«بنات العم».. وكثير من السذاجة والسخف

الجمهور يبحث عن الأمان النفسي فأقام حائط صد من الضحك

TT

هل أصبح المصريون الذين اشتهروا تاريخيا بخفة الدم، والرسوم الفرعونية تشهد على ذلك، في حاجة لأن يبحثوا عن أي ضحكة حتى ولو كانت زائفة لكي يشعروا ببعض الأمان الذي صار مفقودا في الشارع المصري الآن؟

الإنسان لا يمارس فعل الضحك إلا في لحظات إحساسه بالقوة والتفوق، وهكذا قد تبدو الحاجة إلى الضحك أحيانا رد فعل نفسيا جماعيا لكي يستعيد الإنسان بعضا من توازنه. هذا هو تفسيري للنجاح الطاغي الذي حققه فيلم «بنات العم» خلال الأسابيع الماضية ولا يزال حتى كتابة هذه السطور يحتل المركز الأول.

حرصت على أن أشاهد الفيلم مع الجمهور لأقترب أكثر من الأسباب التي دفعت عددا من دور العرض لإقامة حفلات إضافية لاستيعاب الإقبال الجماهيري الذي لم تتوقعه شركات التوزيع السينمائي! هل تقديم الرجال أدوارا نسائية يكفي لتحقيق كل هذه الإيرادات؟ ليس جديدا بالطبع أن يرتدي النجوم ملابس نسائية، وإن كانوا في «بنات العم» يرتدون زى الرجال؛ ولكنهم في الحقيقة كانوا نساء. وقبل أن نتابع تفاصيل السيناريو، أقول إنه دائما ما يرتدي النجوم ملابس النساء لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإضحاك، ولم يقتصر الأمر على النجوم فقط؛ ولكن حتى المخرج الشهير ألفريد هيتشكوك حرص على أن تلتقط له صورة على سبيل المزاح وهو في زى امرأة تضمنها كتاب يتناول أعماله الفنية.. الكل ارتدى زى امرأة؛ من إسماعيل يس حتى محمد هنيدي؛ ولكن بالطبع هناك اختلاف في درجة الإجادة.. ربما كان أهم فنان نجح في تقمص دور امرأة هو عبد المنعم إبراهيم في فيلم «سكر هانم»، بعد ذلك أعيد الفيلم على خشبة المسرح قبل عامين وأدى دور «سكر هانم» أحمد رزق.. وربما باستثناء نجيب الريحاني سوف تكتشف أن أغلب نجوم الكوميديا فعلوها؛ فؤاد المهندس، وعادل إمام، ويونس شلبي، وسعيد صالح، وسمير غانم، وجورج سيدهم.. وغيرهم، ولكن وبلا جدال، فإن إسماعيل يس في «الآنسة حنفي» كان هو الأشهر، الفيلم أخرجه فطين عبد الوهاب وكتبه قبل 60 عاما جليل البنداري عن واقعة حقيقة. أما الفنان الذي تفوق باقتدار في هذا الجيل، فإنه بلا شك علاء ولي الدين في فيلم «الناظر» من إخراج شريف عرفة.. أدى الراحل علاء ولي الدين ثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم؛ الابن والأب والأم.. كان أكثرهم إبداعا هو الأم! الفكرة مغرية بالضحك، ولكن العكس غير صحيح، وهو أن تتحول المرأة إلى رجل، فإنها لا تحقق القدر نفسه من النجاح.. شاهدنا مثلا سعاد حسني ونادية لطفي؛ ولكن بلا أي أثر يذكر! يلعب بطولة فيلم «بنات العم» أحدث ثلاثي في الوسط السينمائي وهم «شيكو» وهشام ماجد وأحمد فهمي.. إنهم يذكرونني بثلاثي شهير عرفته مصر قبل نحو 50 عاما وحققوا شهرة عريضة، أقصد ثلاثي أضواء المسرح: سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد. لم يعد في الميدان الآن سوى «سمير» بعد أن رحل عن الحياة سريعا «الضيف» وأقعد المرض «جورج».. كان هذا الثلاثي هو ابن المرحلة التي شهدت بدايات التلفزيون العربي عام 1960 وبدأوا الرحلة من فوق خشبة مسرح الجامعة، وانتقلوا من الشاشة الصغيرة إلى الكبيرة في أدوار مساعدة، ولكن ملعبهم الأساسي كان هو المسرح بتلك الفرقة التي حملت أسماءهم.. أما الثلاثي الجديد «شيكو» وهشام ماجد وأحمد فهمي، فإن ملعبهم الأساسي الآن هو السينما.. قدموا من قبل في الأعوام الأخيرة فيلمي «ورقة شفرة» ثم «سمير وشهير وبهير» وهذا هو الفيلم الثالث لتلك المجموعة التي يشرف عليها فنيا الكاتب محمد حفظي.. دائما ما يبحث هذا الثلاثي عن الفكرة الغريبة القائمة على التناقض.. مثلا في «ورقة شفرة» كان الهدف هو فضح إسرائيل من خلال طمعها في سرقة الحضارة المصرية، وفي «سمير وشهير وبهير» قرروا الاستعانة بلعبة آلة الزمن التي تنتقل من عصر إلى عصر.. الأحداث انتقلت بين الزمن الحالي والسبعينات من القرن الماضي.. هذه المرة قرروا الانطلاق بلعبة أخرى وتناقض مغاير أكثر تطرفا، وهو تغيير الجنس، أي المرأة تصبح رجلا.. يلجأ هذا الثلاثي إلى العمل عن طريق نظام الورشة.. تشعر أن الثلاثة ينسجون الفكرة معا، وكل منهم يسرح دراميا في تنمية مساحة دوره؛ ولكن بشرط أن لا يخرج عن السياق العام. بينهم حتى الآن قدر من الانسجام الشخصي والفني من الممكن أن تلمحه في تفاصيل الفيلم، ولا يدري أحد هل يؤدي التنافس الذي يحدث عادة في مثل هذه الأمور إلى التعارك؟ حتى الآن لا يزال الوئام مسيطرا! «بنات العم» يحمل نوعا من الترديد اللفظي لفيلم قدمه المخرج شريف عرفه قبل ثلاث سنوات وهو «أولاد العم». بالطبع كان الفيلم الذي لعب بطولته كريم عبد العزيز ومنى زكي وشريف منير يحمل في أجوائه طبيعة أفلام المخابرات العسكرية التي تعتمد على التشويق، ويتناول بطولة هذا الجهاز العسكري المصري في التفوق على إسرائيل، بينما لم يتجاوز هدف فيلم «بنات العم» سوى أن يقدم رؤية ساخرة لتحول النساء إلى رجال من خلال لعنة تصيب أصحاب هذا القصر الذي تجري خلاله العديد من الأحداث. إننا مع عائلة «شنب» التي تملك القصر، ويقدم الفيلم أن التاريخ المعاصر للقصر يؤكد أن كل من يفكر في بيعه نجده وقد أصيب بنوع من العقاب القاسي الذي من الممكن أن يودي بحياة العائلة مثلما حدث لأغلب أفراد عائلة «شنب» التي باعت القصر سابقا لعائلة «الهانش» التي عانت كثيرا بعد أن صار لكل أفرادها «هانش» معتبر يعوقه عن الحركة؛ بل عن الحياة كلها. عائلة «الهانش» لم يبق منها إلا «إدوارد» الذي يحلم باسترداد القصر حتى يتخلص من هذا الهانش الذي يعذبه منذ الطفولة التي كانت بالطبع بائسة حتى وصوله إلى عتبات الشيخوخة ولا يزال يعاني. بينما عائلة «شنب» عندما تقرر بنات العم البيع وهن آخر من تبقى من العائلة بعد أن أصابت باقي أفراد العائلة اللعنة بالموت، فإن البنات يتحولن إلى رجال حتى الجدة العجوز التي أدت دورها رجاء الجداوي تصبح رجلا يؤدي دوره صلاح عبد الله. الجزء الأول من الفيلم الذي نشاهد فيه «بنات العم» استغرق مشاهد قليلة، ولم يفكر أبدا المخرج أحمد سمير فرج في العثور على خيط درامي ينقلنا إلى ماضي أبناء العم «اللاتي» كن بنات العم رغم أنه كان ينبغي أن يتضمن السيناريو لحظات تؤدي إلى نوع من التخفيف الدرامي لنشاهد هؤلاء الثلاثة مرة أخرى عندما كانوا «بنات العم» قبل إصابتهم باللعنة، وهو ما أراه سيؤدي إلى حالة من الجاذبية في تتابع الأحداث لأن السيناريو كان يبدو في جزء كبير منه مقيدا في إطار الموقف الواحد الثابت؛ فهو دراميا تم بناؤه على أساس النظام الثلاثي التقسيم الذي يدور حرفيا وهندسيا بين الأبطال الثلاثة، وهكذا تتعدد المشاهد التي تقدم دائما من خلال ثلاث زوايا رؤية مختلفة.. مشهد هنا، يرد عليه بمشهد ثان، وينبغي أن يلحقه بثالث. ثم إن - إيفيه - النساء اللاتي نشاهدهن رجالا طال اللعب الدرامي عليه أكثر من المحتمل، وكان ينبغي أن يبتعد عن تلك الحالة التي تؤدي لا محالة إلى قدر من النفور. ويستمر السيناريو في محاولة للعثور على «القفلة»، أقصد النهاية الساخنة التي تصعد من خلالها حالة الضحك للذروة، وهكذا يتم بيع القصر مرة أخرى إلى عائلة «الهانش» ويأتي العقاب قاسيا عندما تتحول «بنات العم» سابقا إلى نوع من الكلاب ما عدا «شيكو» فقط الذي أدى دور الفتى السمين الذي كان في الأصل فتاة تعاني من السمنة وهو ارتضى بهذا التحول وتلك اللعنة وتعايش مع كونه صار رجلا وأحب في أحداث الفيلم يسرا اللوزي وقرر أن يتزوجها، فهو الوحيد الذي لم تصبه اللعنة.

المخرج أحمد سمير فرج كان منفذا محايدا للنص السينمائي.. لم يضف شيئا على المستويين البصري والسمعي، فهو يبدو وكأنه فقط يؤدي واجبه بأسلوب حيادي تماما، ليس هناك أي إضافة تشي بأن لدينا مخرجا يريد أن يشارك بخياله في حالة الفيلم الساخرة رغم أن هذا هو فيلمه الروائي الخامس. الفيلم قائم على الأسلوب «البارودي» السخرية من المشاهد الشهيرة في الأفلام القديمة، وهذا يتيح للمخرج قدرا كبيرا من الإضافة التعبيرية لو كان لديه حقيقة ما يقدمه، إلا أن المخرج «ولا هو هنا»! الفيلم على الرغم من هذه الانتقادات كما أنه في النصف الثاني بات أقرب للثبات الدرامي، فإنه يحقق أعلى الإيرادات بالقياس أيضا إلى تكلفته الضئيلة، وتفوق على أفلام تعرض بجواره يتم الاستعانة فيها بنجوم الشباك.

هل الجمهور المصري بعد الثورة، الذي يعيش هذه الأيام العديد من الأزمات، يشعر بخوف من المجهول الآتي، ويريد أن يفرغ شحنة الهلع في هذا الفيلم ليشكل له الضحك درعا واقيا من الحماية النفسية؟ ربما كان هذا صحيحا، ولكن هذا لا يكفي، لأن الناس بعد أن كنت أسمعها وهي تضحك من «بنات العم» كنت أسمعها أيضا وهي تلعن «بنات العم»! هل الضحك لمجرد الضحك من الممكن أن نعتبره هدفا جديرا بأن يقدم له فيلم؟ حتى لو صح ذلك، فإن الفيلم أخفق في العديد من مشاهده في الوصول إلى الضحك من أجل الضحك، فصار في بعضها أقرب إلى السخافة من أجل السخافة!