أحمد عيد.. وخفوت في الإحساس الكوميدي

«حظ سعيد»: بعد 30 عاما.. مبارك لا يزال في المحكمة

بوستر فيلم «حظ سعيد»
TT

كان أحمد عيد واحدا من شباب الفنانين الذين شاركوا في الثورة المصرية منذ الأيام الأولى، ولهذا فإن تقديمه لفيلم يتناول الثورة لا يمكن اعتباره، مثل عدد من النجوم، مجرد قفز إلى صفوف الثوار؛ لكنه موقف اتخذه مبكرا، وكان من الممكن لو لم تنجح الثورة أن يدفع الثمن.

أصبحت الثورة المصرية أحد أهم المفردات التي يلعب عليها السينمائيون من أجل أن يصبحوا هم والجمهور على موجة واحدة.. دائما ما يتحرك السينمائي وفق الرهان على ما يريده الناس أو ما يعتقد أن الناس يريدونه.

تتابعت الأفلام روائية وتسجيلية وهي تحاول أن تقتنص شيئا من الثورة.. في العام الماضي مثلا شاهدنا «صرخة نملة»، «الفاجومي»، «سامي أكسيد الكربون» وغيرها.. الكل يحاول أن يحصل على قضمة من الثورة ليقدم فيلما لديه هذه النكهة الثورية، والأفلام السابقة تم تدعيمها بمشاهد عن الثورة لأنها كانت معدة من قبل؛ لكن من الممكن اعتبار أن فيلمي «حظ سعيد» بطولة أحمد عيد وسبقه «تك تك بوم» بطولة محمد سعد هما أول فيلمين روائيين كتبا ونفذا مباشرة بعد الثورة.. الأفلام التي سبقتهما كانت تتم فيها إضافة مشهد عن الثورة أو تغيير جملة حوار أو اللعب بإفيه يحفظه الناس عن الثورة.. ففيلم محمد سعد، وهو بالمناسبة كتب أيضا السيناريو والحوار، قدم شيئا لا يمكن أن تحدد اتجاهه السياسي، فهو يريد إرضاء كل الأطراف والأطياف بما فيها وزارة الداخلية.. لم يسفر الفيلم عن شيء، وأشك كثيرا في أننا من الممكن أن نتذكره، فهو واحد من الأعمال الفنية التي تصنع لتسقط مباشرة في دائرة النسيان.

وجاءت محاولة أحمد عيد في فيلمه «حظ سعيد» أكثر إيمانا وانحيازا للثورة؛ إلا أنه ومع الأسف يعاني من الفقر الشديد إلى حدود الهزال في الإحساس السينمائي البصري والفكري.. السيناريو كتبه أشرف توفيق في أول تجربة له، وقدمه المخرج طارق عبد المعطي في ثاني أفلامه الروائية بعد فيلمه «عجميستا» الذي أخرجه قبل نحو ثلاث سنوات. استند الفيلم في بنائه الدرامي إلى التوثيق حيث يتحرك من خلال خطين يتوازيان بين أحداث الثورة وحياة البطل «سعيد».. إنه واحد من الباعة الجائلين يعمل في حي العمرانية بالقرب من الهرم، يبيع بعض التحف المقلدة للسياح، ومنذ البداية في المشهد الأول يصطدم مع أحد المخبرين الذي أدى دوره ضياء المرغني الذي يساومه على ما في جيبه ليتركه يلتقط رزقه.

الفيلم يمزج بين «مبارك» في عدد من خطاباته التي يؤكد فيها أنه يقف دائما إلى جانب المواطن المصري، وفي الوقت نفسه نرى ضابط الشرطة والمخبر وهما يتلذذان بضرب المواطن أحمد عيد على قفاه، كلما أتيحت لهما الفرصة، وهو بطبعه لا يملك سوى أن يصمت أمام كل هذا الظلم، وهكذا كان صوت مبارك وهو يطمئن المواطن يتم الرد عليه بصفعات تنهال على هذا المواطن.. الخط الثاني الموازي هو بدايات الثورة التي انطلقت من ميدان التحرير يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011.. حيث يقدم المخرج لمحة توثيقية، ويعقبها بحكاية «سعيد» التي هي حكاية ملايين من الشباب في مصر، فهو يبحث عن وسيلة لكي يتزوج ممن أحبها، ويعيش مع عائلته وشقيقه الكبير المتزوج في الشقة نفسها، بينما أخته طالبة في كلية الحقوق لديها وعي سياسي.. هو لا يدرك أي شيء سوى أن عليه حل كل مشكلاته وبأي وسيلة، حتى ميدان التحرير يصبح بالنسبة له وسيلة تحقيق أي مكاسب مادية ببيع الكتب السياسية التي تتناول الماركسية والرأسمالية والعلمانية، وفي الوقت نفسه لم ينس الفيلم أن يفضح الثورة المضادة التي اتخذت ميدان مصطفى محمود مسرحا لها، وكان يتم تجنيد العناصر التي من الممكن شراؤها من أمثال عائلة أحمد عيد في الفيلم، فهم يبحثون عمن يحل مشاكلهم الآنية التي تتمثل في أن يمنحهم الأثرياء بقايا ما يحصلون عليه. كان «سعيد» قبل الثورة قد منحت له المحافظة عن طريق القرعة شقة، ومن هنا أطلق على الفيلم اسم «حظ سعيد».. الفيلم يقدم لنا معاناته في الحصول على هذه الشقة، وقبلها نراه وهو يتقدم للمسؤولين للحصول على علاج على نفقة الدولة من أجل أمه التي تعاني من عشرات الأمراض؛ لكنه يحبط في الحالتين، ويرى كيف أن كل شيء يذهب لمن يملكون الأموال والنفوذ، وهو لا يقاوم الفساد ودائما مستعد لكي يعمل لحساب من يدفع له، فهو لا يملك شيئا آخر.

الخط التوثيقي في بناء السيناريو يتابع خطابات مبارك التي واكبت الثورة والحسابات الخاطئة التي كانت دائما ما يصدرها الرئيس السابق للناس، وكان يبدو أن بينه وبين آمال الناس فروقا شاسعة في التوقيت.. ولم ينس المخرج دائما أن يظل ميدان التحرير شاهد إثبات حيا على كل ما نراه أمامنا من محاولات إجهاض الثورة، كما أن القنوات الفضائية لعبت دورا محوريا. ولم ينس المخرج والكاتب أن يستثمرا الحوار الشهير الذي أجراه طلعت زكريا وهو يدعو الشباب للعودة إلى منازلهم، مؤكدا أن ميدان التحرير يشهد علاقات جنسية كاملة، وهذه الحالة بالطبع من الحالات النادرة التي نرى فيها فنانا يفضح ومع سبق الإصرار زميلا له، وكان ينبغي حتى لا يعتقد البعض أن الأمر شخصي أن يمزج أيضا العديد من المواقف المماثلة التي شاهدناها من مؤيدي مبارك في ميدان مصطفى محمود، وكان بينهم عدد من النجوم الذين تحولوا إلى أبواق تلعب لصالح مبارك حتى النفس الأخير.

الحيرة التي يعيشها أحمد عيد هي أنه لا يدري إلى أي فصيل يتقدم، هل إلى الشيوعيين أم الإسلاميين أم العلمانيين؟ ويلتقي مع كل منهم، على الرغم من أن الكاتب لا يستوثق من التعريفات الصحيحة لأغلب التوجهات السياسية، وهو ما يمكن اعتباره عدم دراية ممن يتشدقون بهذه الكلمات بينما هم لا يدركون معناها.

أحمد عيد الذي نراه في مشاهد سابقة قبل الثورة يعمل لحساب رجل الأعمال الفاسد من أجل أن يحصل على شقة؛ يستيقظ ضميره الوطني وهو يرى شقيقته، التي أدت دورها الوجه الجديد غرام، وهي تنضم للثوار، بينما خطيبته مي كساب لا يعنيها سوى أن تحصل على شقة وثمن العفش، ولهذا ينضم «عيد» وشقيقه وخطيبته إلى جبهة أعداء الثورة ويخطب في الناس مؤيدا لمبارك معددا ما فعله للمصريين، كل ذلك لأنه حصل على الثمن.

يلتقط الكاتب ما يجري في الشارع المصري الآن، حيث يشعر الناس بأن مبارك يحظى بحماية من السلطة الحاكمة. وهكذا تنتقل الأحداث إلى عام 2042، أي بعد ثلاثين عاما، لنرى أن التلفزيون الرسمي لا يزال يعرض مشاهد لمبارك وهو يتحرك على سريره الطبي، بينما المحكمة تؤجل القضية إلى جلسة قادمة، ويقدم السيناريو صورا لأبنائه الثلاثة الذين صار أحدهم سلفيا والآخر إخوانجيا والثالث ليبراليا، واختار أسماء لها الآن دلالة مثل «بكار» المتحدث الرسمي للسلفيين و«حمزاوي» ليعطي دلالة على أن ابنا من الثلاثة قد توجه بعيدا عن سيطرة التيار الإسلامي، وينتهي الفيلم بأغنية تتحدث عن مواصفات الرئيس القادم ولا أدري ما هو موقعها من الإعراب الدرامي، حيث إن الأغنية سمعها الناس وهم في طريقهم لمغادرة دار العرض.

كل شيء تجده في هذا الفيلم ينقصه العمق، أنت ترى فقط السطح، حتى أداء الشخصيات في الفيلم هو أداء أقرب للحالة الميكانيكية.. النكتة والإفيه الدرامي يسيطران على الكاتب، فهو لا يترك موقفا يمر من دون أن يبحث عن أسلوب استثماره في محاولة للعثور على ضحكة، كل شيء لديه يبدو أنه يريد أن يحيله إلى مجرد قفشة يرددها الأبطال.. كما أن أحمد عيد يشعرني في العديد من مشاهد الفيلم وكأنه يقف على خشبة المسرح ويقدم شيئا أقرب إلى «ستاند أب كوميدي» ليلقي بنكتة ارتجالية على الجمهور؛ لكن لا يعنيه إحساس الأداء المهم أن تصل النكتة لمستحقيها.

لا شيء من الممكن أن يشعر به الناس لمجرد أن تلجأ إلى التركيب الدرامي، بين ما نراه أمامنا وبين حكاية الثورة التي أراد صناع الفيلم أن يواكبوا بها هذا الحدث الاستثنائي في حياة مصر.. وبالفيلم قدر من التعسف في السرد الدرامي، ومن الوجوه الجديدة في الفيلم أتوقف أمام «غرام» فهي صاحبة وجه مريح؛ لكن بالطبع اختفى تماما المخرج القادر على التوجيه.

أحمد عيد واحد من النجوم الذين لا يزالون يحرصون على الوجود داخل الخريطة، فهو تُصنع له أفلام محدودة في العادة في ميزانيتها فتضمن له أن يواصل المشوار من فيلم إلى آخر، لأن المغامرة محسوبة إنتاجيا؛ لكن يتباين مستوى «عيد».. مثلا في فيلمه «ليلة سقوط بغداد» مع توافر مخرج وكاتب، محمد أمين، قدم فيلما متميزا حتى لو شابه بعض الغلظة في التعبير؛ لكن هذه المرة لم نجد الكاتب أو المخرج، كما أنه في فيلمه «سقوط بغداد» كان يحمل انتقادا لنظام كان قائما وشاهدنا قدرا من الجرأة والبطولة.. هذه المرة مع «حظ سعيد» انتقد نظاما بائدا فلم تعد هناك بطولة.. خفت تماما في الفيلم الإحساس السينمائي كما خفت وبهت وجود أحمد عيد!