سقط التوريث السياسي.. ليحيا التوريث الفني!

عائلات «إمام» و«الفخراني» و«عبد العزيز» تتصارع على الشاشة الصغيرة

TT

أسقطت ثورات الربيع العربي سيناريو التوريث في العديد من الجمهوريات العربية؛ مصر وتونس وليبيا واليمن، ولكن يبدو أن الثورة لم تمر بعد على الوسط الفني؛ حيث لا يزال التوريث هو الذي يسيطر على المشهد العام للدراما.

تستطيع من الآن أن تقرأ مسلسلات رمضان المقبل باعتبارها تعبر عن الصراع العائلي بين أكبر نجوم في الدراما المصرية «عادل إمام» و«محمود عبد العزيز» و«يحيى الفخراني» كل منهم اصطحب معه أفرادا من عائلته ليساندوه في ساحة الوغى.. كان من المفترض أن نشاهد هذه المعركة في رمضان الماضي ولكن اندلعت ثورة اللوتس في مصر فتأجل الصراع إلى رمضان المقبل.. عائلة «عادل إمام» يعود عميدها إلى الدراما التلفزيونية بمسلسل «فرقة ناجي عطا الله» بعد غياب دام أكثر من ربع قرن كان آخر مسلسل له «دموع في عيون وقحة».

في «فرقة ناجى عطا الله» نرى «رامي إمام» مخرجا و«محمد إمام» مشاركا أباه البطولة.. أما عائلة «محمود عبد العزيز» المكونة من ابنيه؛ «محمد» الذي ينتج مسلسل «باب الخلق» ويشارك أيضا في التمثيل، بينما يلعب البطولة أمام والده «كريم عبد العزيز». ويدخل «يحيى الفخراني» المعركة بمسلسل «الخواجة عبد القادر» بعد أن أسند مهمة الإخراج إلى ابنه «شادي الفخراني» في أول عمل درامي يبدأ به مشواره.

كل المشروعات في العامين الأخيرين السابقة على «الخواجة عبد القادر» كان أيضا المرشح لها «شادي الفخراني» حيث اشترط «يحيى» على جهات الإنتاج التي ترشحه للعمل بأن توقيعه مرتبط بالموافقة على ابنه مخرجا!! لن يذكر أحد من النجوم الثلاثة أنه رشح ابنه؛ ولا أقول أصر على ترشيحه، الكل سوف يؤكد أنه فوجئ بأن جهة الإنتاج أو المخرج هو الذي يرشحه.. كل نجم من الثلاثة الكبار يملك القرار النهائي في العمل الفني.. نعم ليس «عادل إمام» فقط هو الزعيم، لأن «الفخراني» صار زعيما في الفيديو، بينما زعامة «عادل» امتدت تخومها إلى دائرتي السينما والمسرح فقط ولم تصل بعد إلى هضبة التلفزيون التي يعتليها منفردا حتى الآن «يحيى الفخراني» ولكن لا شك أن «عادل إمام» تعاقد في مسلسله على رقم غير مسبوق في الدراما التلفزيونية وصل إلى 5 ملايين دولار ولهذا فإنه يقدم مشروعه التلفزيوني وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.

وهو ما ينطبق أيضا على «محمود عبد العزيز» في الدراما التلفزيونية، فهو لا يزال قادرا على الجذب، صحيح أنه لن يحصل على الرقم نفسه الذي وصل إليه «عادل»، إلا أنه يصل أيضا إلى رقم يعتبر استثنائيا ربما يصل إلى 3 ملايين دولار. «محمود» لديه أسلحة جذب في سوق التوزيع، فهو مقل جدا ليس فقط في الوجود عبر الدراما التلفزيونية، ولكن أيضا في البرامج التلفزيونية، وهذا الابتعاد يمنح اسمه قدرة كبيرة في التسويق وأيضا في فرض وجهة نظره.

لا أحد من النجوم الثلاثة سوف يذكر الحقيقة وهي أنه السبب الرئيسي والمباشر وراء وجود أبنائه.. «عادل» سوف يقول إن «رامي» مخرج ناجح وإن تجربته التلفزيونية في رمضان قبل الماضي «عايزة أتجوز» هي التي رشحته لمسلسل «فرقة ناجي عطا الله»، وإن ابنه «محمد» لعب البطولة المطلقة في فيلم «البيه رومانسي»، وإن هذا يعد تنازلا منه أن يوافق على أن يمثل بجوار والده بطولة مشتركة في هذا المسلسل.. وهو أيضا ما سوف يذكره «محمود عبد العزيز» عن ابنيه «كريم» و«محمد».. «الفخراني» قدم ضربة استباقية عندما أسند لابنه قبل عامين إخراج المسلسل التاريخي «محمد علي» فور اعتذار المخرج «حاتم علي» لارتباطه بتصوير مسلسل «عمر بن الخطاب»، إلا أن المسلسل لم ينفذ، وعرض على «الفخراني» العديد من المسلسلات وكان الفيصل هو ابنه «شادي»، وكل المسلسلات التي تلت «محمد علي» كان مرشحا أيضا «شادي» لإخراجها حتى استقروا على «الخواجة عبد القادر».. بالتأكيد؛ «الفخراني» يترقبه عشرات من المخرجين الموهوبين كل منهم ينتظر إشارة منه لكي يتعاقدوا على مسلسل من بطولته، ولكنه أصر على ابنه. لم يكتف «الفخراني» بهذا القدر، ولكنه قال إن ابنه حتى الآن لم يوافق على إخراج المسلسل، لأن له شروطا خاصة بفريق الفنيين الذي يصاحبه واشترط موافقة شركة الإنتاج على تلبية طلباته قبل التعاقد، أي إن ابنه في أول تجربة له أيضا شروط مسبقة ينبغي أن توفرها له شركة الإنتاج؟! الكل يعلم أننا نعيش عصر سطوة النجوم على مقدرات المسلسل التلفزيوني، وأنهم يملكون كل شيء، ولكن هل يملك النجوم فرض أبنائهم؟! في دنيا السياسة يختلف الأمر عن دنيا الفن.. في السياسة من الممكن في ظل شروط معينة وقبضة دولة قوية وأجهزة أمنية لها عيونها وأجهزتها تستطيع بالفعل أن تفرض التوريث ولو إلى حين على الناس مثلما حدث مثلا في سوريا عندما تولى الحكم «بشار» خلفا لوالده «حافظ الأسد»، ولكن في الحياة الفنية لا يملك كبار النجوم سوى الدفع بأبنائهم في بعض الأعمال الفنية ووضع شروط مجحفة تفرض على شركات الإنتاج قبول «البيعة» يصلح أن نقرأها من فعل «يبيع» أو «يبايع».. ولكن في النهاية، توجد ولا شك قوة تستطيع مقاومة ذلك وهي إرادة الناس. «عادل» يحاول فرض ابنيه في أعمال درامية كلما تسنى له ذلك، وأحيانا نجد أن هناك معادلات فنية ليس فيها الوالد طرفا مباشرا ولكن له حضور في المعادلة لا يمكن إنكاره مثلما رأينا في رمضان قبل الماضي «محمد إمام» في مسلسل يسرا «بالشمع الأحمر».. «عادل» ليس منتجا ولا مخرجا ولا بطلا ولكن البطلة ترد له الجميل لأنه يحرص على أن يرشحها دائما لمشاركته البطولة في أفلامه، فلا بأس أن تسند البطولة بجوارها إلى ابنه.. إن كل هذه المحاولات بالتأكيد لن تنجح في فرض فنان على الحياة الفنية، ولكنها قد تمنع موهوبين من أن يحصلوا على فرصة يستحقونها بسبب إصرار الآباء على فرض أبنائهم.. إلا أن كل ذلك لن يستمر طويلا.. ستسقط سطوة الآباء مع الزمن. يحاول الآباء فرض قانون يتناقض مع علوم الوراثة التي تشير من خلال كل التجارب السابقة إلى أن نسبة لا تتجاوز 10% فقط من أبناء الفنانين هم فنانون انتقلت إليهم جينات الإبداع من آبائهم، بينما الحياة الفنية في مصر تزخر بنسبة تقترب من90%، حيث إن أغلب أبناء الممثلين والمطربين صاروا مطربين وممثلين.. الكل يرث مهنة الوالد أو الوالدة، وسوف نرى بالتأكيد فصولا مثيرة من صراع الأبناء وخلفهم آباؤهم.. وتابعوا الجولة الأولى من المعركة الرمضانية في 2012 بين عائلات «عادل إمام» و«يحيى الفخراني» و«محمود عبد العزيز»! ويبقى الجزء الثاني في المعادلة وهو الجمهور، لأنه جرت العادة أن أبناء وأحفاد الفنانين يتوسم فيهم الناس أحيانا أن يكملوا مشوار آبائهم وجدودهم في مجال الفن.

عندما سألوا «أوليفر فلاديمير بيكاسو» حفيد الفنان العالمي «بابلو بيكاسو» لماذا لم يصبح فنانا تشكيليا مثل جده، أجابهم بروح مليئة بالدعابة: «ورثت أنفه وليس يديه»! كانوا يجاملون «أوليفر» وهو طالب بالمدرسة في حصة الرسم ويمنحونه الدرجات النهائية على اعتبار أن كل ما يخطه على الورق هو بالتأكيد الإبداع.. ولم تستمر مسيرة الطفل «أوليفر» طويلا مع الدرجات النهائية حيث إنه عندما كان يدخل الامتحانات التي لا يتم فيها معرفة الأسماء مسبقا كانت درجاته تأتي متأخرة عن كل رفاقه واكتشف بعدها أنه لم يرث من جده شيء سوى أنفه!! كيف يصبح لدينا هذا العدد الضخم من أبناء الفنانين الذين يمارسون مهنة آبائهم؟! إنه أمر يدعو للدهشة ولم أر له مثيلا في أي دولة عربية أو أجنبية.. نتذكر من نجوم التمثيل مثلا أبناء «إمام»، و«السعدني»، و«الفيشاوي»، و«زكي»، و«عبد العزيز»، و«نور»، و«فاروق فلوكس»، و«سعيد عبد الغني»، و«أحمد ماهر» وغيرهم.. وفي الغناء تستطيع أن ترصد أبناء «عدوية»، و«العطار»، و«محرم»، و«شعبولا»، و«الحجار»، و«الحلو» وغيرهم.. من البديهي أن عوامل الوراثة تنتقل عن طريق «الجينات» كما أن المناخ العام الذي نشأ فيه الطفل يوجهه لاختيار مهنة الأب أو الأم.. إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يصبح هو القاعدة؛ حيث يبدو وكأن الحياة الفنية في مصر لا ترحب إلا بأبناء الفنانين.. إنه شيء أقرب إلى العدوى انتشرت في الوسطين التمثيلي والغنائي، وهكذا وجدنا 90% من أبناء الفنانين فنانين بالوراثة. لن يستطيع أحد في نهاية الأمر أن يفرض فنانا على الجمهور، إلا أن ما يؤثر على الحياة الفنية بالسلب هو حالة الزحام والفوضى والفرص التي يحصل عليها من لا يستحق وتخصم ممن يستحق.. لن يعترف أبدا الوالد بأن ابنه لا يتمتع بموهبة.. سيظل كل نجم يدفع ابنه بأسلوب مباشر أو غير مباشر، وسوف يصرح بأنه أبدا لم يمنحه أية فرصة لا يستحقها، وأن الموهبة تنضح عليه.. فهل يعتقله داخل المنزل حتى لا يمارس الفن؟! هل يكذب الآباء عندما يؤازرون أبناءهم؟! الحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يكونوا محايدين، ولهذا يعتقدون أنهم موهوبون. أتذكر حوارا للموسيقار الكبير «رياض السنباطي» أجرته معه الإذاعة عام 1974 وكان «عبد الحليم» في عز توهجه الفني بينما «أحمد السنباطي» ابن «رياض السنباطي» كان قد بدأ خطواته الأولى في عالم الغناء والتلحين والتمثيل.. سألت المذيعة «رياض السنباطي» المعروف عنه صرامته وصراحته عن رأيه في ابنه «أحمد».. أجابها أنه النغمة الصحيحة المقبلة، وأن من يعتلي القمة حاليا (يقصد «عبد الحليم حافظ») لن يستطيع الصمود أمام هذا الطوفان الذي يقوده ابنه. الآباء أحكامهم دائما منحازة لأبنائهم وكأنهم يقولون للآخرين: «خدو عيني شوفو بيها»، ولكن على الأبناء أن يأخذوا الحكمة من حفيد «بيكاسو».. ينظروا للمرآة بعيونهم ليعرفوا كم واحد منهم ورث فقط أنف أبيه! علينا أن ننتظر دراما رمضان المقبل لنرى بالضبط: هل ينجح التوريث الفني رغم ثورات الربيع؟!