«سينما الحجاب» تثير جدلا بين السينمائيين في مصر مع صعود التيارات الدينية

بعد الانتخابات البرلمانية: مخاوف من إخضاع الفن لإجراءات رقابية صارمة

TT

أدت مؤشرات نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية وتصدر التيارات الإسلامية لها، إلى ترقب البعض في قطاعات كثيرة من هذا الصعود، وكان قطاع السينما من أكثر القطاعات إبداء للقلق على مستقبله، حيث أبدى الكثير من السينمائيين تخوفهم من أن يتم إخضاع الفن لمبادئ أخلاقية ودينية متشددة، وإخضاع الأعمال الفنية لقواعد رقابية صارمة، كما أعلنت عدد من الفنانات من قبل خوفهن من أن يتم إجبارهن على ارتداء الحجاب مع تنامي قوة التيار الديني.

وسبق الانتخابات البرلمانية أن أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن خطة متكاملة لإنتاج أعمال فنية درامية وغنائية تتماشى مع الشريعة الإسلامية، تراعى فيها المعايير الدينية، ولن يسمح بالاشتراك في التمثيل أو الغناء فيها سوى الفنانات المحجبات، مما أثار الكثير من التساؤلات في الوسط الفني حول موقف الفنانين من هذه الأعمال ومدى استجابتهم لها، في الوقت الذي يحاول فيه البعض الترويج لفكرة حجاب الفنانات من منطلق وجوده في السينما الإيرانية التي نجحت في الوصول إلى العالمية.

ولم تطرح فكرة ظهور الفنانات بالحجاب لأول مرة مع هذا الإعلان الإخواني، ففي السنوات الماضية تسلل الحجاب إلى شاشة السينما المصرية، وظهرت فنانات وهن يرتدين الحجاب، كما حدث في أفلام على شاكلة «أوقات فراغ» و«على جنب يا أسطى» و«سهر الليالي» و«كباريه»، كما جسدت الفنانة نيللي كريم دور فتاة ترتدي «خمارا» في فيلم «واحد صفر»، في حين لم تظهر شخصية الفتاة المحجبة طوال أحداث الفيلم سوى في فيلم واحد حتى الآن وهو «كامل الأوصاف» الذي قامت ببطولته الفنانة حلا شيحة.

فهل سيسيطر الحجاب على السينما في الفترة المقبلة كانعكاس لواقع المجتمع الذي صعدت فيه التيارات الإسلامية، وما هي المخاوف التي تشغل بال أهل الفن؟

الناقدة ماجدة موريس، تقول لـ«الشرق الأوسط» إنه من الصعب أن يتم فرض الحجاب على السينما، فالجماعات الدينية تتفهم الآن العملية السياسية، بأن هناك أشياء لا يمكن فرضها بقوانين، ولكن يمكن أن يتم وضع قواعد أخلاقية للسينما يتم فيها منع مشاهد أو أفكار معينة، وهذا برأيها هو الخطر الحقيقي، لأن ذلك سيقضي على الفن وسيجعل الأعمال المقدمة كلها أعمالا موجهة، وهو ما سيتم رفضه بالطبع من الكثيرين وستحدث معارك بين الفريقين.

وتؤكد موريس أن السينما المصرية لا يمكن أن يتم فرض الحجاب عليها كالسينما الإيرانية، مشيرة إلى أن نجاح الأخيرة يعود إلى تطورها وكونها أكثر تعبيرا عن واقع المجتمع الإيراني الذي تعاني فئات مختلفة فيه من الظلم، وهو ما أدى إلى نجاحها.

بدوره يرى الناقد الفني طارق الشناوي أن أي تيار ديني سيحكم مصر لن يستطيع أن يعادي السينما أو يفرض عليها قواعد أخلاقية، ولن ينجح في جعل السينما المصرية كسينما إيران، وذلك لأن طبيعة المجتمع المصري تختلف، حيث تتعدد الأطياف والديانات داخل المجتمع.

ويؤكد أنه لكي تحكم السينما بقواعد أخلاقية أو يفرض الحجاب عليها فلا بد أن يحدث ذلك أولا في المجتمع، وهو برأيه ما لا يستطيع أي تيار ديني فعله، مشيرا إلى أن محاولة فعل ذلك سيجعل هذه التيارات الدينية تتفسخ من داخلها لأنها تحمل أفكارا مختلفة.

ويضيف الشناوي: «المشكلة لا تكمن في تقديم شخصيات محجبة في السينما كما حدث في أفلام كثيرة، لأنه في هذه الحالة ستكون السينما معبرة عن الواقع وعن تلك الشريحة الكبيرة من المحجبات، وستقوم البطلة بارتداء الحجاب أو خلعه وفقا للضرورة الدرامية وهذا لا يمثل مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في فرض قانون الحجاب على السينما، وتقديم سينما محجبة ومنع أي مشاهد تظهر فيها البطلة من دون حجاب».

وتابع الشناوي: «الإبداع الفني ليس له علاقة بارتداء البطلة الحجاب أو خلعه، فالسينما المصرية قدمت من قبل فيلم (كامل الأوصاف) الذي قدم طبقا لمواصفات الحجاب، أي أنه مصنوع لكي ينحاز المشاهد للفتاة المحجبة، ويرفض في نفس الوقت شقيقتها الفتاة السافرة، حيث ارتدت البطلة الحجاب طوال أحداث الفيلم سواء كانت هناك ضرورة درامية أم لا، ورغم ذلك لم يحقق الفيلم أي إيرادات في دار العرض لأن الناس لم تصدقه، ولا أعتقد أن تجربة هذا الفيلم ستتكرر مرة ثانية».

أما الناقدة الفنية ماجدة خير الله، فلا تتوقع أن تزيد نسبة ظهور المحجبات في السينما في الفترة المقبلة عما هي عليه حاليا، وأن القصة والسيناريو هما فقط اللذان سيحددان الضرورة الدرامية لظهور الحجاب في السينما، مؤكدة أنه في حالة سيطرة التيارات الدينية على الحكم فإنها لن تستطيع أن تفرض ارتداء الحجاب في الأفلام السينمائية، لأن ذلك صعب جدا تطبيقه، ولن يرضى أحد بذلك لأن طبيعة المجتمع المصري المتعدد الأطياف لن تقبل ذلك.

أما عن إعلان «الإخوان المسلمين» إنتاج أعمال فنية وفقا للشريعة الإسلامية، أشارت خير الله إلى أن ذلك لن يلقى استجابة سوى من الفنانات المحجبات بالفعل، أما الجمهور فلن يقبل عليها. يتفق المخرج محمد خان مع ما قالته خير الله، مؤكدا أن نسبة الحجاب في السينما لن تزداد، وأن موضوع الفيلم هو فقط الذي سيحدد الضرورة الدرامية لظهور الحجاب في السينما كما حدث مثلا في فيلم «واحد صفر» قبل 3 أعوام. وقال خان إنه لا يعتقد أن التيارات الإسلامية من الممكن أن يكون لها دور كبير في الفترة المقبلة وليس لديه أي تخوفات بخصوص هذا الشأن، ولا يخشى على السينما في الفترة المقبلة.

ويؤكد الناقد الفني علي أبو شادي أن السينما دخلت مرحلة الحجاب رغم خوف السينمائيين طوال السنوات الماضية من هذا الموضوع، وذلك بعد أن فرضه المجتمع، متوقعا أن يشهد التعامل مع الحجاب حساسية كبيرة خلال الفترة الحالية من معظم السينمائيين، لأنه في مرحلة اختبار، مشيرا إلى أن سينما الحجاب قادمة سواء شئنا أم أبينا.