عمرو سلامة لـ«الشرق الأوسط»: فيلم «أسماء» كسر حاجز خوف المجتمع من مرضى الإيدز

المخرج المصري أهاب بالفنانين أن يدافعوا عن حرية الفن في مواجهة مزاعم الإسلاميين

المخرج المصري عمرو سلامة («الشرق الأوسط»)
TT

«فيلم أسماء كما هو عن بطلة مريضة بالإيدز، هو عن مجتمع يعاني من أمراض الخوف»، هكذا يلخص عمرو سلامة، مخرج فيلم «أسماء»، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بالقاهرة نظرته لفيلمه الجديد الذي يتناول قضية شائكة في المجتمع العربي، بطلته متعايشة مع فيروس الإيدز لكن مشكلتها الأساسية مع المجتمع وليس مع المرض.

طيلة أحداث الفيلم ظلت شخصية البطلة أسماء، التي جسدتها الفنانة التونسية هند صبري متماسكة وقوية، وهو ما يقول عنه سلامة إنه رسالة تقول «إن هناك مرضى عندهم إرادة وعزيمة وآمال وإصرار على الحياة أفضل من الكثير من الأصحاء».

وشهد فيلم «أسماء» ظهور شخصيات مصابة بالإيدز دون تعريفهم، برر سلامة ذلك بالقول: «إنها خطوة تهدف لإظهار أن مرضى الإيدز ناس عاديون يشبهون بقية الناس»، وقال: «من الممكن أن يكون واحد منهم يمر بجوارك في الشارع لكنك لا تعرفه».

وعلى الرغم من أن فيلم «أسماء» فاز في مهرجان أبوظبي، بجائزة أفضل مخرج عربي لسلامة نفسه، وأفضل ممثل لبطله ماجد الكدواني، فإن سلامة يعتقد أن الأهم بالنسبة له هو الجمهور وليس جوائز المهرجانات، معتبرا أن ما يبقى في التاريخ هو انطباع الناس عن الفيلم وكيف تجاوب معه ومدى استعداده لمشاهدته مجددا.

وحول تخوفه من تأثير الصعود الإسلامي على الفن في مصر، قال سلامة إن الأمر يتوقف على مدى استعداد الفنانين في المصر للتمسك بحرية الرأي والتعبير وحرية الفن، متمنيا أن لا يستسلم الفنانون في معركة حرية الفن، وفيما يلي نص الحوار:

* فيلم «أسماء» تم الإعداد له عبر 5 سنوات، ما أبرز المشكلات التي واجهتك خلال تلك المدة؟

- بالتأكيد أكثر ما عطل الفيلم هو السيناريو، الذي يجب أن يكون قريبا جدا للحقيقة ويحاكي قصة واقعية، فهذه النوعية الشائكة من الأفلام تأخذ فترة طويلة في إعدادها، إضافة إلى الإنتاج لأن الفيلم من النوعية التي من الصعب أن يتحمس لها أي منتج، وأخيرا مواعيد فريق العمل.

* هل من وجهة نظرك لا يزال الإنتاج في مصر يحجم عن تمويل الأفلام ذات المواضيع الشائكة؟

- أنا لا أتفق مع وجهة النظر تلك، فالإنتاج المصري أصبح أكثر وعيا، وفي الفترة الماضية ظهرت أفلام جيدة، وكان هناك أفلام تتناول قضايا اجتماعية ومواضيع شائكة، ومن ثم، أنا لا أرى الإنتاج في مصر بعيدا عن ذلك.

* في مجتمع يتعامل مع مريض الإيدز على أنه مخطئ مقدما.. ألم تخشَ من رفض الناس لبطلة مريضة بالإيدز؟

- كان ذلك مصدر قلق كبير لي، وهل سيتقبل الجمهور الفيلم أم سيحجم عنه، كان عندي دائما قلق من الجمهور.

* البعض يرى أن فيلم «أسماء» ليس فقط فيلما عن مرض الإيدز، بل عن أمراض المجتمع.

- أنا أعتبر ذلك إحدى رسائل الفيلم، وذُكر في آخر الفيلم على لسان البطلة: «مش كل الناس عندها مرض الإيدز، بس كل الناس بتخاف من المجتمع، وخايفة من مواجهة المجتمع»، فكل الناس عندها مرض الخوف عموما، والفيلم كما هو عن بطلة مريضة بالإيدز، هو عن مجتمع يعاني من أمراض الخوف.

* بطلة الفيلم ظهرت قوية تتحدى الجميع بلا خوف أو انكسار.. ما رسالتك من ذلك؟

- كان المقصود أن تكون شخصية مكافحة وذات هدف تقاتل وتعيش من أجله، وهي وابنتها ومن قبلها زوجها، الرسالة كانت باختصار أن هناك مرضى عندهم إرادة وعزيمة وآمال وأحلام يعيشون من أجلها، وإصرار على الحياة، وربما لذلك تكاد تكون أفضل من الكثير من الأصحاء.

* على ذكر بطلة الفيلم.. لماذا اخترت هند صبري؟

- بالمناسبة، هي أيضا سألتني عن سبب اختياري لها حين تناقشنا لأول مرة، وأنا أخبرتها أن السبب هو أنها أكثر فنانة ملامحها مصرية على الرغم من أنها غير مصرية، ولأنها تحمل الكثير من التحدي والشجاعة في شخصيتها أراها في عينيها.

* إلى أي مدى كان هناك استفادة من التعامل مع المتعايشين مع الإيدز؟

- لا يوجد حدث واحد في الفيلم غير مبني على قصة حقيقية أو حدث حقيقي باستثناء ظهور البطلة في برنامج تلفزيوني، وهو ما رفضته البطلة الحقيقية، فالاستماع لهم جعل الفيلم أكثر واقعية، نظمنا معهم جلسات عمل كثيرة، سمعنا منهم قصصا مختلفة ومتنوعة، وتمت محاكاة مشكلاتهم وصراعهم مع المجتمع، وكل الممثلين الذين شخصوا أدوارا لمرضى متعايشين بالمرض خاضوا نقاشات كثيرة مع المرضى الحقيقيين، وتبنوا قصصهم خلال الفيلم، وذلك لإكساب الفيلم واقعية أكثر.

* ما الرسالة التي تود إرسالها عبر ظهور بعض المرضى الحقيقيين المصابين بالإيدز؟

- رسالتي من خلال ذلك هو إظهار أن المشاهد يرى مرضى للإيدز على الشاشة ولم يتعرف عليهم ببساطة، لأنهم أناس عاديون يشبهون بقية الناس، ومن الممكن أن يكون واحدا منهم يمر بجوارك في الشارع لكنك لا تعرفه.

* هل كان هناك صعوبة في إقناعهم بالظهور؟

- لم يكن هناك صعوبة في إقناعهم، لم يعترضوا لأنهم عرفوا أن الضوء لن يكون مسلطا عليهم.

* من خلال تعاملك مع مرضى الإيدز، هل هم راضون عن تجسيد الفيلم لقضيتهم؟

- أعتقد أن هذا أكثر شيء نجح فيه الفيلم، هو أن يكون صوتا للمرضى بالإيدز، وخلال عروض للفيلم في مهرجانات خارج مصر، قام اثنان من الحضور وقالا إنهما مريضان بالإيدز، وقاما بالبكاء، بسبب أن الفيلم يعبر عنهما وعن مشكلاتها في التعامل مع المجتمع.. وهو ما أسعدني كثيرا.

* تعليقك على اتهام البعض لفيلم «أسماء» بأنه يحمل الكثير من الكآبة والميلودراما؟

- أعتقد أن من يقول ذلك لم ير الفيلم، معظم الناس أخذت هذا الانطباع بسبب موضوع الفيلم، من دون أن يشاهدوه، وكثيرون ممن شاهدوا الفيلم أخبروني أن الفيلم ليس كئيبا بهذه الدرجة، بل به جزء كبير من الأمل، وأتمنى أن لا تكون تلك نظرة الناس عن الفيلم دون مشاهدته.

* هل ترى أن توقيت عرض الفيلم كان مناسبا؟

- كنت أتوقع أن يكون الإقبال أفضل، لكنه نزل في فترة عامة الناس لا تقبل فيها على السينما بشكل كبير، بجانب إحباط الناس عامة من أحداث العنف الجارية في مصر، فالمشكلة أن الناس عندهم حالة اكتئاب عامة، وأعتقد أنه (الفيلم) لو عُرض في وقت أفضل كان محتملا أن يكون الإقبال عليه أكبر.

* إلى أي مدى تبقى تجربة التأليف والإخراج صعبة؟

- الموضوع صعب للغاية، لأنه يستهلك وقتا ومجهودا أكبر بكثير، وأيضا على المستويين النفسي والعصبي.. لكن من المفيد جدا أن يحصل أي شخص على مقابل مادي مرتين، مرة كمخرج ومرة كمؤلف، وهو ما يمثل الاستفادة الوحيدة.

* لماذا اخترت أن تخرج الجزء السياسي في فيلم «التحرير»؟

- أنا مهتم بموضوع حسني مبارك وبشخصية الديكتاتور عامة منذ وقت طويل، وكتبت عن شخصية الديكتاتور من قبل الثورة، وكنت مهتما أن أعمل عليها، ومن خلال نشاطي السياسي قبل الثورة مع مجموعة الدكتور البرادعي أصبح اهتمامي أكثر، وبالطبع خلال الثورة، لذا انجذبت أكثر لذلك الجانب في الفيلم وأنا أسجل شهادات عن شخصية الحاكم الديكتاتور.

* ما تقييمك لتجربة عرض الأفلام الوثائقية تجاريا؟

- التجربة في بدايتها تماما، وأعتقد أنها نجحت نسبيا، لكن فكرة عرض الأفلام الوثائقية تجاريا تحتاج لثقافة مجتمعية في المقام الأول، لا يمكن أن نغيرها نحن كمخرجين أو عاملين في السينما، فهي تحتاج إلى ثقافة خاصة وإلى إصلاح منظومة كاملة من إعلام وتعليم، وهو إصلاح أتمنى أن يحفز المشاهد ليذهب إلى السينما ليشاهد فيلما وثائقيا.

* كيف استفدت من تجربة الأفلام القصيرة في بداية مشوارك؟

- ركزت على الأفلام القصيرة حتى تكون دروسا أو بروفة لي في الأفلام الطويلة، وكان اهتمامي أن تكون أفلامي القصيرة صالحة لأن يشاهدها كل الناس، والتجربة علمتني أشياء كثيرة عن المتفرج وعن المواضيع الصالحة للعرض وغيرها من عناصر السينما، بالإضافة إلى أنها عوضتني عن الدراسة الأكاديمية التي لم أدرسها.

* في رأيك، ما الفارق في السينما المصرية قبل وبعد ثورة 25 يناير؟

- الفارق أن المشاهد سيقبل بشكل أكبر على الأفلام السياسية.

* هل تخطط لمعالجة ثورة 25 يناير من خلال فيلم روائي؟

- حاليا لا أخطط لذلك، أعتقد أني أحتاج عامين أو ثلاثة لهضم الثورة وتشكيل وجهة نظر شاملة عنها، لذلك مشاريع الثورة أتركها للمستقبل لنرى ما الذي سيحدث.

* إذن أنت لست مع مدرسة تأريخ الأحداث فور حدوثها؟

- بالعكس أنا معها، لذا أنا عملت الفيلم السياسي التسجيلي، هناك فرق بين التأريخ والتوثيق ووجهة النظر، ففيلمي السياسي كان وجهة نظر؛ ليست عن الثورة، ولكن عن حسني مبارك، وهي وجهة نظر كونتها منذ فترة طويلة، وفيها جزء من التوثيق عن الثورة، ولكن لعمل فيلم مبني بشكل كامل على وجهة نظر لا بد من الانتظار قليلا.

* إلى أي مدى تخشى على الفن في مصر من الصعود السياسي للتيارات الإسلامية؟

- قلق طبعا، وأكذب لو قلت غير ذلك.. لكن لديهم الآن خياران، خيار أن يحاربونا ويضيقوا على أعمالنا، وخيار أن يثبتوا أن مخاوفنا غير مبررة، لكن وجهة نظري أن الحكم على ذلك الموضوع لا يزال مبكرا، وبالنسبة لي لا أركز على هذا الموضوع حتى يحدث شيء يجبرنا على الصدام مع هذا الفكر.

* في رأيك، هل هم قادرون على فرض آرائهم على الفن المصري؟

- هذا يتوقف على مدى استعداد الفنانين في المصر للتمسك بحرية الرأي والتعبير وحرية الفن، وما أتمناه أن لا يستسلموا في معركة حرية الفن، لأنهم إذا انصاعوا لأفكارهم، سيفعل الإسلاميون ما يريدون.

* ماذا حمل لك فوز الفيلم بجائزة التمثيل والإخراج في مهرجان أبوظبي ومهرجان وهران؟

- لا شك أن المهرجانات دائما تعتبر دليل نجاح لأي فيلم ولأي فنان، لكن دون أي دبلوماسية: بالنسبة لي الجمهور هو الأهم، لأننا لا نقوم بالفيلم من أجل عشرة أشخاص، ولكن من أجل الجمهور، وهو الذي يحكم على أي فيلم بشكل واقعي، وما يبقى في التاريخ هو انطباع الناس عن الفيلم وكيف تجاوبوا معه ومدى استعدادهم لمشاهدته مجددا.