هيام أبو شديد: هناك فنانون «يحرقون» حياتهم الحقيقية من أجل الشهرة

الممثلة اللبنانية تقول إن «الهجمة النسائية» على الكتابة بسبب خيال المرأة الواسع

هيام أبو شديد
TT

لا يمكن لأحد أن يشكك في براعة هيام أبو شديد كمقدمة برامج وكممثلة، أما ككتابة فلا تزال تجربتها تحت المحك، بخاصة أن مسلسل «أوبرج»، أولى تجاربها في هذا الإطار، لم يعرض منه حتى الآن سوى حلقة واحدة، وإليه سيُباشر قريبا الفيلم السينمائي «بعد منتصف الليل» الذي يحمل أيضا توقيعها ككاتبة وتوقيع فيليب أسمر إخراجا. لكن أبو شديد لا تبدو متحمسة لاحتراف المجال الجديد، قائلة: «لا أعتقد ذلك... (بعد منتصف الليل) كان أول نص كتبته قبل ثلاث سنوات واشتراه مني المنتج مروان حداد، بالإضافة إلى نصّ آخر بعنوان (بيت بيوت)، وهو فيلم موسيقي - عائلي. يومها شجعني حداد كثيرا وطلب مني كتابة مسلسل تلفزيوني، وعلى الرغم من أن فكرة (أوبرج) كانت موجودة في رأسي، ولكنني رفضت طلبه وقلت له أنا أكتب للسينما فقط، لأنني تعلمت كتابة السيناريوهات مع الراحل أندريه جدعون الذي كان أستاذي في الجامعة. ولكنه إصرّ على موقفه، وبناء على طلبه كتبت (أوبرج). لكنني لم أقرر احتراف الكتابة ولم أخطط لها، ولا أعرف ما إذا كنت سأكرر التجربة في أعمال قادمة، خصوصا أن الكتابة كما تقول كلوديا مارشليان تحتاج إلى الكثير من التضحية، وأنا وجدت أنها محقة في ذلك».

ولأن الكتابة سهلة، بحسب رأي مارشليان أيضا، تجيب أبو شديد: «كل مجال له متطلباته، وربما تكون الكتابة سهلة لناحية أن وقت الكاتبة ملكها، تعمل في بيتها وعلى راحتها، ولا تحتاج إلى ماكياج وتصفيف شعر، بينما التمثيل يتطلب من الفنانة أن تحفظ النصوص، أن تحمل أغراضها معها عندما تذهب إلى التصوير في مناطق بعيدة، أن تكون متأنقة دائما، الماكياج على وجهها، وشعرها مصفّف. أما تقديم البرامج فهو يحتاج إلى إعداد، والقيام بالأبحاث، واختيار الضيوف واستقبالهم، هذا عدا الاهتمام بالشكل. الكتابة مختلفة تماما، لأن الكاتبة تعمل بمفردها ولا ترتبط بمجموعة. فأنا مثلا أثناء كتابة مسلسل (أوبرج) انعزلت عن الناس والمجتمع وحبست نفسي في بيتنا في القليعات لمدة شهرين ونصف الشهر، وكنت كمن يعيش في قمقم. الكتابة تتطلب أجواء خاصة، والكثير من التضحية، وأيضا التنازل عن أشياء كثيرة كـ(الغدوات والعشوات) وتكريس كل الوقت للعمل، خصوصا إذا كان هناك قترة محددة لتسليمه».

ويلفت نظر أبو شديد، كالكثيرين، اتجاه الكثير من الممثلات نحو الكتابة، فتقول: «هذا الأمر استوقفني، فهناك منى طايع، وكلوديا مارشليان، وريتا برصونا، وفيفيان أنطونيوس، وسمية شمالي، ولورا خليل. ولقد سألت نفسي عن سبب (الهجمة النسائية) على الكتابة، ووجدت أنه يعود إلى كون المرأة تتمتع هي أيضا بخيال واسع، تمتاز بسهولة التعبير، وأنها منفتحة على الآخرين، وفياضة في عطائها. إلى ذلك فإن الكتابة مادة يتم تدرسيها في الجامعة، وكل الممثلات اللواتي توجهن نحو الكتابة هن خريجات معهد الفنون، بالإضافة إلى سبب آخر وهو أن بعض الممثلات من خلال الكتابة يكتبن الدور الذي لم يكتب لهن. لكنني شخصيا رفضت أن أشارك كممثلة في مسلسل (أوبرج) على الرغم من أن المنتج مروان حداد طلب مني ذلك، وفضلت أن لا أكون ضمن عائلة الممثلين لكي لا أكون (عين الكاتب) التي تراقب وتنتقد، لأن الخيال يذهب إلى مكان أبعد كثيرا مما يمكن أن تعطي الحقيقة. أفضل أن أمثل أعمال كتّاب آخرين، وأن لا أجمع بين الكتابة والتمثيل في أعمالي، وهذا الأمر ينطبق أيضا على تجربتي منى طايع وكلوديا مارشليان، اللتين لم تشاركا كممثلتين في أعمالهما».

هل ترى أبو شديد أن الدراما ظلمتها، خصوصا وأن ثمة من يعتبر أنها لم تنل فرصتها الحقيقية كممثلة؟ تجيب: «كلا، أنا لا أعتبر ذلك، لأن ابتعادي كان نتيجة قرار شخصي مني. فأنا بعد الزواج فضلت التفرغ لزوجي وبيتي وأولادي، لأنني كنت أعرف جيدا أن الفن سيأخذ الكثير من وقتي كأمّ وكزوجة. ولذلك انتقلت في فترة لاحقة نحو تقديم البرامج، لأن وقته يتناسب مع وقتي كربة أسرة. في ذلك الوقت كانت عائلتي لها الأولوية في حياتي، وعندما عدت إلى التمثيل بعد 20 عاما من خلال مسلسل (عصر الحريم)، كان دوري جيدا وجميلا، ومن بعده شاركت في مسلسل (لونا)، ثم مسلسل (لولا الحب) مع نادين الراسي، وحاليا سأتقاسم وعمار شلق بطولة مسلسل جديد بعنوان (استشارة)، ألعب فيه دور أم لشاب وصبية وتعيش قصة حب مع شاب يصغرها بعشرين عاما، وكلها أدوار مختلفة ومتنوعة. العمر الذي عدت به إلى التمثيل لا يسمح لي بأن ألعب أدوار البطولة الأولى والمطلقة، ولكنني أحرص على اختيار الأدوار المميزة التي (تعلّم) عند الناس».

ولأن رأي أبو شديد يتناقض مع آراء الكثير من الفنانات اللواتي يعتبرن أنه يمكن التوفيق بين الفن والعائلة، وتاليا النجاح في كلا المجالين، فتوضح: «لطالما رددت وكررت، حتى أثناء دراستي في فرنسا، أنه لا بد وأن يأتي يوم تتنحى فيه هيام الفنانة أمام هيام الإنسانة. كنت أشعر دائما أن هناك فنانين (يحرقون) حياتهم الحقيقية من أجل وهم وبريق الفن، ومن أجل الاسم والشهرة. أنا حددت أولوياتي منذ البداية، وخيار الابتعاد عن الفن كان بقرار شخصي ولم أتردد أبدا عندما حسمته، لأنني كنت أريد لزواجي أن ينجح، وأن أعيش أمومتي كاملة، وأن أعطي أولادي كل الوقت الذي يحتاجون إليه مني، وإلاّ لما كنت تزوجت وأنجبت. لا يحق لأي أم أن تخطئ في تربية أولادها، كما لا يمكنها الرجوع إلى الخلف عندما يتعلق الأمر بأمومتها، بينما هذا ممكن في مجال الفن، الذي عوضت عنه من خلال تقديم البرامج والإعداد. وعندما أصبح أولادي (شبابا وصبايا) عدت إلى التمثيل، لأنهم لم يعودوا بحاجة إلي مثلما كانوا صغارا. لا أنكر أنني أشعر بلذة لأنني عدت إلى مجالي الحقيقي، وفي الوقت نفسه أنا مرتاحة نفسيا لأنني أديت دوري كأمّ بالشكل الذي يرضيني ويفرحني. ربما غيري يستطيع أن يحمل بطيختين بيد واحدة، بينما أنا لا يمكنني أن أفعل ذلك على الإطلاق».

إذا كان التقديم عوضها شهرة لم تحصدها من خلال التمثيل، فهل استطاع أن يعوضها إبراز طاقات دفينة في داخلها كممثلة؟ تجيب: «التقديم مختلف تماما، وأنا تعلمته من خلال برنامج (استوديو الفن)، وكان حالي يومها يشبه حال المشتركين فيه. يومها اكتشفت عالما جديدا وأحببته، لأنني وجدت فيه أشياء جميلة لا يمكن أن أحصل عليها في مجال التمثيل. في التقديم هناك الشخصية الحقيقية التي تبرز، اللقاء المباشر مع الناس ومشكلاتهم، وبخاصة في البرامج الاجتماعية والإنسانية، حيث يشعر المقدم أنه عنصر فعال ويستطيع أن يحرك الأمور على أرض الواقع، بينما في التمثيل يجسد الممثل شخصية واحدة من خيال الكاتب. وعلى الرغم من أن العمل الفني يحمل رسالة وهدفا إنسانيا واجتماعيا، لكن في التقديم هناك قضية جديدة تطرح أسبوعيا، وأعتقد أن هذه هي السياسية الحقيقية التي تغيّر بلدا ومجتمعا. أما بالنسبة للشهرة فما معنى شهرة؟ هي مجرد وهم، ومن يقتل زوجته وأولاده يمكن أن يصبح مشهورا وتكتب عنه الصحافة في كل دول العالم. الشهرة ليست هدفا بالنسبة إلي، ولكنها جميلة لأنها تجعلني قريبة من الناس وحضوري محببا عندهم، وهذا الأمر يفرحني ويشعرني أنهم يقدّرون عملي، ولكن في المقابل هناك أشخاص يعملون في الظل ويقومون بأشياء عظيمة ويستحقون الشهرة أكثر منا، ولكن لا أحد يعرفهم. لست نادمة على شيء، وربما كنت عشت شعور الندم لو أنني لم ألتقِِ بالشخص المناسب الذي أكوّن معه عائلة».

ترى أبو شديد أن التلفزيون تخلى عنها فجأة كمقدمة على الرغم من أنها حققت نجاحات كبيرة في المجال، فتقول: «يمرّ الإنسان بمراحل عدة في حياته، فهو يمكن أن يصل إلى مرحلة مرتفعة جدا ويكون إنتاجه غزيرا، وأيضا يمكن أن يمر بمرحلة من التصحّر. حياة الإنسان مجموعة خطوط، ترسم له (الطلعات والنزلات) في مراحلها المختلفة، وبالنسبة إلى مجال التقديم أنا حاليا في (السهل) ولست في قمة العطاء، وكل تركيزي ينصبّ على مجالي التمثيل والكتابة، مع أنني قدمت مجموعة حلقات على الـ(إل بي سي) من برنامج (أغاني في عمري)، كما استضفت كارول سماحة في حلقة خاصة بعد تجسيدها لشخصية صباح في مسلسل (الشحرورة). في الأساس لا يمكنني أن أجمع بين التمثيل والتقديم والكتابة في وقت واحد، بل كل شيء له وقته. أنا لم أعتزل التقديم ولكن الوقت ليس وقته، ولا توجد بين يدي فكرة جميلة وجديدة أطل فيها على الناس، لأنني لا أريد أن أكرر أفكارا قدمتها سابقا، وقد يحين دوره في المرحلة القادمة».

وعن وضع الدراما اللبنانية، وموقف بعض الممثلين الذين يصرحون أنهم لا يتابعونها، في حين أنه مطلوب منهم أن يكونوا الداعم الأكبر لها، قالت: «بما هم يحاولون التهرب من الإجابة، بينما أنا شخصيا تستهويني الدراما وأتابعها كثيرا، وعندما يلفتني أحد الزملاء أتصل به وأهنئه. لكن الداعم الأكبر للدراما اللبنانية هم اللبنانيون أنفسهم، لأنهم يساهمون فيها وكأنهم منتجون مشاركون، فهم يفتحون لنا قلوبهم وبيوتهم دون أي مقابل مادي، وأحيانا نمضي عندهم شهرا كاملا، نصوّر، نستعمل أغراضهم، ندخل مطابخهم، وننام في أسرّتهم. هؤلاء هم أكبر داعم للدراما اللبنانية، ومثلهم أصحاب المكاتب والشركات، وأيضا لا يجب إغفال دور المنتجين والمخرجين، ومن غير المسموح لأحد التقليل من شأن الدراما اللبنانية، خصوصا وأن لبنان كان الأول دراميا على مستوى الوطن العربي، عندما كان تلفزيون لبنان في عصره الذهبي، أما حاليا فلا شيء ينقصنا لكي نكون في الطليعة، لأن لدينا ممثلين (قبضايات) ترفع لهم القبعة، مع الاعتراف أن وضعنا الإنتاجي أقل بكثير من غيرنا. وأعتقد أنه لو نظمت مسابقة تضم أكثر من بلد عربي، وتم رصد مبلغ معين لإنتاج قصة معينة، لفزنا بالمرتبة الأولى، لأننا ننتمي إلى جيل الحرب، واعتدنا أن ننتج ونعيش من القليل».