رحيل خالد تاجا.. رجل الأدوار المركبة

كتب على قبره: «مسيرتي حلم من الجنون.. كومضة شهاب.. زرع النور بقلب من رآها.. لحظة ثم مضت»

خالد تاجا
TT

فقدت الساحة الفنية العربية أول من أمس، الفنان السوري خالد تاجا، عن 72 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، حيث تعرض الراحل لأزمة صدرية حادة أصابت رئتيه منذ أسبوعين، مما استدعى نقله بشكل طارئ إلى مستشفى «الشامي» في دمشق.

وكان خبر وفاة الفنان الراحل قد انتشر على سبيل الشائعة نهاية الشهر الماضي، وتناقلته معظم وسائل الإعلام العربية قبل أن يتم التثبت من صحته، مما أثار الكثير من الغضب في أوساط عائلته وأصدقائه، وذلك بالتزامن مع تناقل أخبار تفيد بأن الفنان الراحل مريض بسرطان الرئة، الأمر الذي نفته عائلته في حينها أمام وسائل الإعلام، إلا أن الكثير من الفنانين المقربين من الراحل أكدوا ذلك.

ثم سرت شائعة أخرى في مطلع أبريل (نيسان) الحالي تفيد بنقل تاجا إلى الأردن لتلقي العلاج في «مركز الحسين الطبي»، كما نقلت وسائل إعلامية نبأ وصوله إلى الأردن واستقبال حافل جرى له هناك، إلا أن هذا الخبر تبين عدم صحته في ما بعد.

وكانت معالم المرض بدأت بالظهور على الفنان الراحل مطلع العام الحالي، مما اضطره للاعتذار عن تصوير مسلسل «سيت كاز» مع المخرج زهير قنوع، وكان سبب الاعتذار برودة الطقس في موقع تصوير المسلسل بجنوب سوريا، مما تسبب له في وعكة. وابتعد تاجا عن العمل الفني مدة اثني عشر عاما لظروف صحية خاصة، وعند عودته للعمل قدم أكثر من 100 مسلسل تلفزيوني بعد أن كان رافضا للعمل في التلفزيون الذي كان ناشئا قبل عودته للعمل ممثلا، ومن أعماله التلفزيونية: «آخر أيام التوت»، «دنيا»، «ليس سرابا»، «نساء بلا أجنحة»، «يوميات مدير عام»، «إخوة التراب»، «تمر حنة»، «الدغري»، «غزلان في غابة الذئاب»، «قاع المدينة»، «التغريبة الفلسطينية»، «أيام شامية»، «الفصول الأربعة»، «الزير سالم»، «بقعة ضوء»، «الحصرم الشامي»، «أهل الراية»، «حاجز الصمت»، «زمن العار»، «عش الدبور»، «أبو جانتي ملك التاكسي»، «الزعيم».

وقبل دخوله المستشفى كان تاجا أحد المشاركين في مسلسل «الأميمي» مع المخرج تامر إسحق إضافة إلى ارتباطه بالجزء الثاني من «أبو جانتي ملك التاكسي» و«سيت كاز». وبحسب وكالة «سانا»، فتاجا كتب على قبره: «مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب، زرع النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت» الذي حضره لنفسه تاركا تاريخ الوفاة شاغرا ليملأ بتاريخ الرابع من أبريل 2012.

والراحل خالد تاجا انطلق كأبناء جيله في خمسينات وستينات القرن الماضي من المسرح ليستقر في التلفزيون مع نشاط لا بأس به في السينما، وذلك بما ينسجم مع حركة الأفلام السينمائية في سوريا، حيث ينحصر الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما. وحسب العديد من المهتمين والمتابعين لمسيرته الفنية، فإنهم يعتبرونه فنانا شاملا باتجاهين، فهو يجيد تأدية جميع الأدوار الصعبة والمركبة وكذلك العادية، فقد نجح في تقديم الشخصيات الكوميدية والاجتماعية المعاصرة في مسلسلات كثيرة، كان فيها الرجل القوي والأب القاسي والمسؤول الكبير الذي رغم نظافة يده، فإن عاطفة الأبوة تتغلب على شخصيته العملية ليفسد ابنه عليه المسؤولية والحياة، كما شاهده المتفرج العربي في آخر مسلسل له وهو «غزلان في غابة الذئاب»، كما لا يزال المشاهد يتذكره في يوميات مدير عام، حيث الدور الكوميدي الساخر، وفي مسلسلات أخرى أدى بإتقان إلى حد الدهشة الكوميديا السوداء.. إنه فنان سوريا الشامل خالد تاجا.

وعلى الرغم من أنه يعشق تقديم الأدوار السوداوية، فإنه يحب الأعمال الكوميدية، ولكن «الكوميدية السوداء» كما هي حال دوره في مسلسل «أيام الولدنة» الذي كان اسمه أثناء تصويره «بين الأرض والسماء»، ولكن بسبب خلاف بين المخرج مأمون البني من جهة، والكاتب حكم البابا والجهة المنتجة من جانب آخر، تم تغيير الاسم مع إجراء «عمليات قيصرية» له، فجاء مشوها، ولذلك لم يرض عنه تاجا بعد عرضه على بعض الفضائيات العربية.

وكما أجاد تاجا في الأدوار الكوميدية والاجتماعية، أجاد في تقديم الشخصيات التاريخية، حتى إن الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش عندما شاهده يؤدي دوره في مسلسل «الزير سالم» لقب خالد تاجا بـ«أنطوني كوين العرب» وعندما سئل عن رأيه في هذا اللقب وهل أعجبه، قال: «هذا شرف كبير أن أحمل تشبيها بأنطوني كوين على الرغم من أن أنطوني كوين لا يشبهه أحد، وأنا لا أحد يشبهني، فكل واحد له عالمه».

وما زال المشاهد العربي أيضا يتذكر عشرات الأدوار التاريخية التي قدمها تاجا وكان آخرها دوره المميز في «ملوك الطوائف»، حيث قدم شخصية مبتكرة كشبيه للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

وكذلك في رصيد تاجا أدوار تاريخية تعود للعصر الحديث تفوق في أدائها ونالت إعجاب الكثيرين، خاصة دوره في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»، الذي تحدث عنه المتابعون بأنه جسد فيه تاريخ القضية الفلسطينية، وكذلك دوره في مسلسل «إخوة التراب» و«نهاية رجل شجاع» و«أيام الغضب» و«هجرة القلوب إلى القلوب» و«شام شريف».. وغيرها الكثير. ويذكر عن الراحل أنه لا يحب «الممثل النمطي» باستثناء شارلي شابلن فهو كان لديه مشروع، وكذلك دريد لحام «غوار» فهو لديه مشروع أيضا، وهاتان الشخصيتان الفنيتان قدمتا مشاريع لشخصيات مسحوقة واستطاعتا أن تحققا إنجازات كبيرة وأشياء مهمة، وهو مؤمن بنمطيتيهما لأنهما أصحاب مشاريع فنية. وكما تألق خالد تاجا في التلفزيون، فقد تألق في السينما وقدم أكثر من عشرين فيلما سينمائيا، منها: «سائق الشاحنة» و«أيام في لندن» و«الفهد» و«اللقاء الأخير» وغيرها. وعلى صعيد المسرح، فقد انطلق منه تاجا عام 1957 مع فرقة «المسرح الحر الدمشقي» لمؤسسها توفيق العطري ومن ثم تعاقد مع المسرح العسكري لخمس سنوات ومن المسرح قدم عشرات الأعمال المسرحية منها: «مرتي قمر صناعي»، «آه من حماتي»، «حرامي عقب عنه»، «بيت للإيجار»، «حتى آخر الليل»، «الطلقة الأخيرة»، «في انتظار عبد الفتاح» وغيرها الكثير، كما ألف للمسرح نصوصا مسرحية منها «الطفر كنز لا يفنى»، «بالناقص زلمة»، وغيرها.