محمد صبحي: رفضت أن أنزل من درجة فنان إلى درجة وزير

الفنان المصري قال لـ «الشرق الأوسط»: أصحاب الآراء المتشددة لا يمثلون إلا أنفسهم

محمد صبحي
TT

نموذج للفنان الوطني الملتزم والمثقف الرفيع يجسده الفنان محمد صبحي، فهو أحد الفنانين القلائل الذين يحرصون على تقديم أعمال فنية تسعى لتأكيد القيم الإيجابية في المجتمع، ورفض مؤخرا منصب وزير الثقافة وثار حوله جدل كبير بسبب ذلك، لكنه أصر على موقفه ومبدئه رافضا أن «يهبط من درجة فنان إلى درجة وزير».

في حواره مع «الشرق الأوسط» أكد أنه يعتز بفنه وبما قدمه على مدار مشواره الفني، كما كشف الفنان الكبير عن تخوفه على مستقبل مصر، مطالبا الثوار بالهدوء والفخر بما حققوه حتى الآن، ومنعهم كارثة توريث الحكم التي كادت تعصف بالمجتمع المصري.

وأضاف صاحب «الجوكر» و«انتهى الدرس يا غبي» و«تخاريف»... وغيرها من الأعمال المسرحية المتميزة: «أنا لا أقدم عملا فنيا أيا كان من أجل الوجود فقط، أنا أبحث عن الفكرة الجيدة والنص المتميز، خصوصا في المسرح الذي يعد عشقي الأول».. وتطرق الحوار إلى مشروعه الخيري «حملة المليار دولار» من أجل تطوير العشوائيات، وعلاقة الفن بالثورة، وعلاقة الفنان بالمجتمع، ودوره في رقي الوجدان والذوق العام... وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف يتأثر الفنان محمد صبحي بما يدور حاليا في مصر من أحداث ومظاهرات وعدم استقرار؟

- أصبت بالاكتئاب نوعا ما نتيجة لعدم الاستقرار وكثرة المظاهرات والصراع المشتعل حاليا وتفكير بعض الأشخاص في مصلحتهم الخاصة، وتأثر الإنسان المصري البسيط وسط كل ذلك، فالناس لم تعد تعرف مستقبلها وإلى أين تسير البلاد، والكل أصيب بحالة قلق شديد، خصوصا مع تصاعد الأحداث وتزايدها يوما تلو الآخر، رغم المكاسب التي حققتها ثورة 25 يناير.

* وهل ترى أن الثورة حققت مطالبها؟

- الثورة نجحت في أن تمنع كارثة كبيرة كانت ستحدث في مصر، ألا وهي التوريث، وأسقطت النظام السابق بكل رموزه، لكن تحقيق مطالب الثورة لن يأتي بين يوم وليلة، وعلى الثوار أن يتأنوا قليلا، خصوصا أن المجلس العسكري يدير البلاد في مرحلة انتقالية وسيتم تسليم الحكم لسلطة مدنية.

* ومتى ستتغير الأوضاع في مصر حسب رؤيتك؟

- سنكون نضحك على أنفسنا إذا تخيلنا أننا سوف نصحو غدا على شمس مشرقة وهواء نظيف وسلوكيات سوية ومنضبطة وتعليم جاد وصحة أفضل ومستوى اقتصادي منتعش ورفاهية اجتماعية، فمجرد تصور أن ذلك من الممكن أن يحدث بين ليلة وضحاها يعد ضربا من الجنون، فكل شيء يأتي بدرجات وعلى مراحل زمنية، وسلوك المواطن المصري يحتاج إلى تغيير، وذلك التغيير لن يأتي إلا بالتعليم، فنحن نعاني من مستوى تعليمي هزيل، أثر بدوره على سلوك المواطن المصري ومفاهيمه.

* ما تعليقك على التصريحات المختلفة التي تخرج من بعض رجال السياسة والفكر حول تعرض مصر لمؤامرات خارجية؟

- لا أفهم لماذا يحاول البعض نفي ذلك، فأنا على يقين من أن مصر مستهدفة بحكم تأثيرها القوي في جميع الدول العربية، فهي تمثل مركز ثقل كبير في الوطن العربي ولها دورها الريادي في المنطقة، ولذا تحاول بعض القوى الخارجية النيل من مصر وتعمل بكل قوتها على زعزعة استقرارها، عن طريق تقسيمها لتيارات متناحرة، وتزرع فتيل الانشقاق بين المصريين، وعندما أفكر في إمكانية حدوث ذلك بالفعل ووصول تلك القوى إلى مطامعها وأهدافها أشعر بالاكتئاب والرغبة في عدم الحديث، وأتمنى أن يفطن المصريون إلى ذلك ويقفوا حائلا دون تحقيقه، ولا يتفرغوا فقط للصراع على كرسي السلطة. وأوجه رسالة إلى جميع أفراد الشعب المصري: قفوا أمام من يحاول ذبح مصر.

* وكيف ترى انتخابات مجلس الشعب التي أجريت مؤخرا في مصر؟

- تدعوني تلك الانتخابات إلى التفاؤل إلى حد ما، فهي تعد النواة الأولى للديمقراطية والحرية في مصر، وشارك فيها معظم أبناء الشعب المصري الذي شعر بأن صوته له قيمة ومؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

* لكن بعض الفنانين متخوفون من صعود وتفوق حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وأيضا تفوّق السلفيين وحصدهم نسبا كبيرة في مقاعد مجلس الشعب.

- لست أرى سببا منطقيا لتلك التخوفات، فلن يمنع أحد الفن الهادف المحترم الذي يقدم قيما راقية، ومصر هي رائدة الفنون في الوطن العربي على مدار العصور وستظل كذلك، ولكن يبدو أن تلك التخوفات تأتي بسبب بعض التصريحات التي يطلقها متشددون إسلاميون لوسائل الإعلام المختلفة، ولكن أصحاب تلك التصريحات لا يمثلون إلا أنفسهم.

* يتردد أنك رفضت منصب وزير الثقافة مؤخرا بعدما اعترض البعض من الفنانين والمثقفين على ذلك.

- لقد رفضت منصب وزير الثقافة بالفعل، ولكن ليس من أجل ذلك السبب، فأنا أعشق الفن وأرى أن الفنان والمثقف هو من يدير ويؤثر في الحركة الثقافية وليس العكس، وكما قلت سابقا أؤكد على أنني أرفض النزول من درجة فنان إلى درجة وزير، ولست من هواة المكاتب أو المناصب، بل أنا عاشق للفن وللمسرح ولن أقبل أن يعطلني أي شيء عن هدفي في تقديم أعمال فنية راقية تخاطب العقل وتدعم قيمنا الشرقية والعربية.

* تقول إنك عاشق للفن، خصوصا المسرح. لكن لماذا أنت بعيد عن المسرح منذ أكثر من 7 سنوات؟

- لا أقدم عملا فنيا أيا كان من أجل الوجود فقط، فأنا أبحث عن الفكرة الجيدة والنص المتميز، خصوصا في المسرح الذي يعد عشقي الأول، وبعدما قدمت منذ نحو 7 سنوات 3 أعمال مسرحية هي «كارمن» و«لعبة الست» و«سكة السلامة» ضمن مهرجان المسرح للجميع في دورته الأولى، وأنا أحضر للدورة الثانية ولدي حاليا نحو 6 أعمال مسرحية أسعى لتقديم بعضها في الدورة الثانية من المهرجان، ومنها عمل بعنوان «خيبتنا»، وهي تناقش الوضع العربي والعالمي المعاصر، و«غزل البنات» من تراث الريحاني، ومسرحية «أوديب ملكا» للشاعر الإغريقي الرائع سوفوكليس. وللأسف على الرغم من وجود الكثير من المسارح في مصر فإنها مغلقة والحركة المسرحية أصابها الشلل والجمود، والجمهور ابتعد عن المسرح بفعل متغيرات كثيرة، خصوصا تلك الأيام التي نعيشها، والغريب أن الناس «بطلت تضحك».

* مع التغيرات التي تشهدها مصر طالب بعض الفنانين بإلغاء جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.. فهل أنت مع تلك الدعاوى؟

- ليس من المنطقي أن نلغي الرقابة على المصنفات الفنية لأن البعض قد يستغل ذلك في تقديم أعمال تخلّ بالآداب العامة وتهدم قيم المجتمع، وما أكثر الساعين إلى ذلك في وقتنا هذا، فعلى الرغم من وجود الرقابة حاليا فإن هناك أعمالا فنية تهدم قيم المجتمع وللأسف تحقق إيرادات كبيرة، فما بالنا لو تم إلغاء الرقابة؟! فذلك الجهاز يجب أن يبقى لكي يتم الحفاظ على تقاليد المجتمع وقيمة، لكن ذلك لا يعني أن نضيق الحريات على الإبداع، لكن يجب أن تكون تلك الحرية مسؤولة ولا يتم استخدامها بطريقة خاطئة.

* إلى أين وصل مشروعك الخيري «حملة المليار دولار»؟

- الحمد لله وجدت ترحيبا كبيرا من جانب الكثير من الفنانين ورجال الأعمال لدعم المشروع، وقابلت الكثير من أفراد الجاليات المصرية بالخارج وتحمسوا للمشروع الخيري الذي يهدف إلى القضاء على العشوائيات وتحسين الظروف المعيشية الصعبة لسكان تلك المناطق الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يجدون قوت يومهم ويكافحون من أجل لقمة العيش، وسأواصل جولتي خلال الأسابيع المقبلة من أجل تلك الحملة التي أتمنى أن تؤتي ثمارها.

* تسعى إلى جمع ملايين الدولارات من أجل العشوائيات، فهل تسعى لجمع مثلها في أعمالك الفنية؟

- أرفض تقييم العمل الفني على أساس الإيرادات، فذلك يبخس قيمة ما يقدمه الفنان، وهناك البعض الذي يهدف من الفن إلى جمع المال فقط والسباق على حصد أكبر كمّ ممكن من الإيرادات، لكنني أقول لمن يسعى إلى ذلك، إن هناك مهنا أكثر قد تساعدهم على تحقيق ما يبغونه، والفن يقاس بقيمة التأثير الإيجابي الذي يتركه في المجتمع والقيم التي يغرسها في أبناء الوطن، وليس بكم الجنيهات التي يسحبها من جيوبهم.

* هل هناك أعمال فنية قدمتها لكنك ندمت عليها بعد ذلك؟

- ليس ندما بمعنى الكلمة، لكنني قدمت بعض الأعمال التي لا أرضى عنها، وكان ذلك في بداية حياتي الفنية، ولن أذكر أسماءها احتراما لمن شاركوا فيها.