيوني كسب الذهب والزمرد والياقوت دون أي مجهود.. كانت دور العرض من هذا النوع تتميز بأنها تعرض في نفس البروغرام الواحد ثلاثة أفلام أو أكثر، مستعينة بالنسخ القديمة للأشرطة، وغالبا هي أفلام غير مكتملة، وهي لهذا لا تتطلب سوى تذكرة مخفضة ربما لا تتجاوز 25% من ثمن سينما الدرجة الأولى!! أراد أحمد مكي أن يقدم فيلمين لجمهوره وبنفس أبطال الجزأين.. كان «حزلقوم» في فيلمه السابق «لا تراجع ولا استسلام» قد قدم خدمة جليلة للشرطة وساهم في إلقاء القبض على رجال عصابة لتهريب المخدرات، ولهذا يظهر «حزلقوم» في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي معتز الدمرداش ليذكر للناس بحكاية «حزلقوم».. قدم مكي من خلال هذا الفيلم نوعا من السخرية - البارودي - للأعمال الفنية العالمية والمصرية، ولجأ إلى مواصلة السخرية في فيلمه الجديد مع خيط ملحوظ يسعى من خلاله إلى الاستحواذ على جمهور جديد بات يشكل قوة لدى مكي، وهم الأطفال، خصوصا بعد أن حققت أغنيته «الفيس بوك» نجاحا ضخما ولافتا مع تلك المرحلة العمرية التي تقع تحت سقف السنوات العشر.

سوف تجد هذا أيضا في فيلمه الجديد الذي يبدو في زاوية منه نوع من السخرية لأفلام الخيال العلمي التي تجنح للصعود للكواكب والشخصيات الفضائية وصراعها مع كوكب الأرض، ولعب على أشهرها وهو فيلم «حرب الكواكب»، الذي تناول الغزو الفضائي لكوكب الأرض. ولكن قبل تبدأ هذه المعركة نرى الصراع داخل الكوكب الفضائي على كرسي الرئيس بعد اغتياله، ويصبح «حزلقوم» هو شبيه ملك الفضاء الذي يستعان به لإنقاذ الكوكب الفضائي من الفوضى، قبل أن يكتشف الشعب موت الملك، وتتجسد أمامنا من خلال ذلك الصراعات داخل البلاط الملكي الفضائي وكل ما يجري على أرض الواقع.

يفضح المخرج أحمد الجندي وكاتب السيناريو شريف نجيب من خلال ذلك الصراع على السلطة كل الأطراف، وتكتشف أن ما يجري على الأرض هو صورة أخرى لما يجري في الفضاء، أو ربما كان العكس هو الصحيح!! الفيلم القائم على الخيال عاب المخرج افتقاره في التنفيذ إلى الخيال، كما أن أي تماثل سياسي على أرض الكوكب الفضائي تم تجاوزه فكريا أيضا على أرض الواقع، فلا يمكن والناس قد شاهدت أعمالا روائية وتسجيلية تنتقد مباشرة ما كان يجري في مصر ثم يتقبلون ببساطة فيلما يرمز إلى الرئيس السابق وأبناء الرئيس.. لا شك أن مكي يضيف الكثير من الإيفيهات التي تستطيع أن تلمحها في النص، بالإضافة إلى أن شخصية «حزلقوم» وقبلها شخصية «هيثم دبور» التي استثمرها أيضا في أكثر من عمل فني هي من ملامح مكي، الشخصيات نتاج إضافات لمكي، مثل شخصية «اللمبي»، تشكلت من خلال اللمحات والإضافات التي حققها محمد سعد.

كان الفيلم في جزئه الأول بحاجة إلى مساحة فكرية أكبر وخيال أوسع، فلم يجد كاتب السيناريو شريف نجيب الكثير ليضيفه أكثر من أن يطلق أسماء عدد من الأدوية الشهيرة مثل «أسبرين» و«نوفلجين» و«أنتوسيد» على أبطاله الذين شاركوا في الجزء الأول مثل هشام إسماعيل ولطفي لبيب وإيمي سمير غانم، واستمروا في الثاني، ولكن لن تعثر أبدا على مخرج يضيف شيئا في هذا الجزء، ورغم ذلك فلقد جاء الجزء الثاني «الديك في العشة» وهو يفتقر أكثر إلى الخيال، فهو يشترك مع الأول في أنه ترديد أيضا لأفلام الأطفال التي تحمل في نهاية الأمر موعظة وحكمة للطفل على طريقة أفلام «والت ديزني».. ولكن مكي لا يدرك أن طفل هذه الأيام بات أكثر وعيا، فهو يشاهد أفلاما أجنبية للأطفال أكثر إبداعا وإمتاعا من هذا «الديك» المنزوع منه ريش الإبداع الفني!! تدور أحداث هذا الجزء من خلال مزرعة يعيش فيها الأرنب وزوجته وكلب عجوز ودجاجة، ويستولي الفتوات من الضباع على قوتهم اليومي بينما الضعفاء من سكان المزرعة لا يستطيعون المقاومة، وفي النهاية لأن القوة في التماسك يتحدون جميعا فينتصرون.. الكل كان يحدوه الأمل الذي يأتي كخيال بعيد التحقيق بأن يأتي البطل المغوار المخلص، وهو الديك الذي أدى دوره أحمد مكي.. كانوا يحلمون بديك قوي ينتصر على الطغاة اللصوص وينحاز إلى حقوق الضعفاء المقهورين، فهم دائما مستسلمون، ولهذا لم يكن لديهم سوى أن يصدقوا تلك الكذبة التي صدرها لهم الكلب الذي أدى دوره لطفي لبيب، عندما رأى الديك يقف على باب المزرعة كان قد جاء ومعه الفأر لكي يسطو عليهم، ولكن تكتشف الدجاجة، إيمي سمير غانم، أن الديك القادم من الغربة كانت له صحيفة جنائية سوداء وهو مسجل خطر ولا علاقة له بالشهامة والرجولة و«الجدعنة» التي صدرها لهم في البداية، وهكذا نراه في أول مواجهة مع الضباع متراجعا ذليلا أمام سطوتهم، ولكن عندما يقرر ساكنو المزرعة الاتحاد يدا واحدة يمتلكون القوة التي تؤهلهم للتخلص من الفتوات والشبيحة ويشاركهم الديك في تلك المعركة المصيرية!! تستطيع أن تجد في الفيلم أيضا ترديدا لنفس فكرة السخرية من الأفلام الأجنبية الموجهة بالدرجة الأولى للأطفال، التي تتناول الحيوانات والطيور، مع مسحة من الانتقاد السياسي، ولكن في كلا الفيلمين نشعر بخفوت في الوهج الإبداعي، فلم تلعب الصورة من خلال الملابس والديكور والماكياج دورا في تجسيد هذه الحالة، ولم يلعب شريط الصوت سواء على مستوى المؤثرات أو الموسيقى أي دور في تحقيق الحالة الفنية التي كان ينبغي أن تتميز بالإبهار، وهو ما لم يتحقق على الشاشة!! يمنح مكي مساحات لمن يشاركونه التمثيل مثل هشام إسماعيل وإيمي سمير غانم ومحمد شاهين والمخضرم لطفي لبيب، وهذا بالتأكيد يحسب له، ولكن يظل مأزق هذا الفيلم في جزأيه أن هناك فقرا في الفكر وفقرا أيضا في الإنتاج، ولهذا جاءت الحصيلة متواضعة جدا في «سيما علي بابا» بجزأيه.. إنه رهان أشبه بقفزة تخيلها مكي تمنحه مساحة أكبر للوصول إلى الجمهور، ولكني أراها قفزة للمجهول ألقت به خارج المجرة!! ويبقى أن هذه مجرد هزيمة لنجم حقق في فترة زمنية قصيرة نجاحا جماهيريا لافتا، فلقد التقطه عادل إمام بمجرد أن شاهده في مسلسل «سيت كوم» وهو «تامر وشوقية» وأسند له دورا رئيسيا في فيلمه «مرجان أحمد مرجان» عام 2007، ومن بعدها بدأ مشوار النجومية وانطلق في أكثر من بطولة وتراجع تماما حلمه الأول بأن يصبح مخرجا، حيث إنه أخرج قبل خمس سنوات فيلم «الحاسة السابعة» الذي أسند بطولته في البداية إلى أحمد حلمي، ولكن حلمي اعتذر فلعب بطولة الفيلم أحمد الفيشاوي.. لم يحقق الفيلم نجاحا جماهيريا وتغيرت بوصلة أحمد مكي ليتوجه للتمثيل من فيلم إلى آخر، وتعثر مع «سيما علي بابا»، ويبدو أن إصرار مكي على أن يسند إخراج أعماله إلى نفس المخرج أحمد الجندي، الذي لم يضف إليه على مستوى الرؤية الإخراجية شيئا، هو العائق الذي يواجه مكي، وأتصوره سوف يبحث في أفلامه القادمة عن مخرج يضيف إليه وليس مخرجا ينفذ ما يراه مكي.. إنه نفس المأزق الذي عاشه في السنوات الأخيرة محمد سعد، ولكني أتصور أن مكي أذكى فنيا ولن يلقى مصير سعد!!