الفرق بين مزاجيتي المبدع والنجم كالفرق بين الأرض والسماء

مروان خوري: التركيبة الشخصية للمبدع ليست متوازنة

TT

المزاجية صفة تلازم الأشخاص المبدعين، وهم غالبا ما يعترفون بذلك، ويؤكدون أنهم أسرى مزاجهم، الذي يحول دون قدرتهم على العطاء في كل الظروف والأوقات. ولكن بين مزاجية النجم ومزاجية المبدع فرق شاسع، ولكن النجوم غالبا ما يتغنون بمزاجيتهم، ربما لأنهم يجدون المزاجية ميزة تجعلهم مختلفين عن سائر بني البشر، فيتأففون، يتأخرون عن مواعيدهم، يتصرفون بغرور وعنجهية، وما على الآخرين سوى تقبلهم في كل حالاتهم وتصرفاتهم.

أثناء تصوير أحداث الفيلم السينمائي «مرجان أحمد مرجان»، الذي لعبت الفنانة ميرفت أمين بطولته إلى جانب الفنان عادل إمام، احتاجت أمين إلى تسع ساعات كاملة لتصوير مشهد واحد مدته دقيقتان ونصف الدقيقة فقط، ويعد الانتهاء من تصوير «المشهد العصيب» كما تم وصفه، تنفس المخرج على إدريس الصعداء ليس بسبب المدة الطويلة التي استغرقها في تصويره بل بسبب الحالة المزاجية لبطلة الفيلم لكونها كانت معترضة على المشهد وطالبت بحذفه منذ الأساس، بينما أصر يوسف معطي والشركة المنتجة على ضرورة تصويره نظرا لأهميته.

و«المشهد الأزمة» كان الحلم الذي يتخيل فيه عادل إمام ميرفت أمين تدخل عليه وهي ترتدي نفس الملابس التي ارتدتها هيفاء وهبي في كليبها الشهير «بوس الواوا».

ويمثل الفنان جورج وسوف «قمة المزاجية»، فقد نجح في إثارة أعصاب المخرج نجدت أنذور خلال تسجيل تتر مسلسل «ما ملكت أيمانكم»، بسبب غيابه المتكرر عن المواعيد، مما أثار قلق المخرج حول مصير العمل، ولكن سلطان الطرب عندما وجد نفسه مستعدا جاء إلى الاستوديو من دون موعد مسبق، وأنهى تسجيل التتر بنفسه، فرحب المخرج بأسلوب وسوف، وقال «على الرغم من تأخير جورج في تسجيل التيتر، فإنني أحترم المنطق الذي تعامل به، لأنه لو لم يكن فنانا حقيقيا لما اتصف بالحالة المزاجية التي كان يتصرف بها». وقد سبق للوسوف أن ظهر في إحدى الحفلات التي عرضت على الشاشة، وهو يركل بقدمه إحدى الهدايا المرمية إليه في وجه صاحبها، كما أنه كاد يركل بقدم أخرى طفلا صغيرا صعد للحصول على «توقيع» منه، إلى ذلك هو لم يوفر في كلامه بعض الفنانين، فهو عندما سئل في إحدى المقابلات عن نانسي عجرم كان جوابه «هل هي سفير؟»، وعندما وصفه الفنان رامي عياش بـ«الزميل»، نال منه ردا قاسيا مستنكرا أن يكون زميلا لم، ودون أن ننسى العبارة الشهيرة التي توجه بها إلى مقدم البرامج نيشان، قائلا له في مداخلة مباشرة على الهواء «سكّر..».

هيفاء وهبي مثلا لا تنكر أنها مزاجية إلى حد كبير بسبب الظروف التي تحيط بها كونها نجمة وتحت الأضواء: «الإنسان المزاجي، هو أكثر إنسان مسالم لأنه ليس خبيثا، والناس يكتشفون بسرعة ما إذا كنت سعيدة أم لا، وهذا أمر يزعجني ويجعلني أشفق أحيانا على نفسي لأني أقسو عليها وأحملها أشياء لا تستحق كل هذا الجهد».

أما الفنانة إليسا، فهي موصوفة بمزاجيتها، الأمر الذي سبب لها إشكالات عدة في الوسطين الفني والإعلامي، فقد حصلت مشكلات بينها وبين معظم المخرجين والشعراء الذين تعاملت معهم، كما أن الصحافيين يشتكون منها، حتى إنها لم توفر المعجبين من مزاجيتها، عندما قالت: «أحيانا أكون مزاجية مع المعجبين، وقد أتصرف معهم بلا مبالاة، ويعدو السبب في ذلك إلى (مودي) الذي يتحكّم بي وبتصرفاتي».

الموسيقار ملحم بركات، صاحب المزاجية التي تنتج إبداعا، يقول: «من الواضح جدا أنني شخص مختلف، ويجب على الآخرين مراعاة خصوصيتي الفنية والاجتماعية، وكل الذين يهاجمونني في الصحافة لم يكتبوا يوما حرفا واحدا عن فني، لأني فنان ناجح، ولم يجدوا بابا يدخلون منه لإثبات قدراتهم وجدارتهم سوى حياتي الشخصية، ولذلك هم ينعتونني بـ(المجنون). فهل يحق لهم أن يحاسبوني على جنوني أيضا؟! في النهاية كل الفنانين في العالم مجانين، يفتعلون المشكلات لأنهم بشر، يتميزون بالحس المرهف ويتفاعلون مع الأحداث، مما يجعلهم يعبرون عن مشاعرهم بحدة، وأنا لا أنكر أنني مجنون وأن جنوني هو الذي يساعدني على الإبداع».

ويعتبر أبو مجد أنه لم يعد هناك وجود للإبداع في وقتنا الحالي «ما نسمعه عادي جدا بل أقل من عادي، ولم يعد يوجد عباقرة في الفن ولا أصوات جديدة وكاملة.. كلها أصوات مضحكة»، ويضيف: «الفن ليس مزاجا فقط، وإليها هناك الذكاء والخبرة والنشاط، ولكن إذا لم يتوفر المزاج لا يعود الفنان فنانا، إلى ذلك مطلوب من الفنان أن يكون شعبيا، وأن يعيش بين الناس وألا يتكبر عليهم».

وينفي بركات وجود وقت محدد للإبداع: «لا أعرف متى تحضر الجملة الموسيقية، ولكن أجمل ألحاني أنجزتها وأنا على البحر، حتى الألحان (المعقدة فكت عقدها)»، أثناء ممارستي لهواية صيد السمك. فجأة تحضر الجملة، فأترك الصنارة على الصخرة، وأعود راكضا إلى البيت، وسرعان ما يصبح اللحن جاهزا.

الملحن سمير صفير يعتبر أن المبدع هو شخص مزاجي أكثر من غيره، اللهم إذا كان مبدعا حقيقيا، وخاصة في زماننا الحالي، حيث يوجد من كل شيء «في هذه الأيام تسود موضة التزوير، فهناك مبدع حقيقي، نصف مبدع.. (مبدع تجليط ومبدع تفنيص)». ولكن ليس كل الفنانين أشخاصا مبدعين، والمغنون الذين لا يلحنون أعمالهم ليسوا بمبدعين، لأنهم ليسوا خلاقين، بل أصحاب أصوات جميلة فقط. المبدع هو الشخص الذي يستعمل خياله وفكره، ويشعر أنه بحاجة للهروب من الواقع إلى مكان جديد، وليس المطرب الذي يفقد القدرة على الغناء على المسرح، لأن «مزاجه تعكّر» بسبب خلافه مع صديقته.

الفنان ميشال الفترياديس، لا يرى أن هناك تلازما بين المزاجية والإبداع «صحيح أن هناك عددا كبيرا من الفنانين المزاجيين، ولكن المزاجية ليست حكرا عليهم، وفي المهن الأخرى، التي لا علاقة لها بالفن، يضطر الناس إلى قمع مزاجيتهم، لأنها تؤثر على أعمالهم، بينما الناس يتقبلون مزاجية الفنان».

ويؤكد الفترياديس أنه شخص مزاجي جدا: «أعرف أنها مسألة سلبية جدا، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقاتي مع الناس، لأنهم يفسرون مزاجيتي على أنها غرور و(شوفة الحال)، وإن كنت لا أنكر أنها تساعدني على التخلص من بعض الناس بسهولة، إذ يكفي أن (أقلب وجهي) عندما يزورني شخص ممل ومزعج، لكي يرحل بعد ثلاث دقائق فقط».

الفنانة ميشلين خليفة، لا تنكر مزاجيتها، الصفة التي تميز الفنانين الحقيقيين، كما تقول: «يوجد في داخلي ثورة، غضب، فرح، حزن ونشوة.. أليست هذه مزاجية؟! المزاجية صفة جميلة وليست مؤذية، بما أنها صفة المبدعين، وأنا أستطيع أن أخفي كل المكنونات الموجودة في داخلي، من حزن وألم ووجع، بقناع أرتديه عندما أكون أمام الناس كي يروني مبتسمة دائما، ولكن عندما أقف على المسرح تسقط كل الأقنعة».

الممثلة باميلا الكيك، نفضت عن نفسها تهمة المزاجية «هي صفة قبيحة في الإنسان، وتعني لانتقال بسرعة من حال إلى حال، وأنا أرفض أن أكون كذلك. لا أعرف لماذا يتباهى الفنانون بكونهم أشخاصا مزاجيين، ربما لأنهم لا يعرفون معناها الحقيقي، ولكني لست مثلهم أبدا».

المخرجة ليلى كنعان ترى أن المزاجية هي سمة من سمات المبدعين «عندما أتحمس لأغنية معينة وتكون على مزاجي، يمكن أن (أكسّر الدنيا)، وأعطيها كل ما عندي، ويظهر إبداعي بشكل لافت. ومزاجيتي تتدخل حتى في اختياري للفنانين الذي أتعامل معم، فهناك فنانون أحبهم وأشعر أننا على (موجة واحدة) وآخرون لا يعجبني (رأسهم)، ولا يمكن أن أعمل معهم على الإطلاق، لأن الأفكار تهرب من رأسي، ولا أبالغ إذا قلت إن عدد الفنانين الذين رفضت التعامل معم يفوق عدد الشعر في رأسي».

كما ترى كنعان أن المزاجية هي نوع من الجنون «كلنا مجانين بنسب متفاوتة».

الفنان مروان خوري يرى أن التركيبة الشخصية للشخص المبدع ليست متوازنة: «هو ليس شخصا طبيعيا، بل إن الأمور تتضارب في داخله، والإبداع هو الذي يجعله يحقق توازنه النفسي، لأنه يملك موهبة التعبير عن الأشياء. أي أنها المتنفس لاضطراباته الداخلية. المبدع ليس صاحب شخصية ثابتة، بل هو يتميز بطبع حاد وغريب يتراوح بين المرح والعصبية، ولذلك يتهم بالجنون».

وهل يرى خوري أن هذه المواصفات تنطبق عليه؟ يجيب: «لا أعرف ما إذا كنت مبدعا! على الرغم من أنني إنسان هادئ جدا، لكن الأشياء تغلي في داخلي، وهذا لا يعني أنني أعاني من مشكلات نفسية، مع أنني أعتقد أن أي إنسان لديه البعض منها في لاوعيه، ولكني لا أستطيع أن أقول إنه يمكنني أن أكون موظفا ومحكوما بدوام، أن أتزوج بطريقة كلاسيكية وأن أنجب وأصبح أبا وأن أحب بالطريقة نفسها التي يحب بها أي شاب عادي، لأن تركيبتي النفسية ليست كلاسيكية، وربما هذا هو السبب الذي حال دون ارتباطي حتى اليوم».

وعن الانعكاسات السلبية والإيجابية التي تتركها مزاجيته على فنه، يقول خوري: «السلبيات تنعكس على حياتي الخاصة وليس على فني. المزاجية تأتي من إحساسي الدائم بالملل، إذ بمجرد أن أنجز عملا وأفرح به، سرعان ما يتسلل إلى الملل من جديد. كما أن الإحساس بالحنين والقلق صفتان تلازمانني دائما، فالقلق يرافقني دائما، ربما لأسباب نفسية، وهو ينعكس على عملي، على الرغم من أنني محترف وأقدم الأفضل لكي أشعر بالأمان، ولكنني لا يمكنني أن أرتاح لفترة طويلة، وبمجرد أن أنجز عملا أبحث عن آخر يليه، لكي أشعر أنني ممتلئ من الداخل».

ولأن المزاجية تخذل أحيانا أصحابها، يوضح خوري: «إذا تحدثت كمغنّ، لم يعد الغناء يرتكز على النواحي الفنية فقط، بل هناك إدارة أعمال، الاهتمام بالصورة، وتسويق للأغنية، وهذه الناحية تتأثر بمزاجي لأنني لا أكون جاهزا دائما لها، أما تلحينيا، فإنه يُطلب مني دائما أغنيات، ولكن مزاجي لا يسمح لي دائما بأن ألبي كل الطلبات، فلكي ألحن يجب أن أشعر أنني فعلا أريد ذلك.. وفي رأيي، فإن المزاجية تنفع أحيانا في الفن، لأنها تبعد الروتين والتكرار عن الإنتاج الفني».

في المقابل، يفرّق خوري بين مزاجية المبدع ومزاجية النجم: «النجم يعتبر نفسه مدللا ويجب على الناس تقبله في كل تصرفاته لأنه يعتبر نفسه على حق، لمجرد كونه نجما، بل هناك نجوم يمارسون مزاجيتهم لكي يثبتوا نجوميتهم، وهذا الأمر أعرفه جيدا ولمسته من خلال تعاملي معهم، كما أنني عندما كنت موسيقيا، كنت أرى المغنين يمارسون عصبيتهم على أعضاء الفرقة الموسيقية. الإبداع الذي تحدثت عنه مختلف تماما، وهو جزء من التركيبة السيكولوجية للشخص المبدع، بينما مزاجية النجوم مصطنعة ومكتسبة من الجمهور».