المخرج مجدي أحمد علي: الثورة المصرية فاقت أحلام الجميع

أكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أنه سيحارب السلفيين في أفلامه ولن يهرب من مصر لو وصلوا للحكم

المخرج مجدي أحمد علي
TT

في هذا الحوار كان لا بد أن تختلط السياسة بالفن، وأن يتبادل الاثنان الأدوار كظاهرة إنسانية بامتياز، ولم لا.. وهناك الكثير من المخرجين والفنانين الكبار الذين لعبوا على هذا الوتر، وقدموا سينما سياسية في مجموعة من الأفلام الرائعة، لا تزال تشكل علامة فارقة في تاريخ الفن؟!.. في هذه المرآة يفضل المخرج مجدي أحمد علي أن يرى نفسه، فهو يرصد تداعيات الواقع السياسي المصري حاليا بعين الناشط السياسي أولا، وبعين المخرج صاحب الرؤية الفنية ثانيا، ولا يرى فصلا بين الاثنين، بل إن هذه التركيبة، تمثل عجينة أساسية لفيلم ينتوي إخراجه بعنوان «الدنيا أحلى من الجنة»، يسعى فيه إلى كشف تناقضات أفكار تيار الجهاد الإسلامي، والوقائع الدموية التي ارتكبوها خاصة في مجزرة «معبد حتشبسوت» بالأقصر في عام 1997 التي راح ضحيتها عشرات المصريين والسياح الأجانب.. كما تحدث عن مغامرته في كتابة السيناريو والإنتاج، ورؤيته لأفق «الربيع العربي» وأثره على المشهد السينمائي بشكل عام، وخصوماته الفنية مع عدد من أصدقائه في الحقل الفني.. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف تصف المشهد السياسي الحالي في مصر وتأثيره على السينما؟

- مرتبك جدا وضبابي، لكن أنـــــا متفـــائل لأنه لا بد أن نبني على ما حققناه من إنجازات ولا نقع في مسألة جلد الذات الدائمة، فمن وجهة نظري أن الثوار لديهم مشكلة، ألا وهي أن جميع الأشيـــــاء من الممكن أن تتحقق دفعـــة واحدة. وأنا أسمي ثورة 25 يناير (كانون الثاني) «ثورة الجسد العاري»، فثوارها الشباب استندوا إلى شرعية الشعب والشارع والميدان، ولم يحكموا، ولم يقوموا بانقلاب على السلطة، ويستولوا على الحكم، بل طرحوا أفقــــــــا جديدا وأطلقوا شرارة التغيير في المجتمع.. لذلك أتصور أن تأثيرها سيكون قويا على السينما في المستقبل القريب.

* قلت منذ فترة إن الثورة تخطت أحلام الجميع، كيف ذلك؟

- هذا حقيقي، وكنت أقصد أن يكفي لهذه الثورة أنها كسرت حاجز الصمت والخوف لدى المصريين كما أن هذه الثورة جعلت الناس العادية تفهم أن السياسة هي أساس التغيير لأن السياسة كانت تقتصر فقط على النخبة، أو باعتبارها مجموعة من الخدمات كما صورها الحزب الوطني (المنحل)، لذا فإن فكرة التغيير بالثورة جديدة على الناس.

* المثقف والفنان كانا دائما في المقدمة لكن في الثورات العربية تراجعا إلى حد ما.. لماذا في رأيك؟

- الثورة فاجأت الجميع، ومثل ما كسرت حاجز الخوف، أيضا كسرت فكرة المثقف التقليدي، بمعنى أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن وائل غنيم مثقف لكنه نوع آخر من الثقافة، كل هؤلاء الشباب الذين يجلسون على الإنترنت التي خلقت ثقافتهم الديجيتال لديهم نوع آخر من الثقافة لكن فكرة المثقف الذي يقرض الكتب اختفت تماما. وبالعكس تماما هؤلاء الشباب يمتلكون ثقافتهم الخاصة لأنهم خلقوا آليات جديدة للتعامل مع الآخرين، فبعض الفنانين كان يعتقد أن هناك ثورة رعاع وجياع قادمة، لكنني كنت أنظر إلى هذا الكلام باستهزاء شديد لأنني كنت متأكدا أن الطبقة الوسطى في مصر هي التي ستقوم بثورتها، وكنت أراهن على ذلك في أفلامي واستبعدت تماما فكرة ثورة الجياع، لذا أستطيع أن أقول لك إن المثقفين المصريين لم يتخلفوا عن ركب الثورة، ومنذ البداية كانوا في قلب الميدان. نحن احتشدنا للثورة وراكمنا خبراتنا وجهادنا من خلال أفلامنا، لذا أعتقد أننا في العموم بذرنا الأرض بشكل جيد، ولذلك لم يقم بالثورة الجهلة إنما المثقفون.

* لماذا انتفضت ورفضت تشبيه فيلمك «عصافير النيل» بأفلام خالد يوسف، وقلت «لا» لأن أفلامه لا أحبها؟

- لأنه يقدم نوعا من السينما أقرب إلى المباشرة، وأنا لا أحب هذه النوعية من الأفلام، بمعنى أنني لا أحب الرموز المباشرة التي تنعكس بالضرورة على المشاعر بين أبطال أفلامه التي تعمل نوعا من الميلودراما والتي يحبها المشاهد. وهذا لا يعني إلغاءه لأنه لعب دورا مهما كما قلت لك، كما أنني من أوائل الناس الذين قالوا إن فيلمه «حين ميسرة» فيلم مهم، رغم أنني لا أحب الفيلم، لكن لا أنكر أنه فيلم مهم لأنه نقل الناس من «مود» الأفلام الكوميدية الركيكة إلى الأفلام الاجتماعية، لكن طريقة خالد لا أقدم مثلها في السينما، وكذلك داود عبد السيد أو خيري بشارة أو يسري نصر الله أو علي بدرخان أو كاملة أبو ذكرى، لكننا لسنا ضد وجوده.

* لماذا تميل في أفلامك إلى الرواية أكثر؟

- لأنني جئت إلى السينما من واقع ثقافي وحينما كنت في السنة الثانية من المرحلة الثانوية كنت انتهيت من قراءة كل روايات الأدب المصري والعالمي الذي كان سائدا في ذلك الوقت، وأغلب أصدقائي ليسوا سينمائيين، وحينما أنتهي من عملي في السينما أعود إلى أصدقائي من شعراء وكتاب القصة والمثقفين، فهم عالمي القديم. لذلك أنا مع الاعتماد على مزيد من الروايات والقصة لأننا الآن نبحث عن البناء الدرامي في أفلامنا، وأصبحنا نفتقده، لذا أصبح البعض يعتمد على سيناريوهات مسروقة من أفلام أجنبية، وأنا أقول لماذا لا نلجأ إلى الرواية طالما فيها هذا البناء؟! وأقول إن رواية «عصافير النيل» لإبراهيم أصلان فيها بناء درامي سينمائي بديع، وهذا ما حمسني لتقديمها، كما أن فيها تكسيرا للزمن، كما أن مصائر الشخوص مختلطة وهذه طريقة السينما في السرد، لذا أعتقد أن هذا التوقيت هو العصر الذهبي للرواية بعكس ما يفعله، بين قوسين، «سينمائيون» من اللجوء كما قلت إلى أفلام أجنبية لسرقتها، فلماذا لا نعود إلى نبعنا الأصيل، وهو الرواية؟!

* فيلمك «عصافير النيل» لم يحقق نفس النجاح الجماهيري كفيلم «الكيت كات» لداود عبد السيد على الرغم من أن كليهما من تأليف إبراهيم أصلان، فلماذا في رأيك؟

- لا أعرف.. ربما لأسباب كثيرة من وجهة نظري خارجة عن إرادتي، وربما هذه الأسباب لها علاقة بطبيعة الفيلم وكذلك طبيعة النجم لأنه شخص أعمى، كما أن فيلمي ليس ببساطة «الكيت كات»، فداود عبد السيد قدم فيلما بسيطا، كما أن البطل شخص أعمى وهو شخص محبوب على الشاشة، لذا ضمن له جمهورا من قبل، كما أن بطل الفيلم محمود عبد العزيز كان «رقم 1» في سلم النجومية وقتها. لكن انظر إلى فيلمي فستجده عكس ذلك تماما، فليس فيه أفكار تستطيع أن تمسكها لأنه يتحدث عن أشخاص عاديين، لكن أنا أحب «عصافير النيل».

* هل بسبب حبك للرواية اخترت أن يكون فيلمك القادم مأخوذا عن رواية «الدنيا أجمل من الجنة» عن سيرة ذاتية لشخص كان منتميا لجماعة الجهاد، وهو الأديب خالد البري؟.. وهل في هذا رد على مشهد صعود التيارات الإسلامية على المسرح السياسي في مصر وغيرها من الدول العربية، خاصة التي خاضت تجربة «الربيع العربي»؟

- تحمست لتقديم هذه الرواية لأنها أعجبتني جدا، كما أن «البري» يسرد حكايته مع الجهاد بطريقة غاية في الروعة والحب فهو لم يقدم الطريقة التقليدية حينما ترك الجماعة وهاجمها، بل على العكس تماما سرد تفاصيل إنسانية راقية، فيها حيادية بشكل كبير جدا وكان يعبر عن وجهة نظر حقيقية. وأنا على نحو خاص مهتم منذ فترة بتاريخ الجماعات الإسلامية في مصر، وهذه الفترة هي الأنسب لتقديم عمل عنهم بعد البراح السياسي الذي حصدوه بعد الثورة المصرية وصعود نجمهم في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. كما أنني لم أرشح أحدا لبطولة هذا الفيلم لأنني ما زلت في مرحلة كتابة السيناريو، لذا أنتظر حتى أنتهي من كتابته تماما، وبعد ذلك أختار فريق العمل خاصة أن البطل ذو مواصفات خاصة لأنني أحكي سيرة شاب من الثانوية العامة حتى الجامعة فقط، لذا لن يكون النجم «سوبر ستار».

* لكن فيلم «تلك الأيام» لمحمود حميدة وأحمد الفيشاوي «غاص» بقوة في فترة الجماعات الإسلامية وتاريخها الدموي، خاصة في صعيد مصر.. فما الجديد في فيلمك؟

- أولا، أنا لم أر هذا الفيلم، لكن من وجهة نظري فإن الجماعات الإسلامية بعد الثورة لديها طمع كبير في السلطة، خاصة بعد غياب طويل عن الحياة السياسية في مصر، وقصة صدامهم الشهيرة مع الرئيس الراحل أنور السادات تستحق أكثر من عمل سينمائي، كما أنني مصطدم مع أفكارهم منذ فترة طويلة، وأفكاري ضد أفكارهم وكتاباتي تنم عن ذلك، لكن موقفي الفني مختلف، فأنا في هذا الفيلم أقدم شخصيات من لحم ودم وأتعامل معهم «كبني آدميين»، كما أن البري تحدث عن الموضوع بشكل إنساني جدا، وفي النهاية أنا محكوم بضميري الفني على الرغم من اختلافي الفكري معهم، ولا أخفيك سرا أن رجل الأعمال نجيب ساويرس تراجع بعد أن تحمس لإنتاج هذا الفيلم، لكن ما زلت أراهن على منتج جريء يقتنع بخوض هذه التجربة.

* كفنان، ماذا ستفعل في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر؟

- سأقاوم طبعا، ولن أهرب أو أترك مصر كما يردد البعض، وسأحاربهم في أفلامي، خاصة التيار السلفي المتشدد، لأنهم يريدون تدمير البلد، وخلق حالة عقيمة من الجدل. والفيلم رسالة تحذير من عودة منابع العنف، كما أريد أن أقول لهم: أنا سأقدم فيلما عنكم وأنتم قدموا فيلما عنا ونتصارع فكريا، والذي يحكم بيننا الجمهور. وهذا ما شجعني لتقديم هذا الفيلم في الوقت الحالي، كما أنني أشعر بضرورة تقديمه في الوقت الحالي.

* في أفلامك «يا دنيا يا غرامي» و«أسرار البنات» و«عصافير النيل» تحدثت عن مشاكل اجتماعية ولم تغازل السياسة.

- من وجهة نظري، فإن السياسة جزء من المجتمع، وكان لا بد من مناقشة هذه الظروف الاجتماعية التي نعيش فيها لخلق جيل ناضج يستطيع أن يحتوي هذه الثورة العظيمة.

* لماذا هاجمت وحيد حامد وقلت إنه ابن النظام السابق، على الرغم من أنه مشترك معك في كرهه للإسلاميين؟ فهل هناك مشكلة شخصية بينكما؟

- هذا صحيح، لكن لا توجد مشكلة شخصية بيننا لأن وحيد من الكتاب الذين كنت أحبهم ووقت معركته مع الإسلاميين وقفت بجانبه، لكننا من منطلقات فكرية مختلفة، فهو ربما في وقت من الأوقات كان يؤمن بوطنية النظام، أو كان يعتقد أن جزءا من النظام وطني، وأنا لا ألومه على الإطلاق، فمثلا كان يهاجم الحزب الوطني لكنه يحب مثلا حسني مبارك، وكان لديه صداقات انتماءاتهم لجهاز أمن الدولة، وكان يعتقد أن جهاز الرئاسة جهاز وطني والمخابرات كذلك. وأنا لا أرى في كل هذا فكرة التخوين، لكن كنا وما زلنا أفكارنا مختلفة دون تخوين.

* هل من الممكن أن يجمعكما عمل سينمائي على الرغم من اختلاف آرائكم السينمائية والفكرية؟

- ممكن، ولا أستبعد هذا تماما لأن ما يهمني في النهاية الأفكار، وإن كنت أشك في ذلك حيث جمعتنا جلسات كثيرة في السابق ولم نتلاق فكريا على سيناريو.

* لكن صديقك يسري نصر الله قدم معه فيلم «احكي يا شهرزاد».

- ليس لي علاقة بذلك، فيسري له أفكاره وأنا لي أفكاري، خاصة أنني لا أحب الفيلم، ولا أحب ما قدمه وحيد في هذا الفيلم، لكن يسأل فيها يسري.. لماذا أعجبه هذا السيناريو، ويسري صديقي وسينمائي عظيم ولا أخونه، لكن أنا لو عرض عليّ هذا الفيلم فلن أقدمه طبعا.

* سمعنا أنك تنوي تقديم مسلسل عن الإمام محمد عبده.. هل هذا صحيح؟

- الإمام محمد عبده رائد التنوير، وفكره كان مستنيرا، ولو طرحت أفكاره في الوقت الحالي لتم تكفيره من قبل الإسلاميين، لذا أريد تقديم سيرته وما زلت في مرحلة كتابة السيناريو.