محمود عبد المغني نجم محتمل مع إيقاف التنفيذ

«رد فعل» بلا «رد فعل».. وكأن فيلما لم يكن

محمود عبد المغني
TT

كما تشهد الحياة السياسية في مصر تعبير رئيس محتمل، فإن الحياة الفنية صارت تطرح أيضا تعبيرا مماثلا، وهو نجم محتمل، لا يزال يبحث عن تهافت وترقب جماهيري، وأكثر فنان ينطبق عليه هذا التوصيف الآن هو محمود عبد المغني.

قبل 13 عاما شارك ثلاثة من الممثلين الجدد في فيلم «عبود ع الحدود»، دفع بهم المخرج شريف عرفة إلى عالم السينما في أدوار رئيسية تحت مظلة علاء ولي الدين، بطل الفيلم الذي كان يتحمل وقتها بمفرده مسؤولية الجذب الجماهيري.. الثلاثة هم أحمد حلمي وكريم عبد العزيز ومحمود عبد المغني، لم تمض سوى سنوات قلائل حتى وصل كل من حلمي وكريم إلى نجومية شباك التذاكر، وأصبح كل منهما قادرا بمفرده على تصدر «الأفيش» ويأتي اسمه سابقا الجميع في «التترات»، بينما ظل عبد المغني ممثلا موهوبا، ولكن دائما ما يسند إليه الدور الثاني.. البطولة بعيدة عنه رغم أن البعض كان يترقب عبد المغني في مكانة تشبه ما حققه أحمد زكي، وبالفعل تستطيع أن تجد أن عبد المغني أحد الفنانين الذين يسيرون على خطى النجم الأسمر الراحل، إلا أن النجومية تظل شيئا آخر لا تستطيع أن تعتبر أنها تساوي الإبداع لأن هناك بالفعل عشرات من النجوم تتضاءل مواهبهم، إلا أن الجمهور ينحاز إليهم ويقطع التذكرة من أجلهم.. مثلا أحمد السقا نجم له حضور طاغ ولكن عطاءه محدود في فن الأداء، ولهذا فإن أي ممثل يقف بجوار السقا في أي عمل فني يخرج منتصرا عليه فنيا بشهادة الجمهور والنقاد، لو كان هناك «ترمومتر» لفن أداء الممثل سيحظى بأقل المعدلات إلا أن الناس تقطع التذكرة من أجله.

على الجانب الآخر تماما، من الممكن أن ترى عبد المغني، فلقد شاهدته في الكثير من الأعمال سينمائيا وتلفزيونيا ودائما ما تلمح وميض الموهبة يشع في أدائه، ولكنه لم يستطع تحقيق النجومية.. كانت له محاولة قبل ثلاث سنوات في فيلم «مقلب حرامية»، حيث لعب دور البطولة وتصدر اسمه الأفيش وشربنا المقلب كان الفيلم متواضعا فنيا، وكان عبد المغني أيضا غير قادر على جذب المتفرج إلى دار العرض.. لم ينجح عبد المغني في العبور إلى الجمهور وهذه هي المحاولة الثانية التي يتصدر فيها الأفيش باعتباره النجم الجماهيري، ولكن لا يزال هناك مسافة مع الناس، والدليل أن عددا من دور العرض ألغت حفلات الفيلم بعد ثلاثة أيام فقط حيث لم يقبل الجمهور على الفيلم كان رد الفعل هو أن الفيلم بلا رد فعل جماهيري!!.

اختار عبد المغني فكرة «سيكولوجية» عن مريض بالانفصام، يموت والده وهو طفل، ويعتقد خطأ أن هناك من قتله وتتعدد جرائمه، فهو يبدأ بمطربة قديمة كانت على علاقة بوالده وبعدها تبدأ سلسلة الجرائم، وفي نفس العمارة هو تصور بسبب المرض العقلي أن هؤلاء هم قتلة والده، ولم يكن ذلك صحيحا وأبوه لم يقتل.. الفيلم كتبه إيهاب فتحي وأخرجه حسام الجوهري، ومنذ الجريمة الثانية اكتشف المتفرج بسهولة أن القاتل هو عبد المغني، الذي يؤدي دور الطبيب الشرعي الذي تصب عنده كل هذه الجرائم كما أنه صديق الضابط عمرو يوسف، الذي يروي لصديقه كل التفاصيل.

بناء السيناريو المفروض أنه قائم على التشويق، حيث إن الكل من المفترض ألا يعرف من هو الجاني، ولكن لأن الحبكة الدرامية مفتعلة فلقد اكتشف المتفرج الجاني ولهذا اضطر المخرج في النصف الثاني إلى الانتقال دراميا من المفاجأة، حيث التشويق القائم على خداع المتفرج حيث يلجأ إلى حيلة درامية مغايرة، وهي المفارقة التي تعني أن المتفرج يعرف اسم القاتل بينما الأبطال لا يعرفون.

حرص السيناريو على أن يمنح مساحة للوجه الجديد حورية فرغلي، التي تؤدي دور ابنة خالة عبد المغني، وهي طبيبة نفسية تتعاطف معه وترى أنه مريض، وليس قاتلا، رغم أنه ومن أجل الوصول إلى الذروة الدرامية كان يخطط لقتلها، فإنه في اللحظات الأخيرة يتراجع أمام استعطافها ودموعها. وتنتهي الأحداث بعد أن تم احتجاز عبد المغني في مستشفى للعلاج النفسي وهو يحتضن دمية كانت قد أهدتها له حورية فرغلي ونشاهدها وهي في زيارة له.

الفيلم لم يستطع أن يشكل أي إضافة لكل من شارك فيه، بل أتصوره على العكس خصم من أبطاله المحتملين أي نجومية محتملة.. مثلا حورية فرغلي كان هناك ترقب لها بالنجومية بعد أن قدمها المخرج خالد يوسف في فيلم «كلمني شكرا» قبل عامين، ثم شاهدناها مجددا في «كف القمر» وحققت نجاحا لافتا في رمضان الماضي في مسلسلي «الشوارع الخلفية» و«دوران شبرا»، إلا أنها هذه المرة لا شيء فلا تتذكر حتى أنها كانت في الفيلم.

المخرج قدم في العمارة نماذج شاهدنا خلالها فسادا في المجتمع مثل الصحافية، وتاجر الذهب، والطبيب، والمحامي، والممثلة الناشئة.

كاتب السيناريو أراد أن يحاكي رائعة علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان»، ولكن في «يعقوبيان» كان هناك تحليل اجتماعي واقتصادي وسياسي ونفسي للشخصيات التي نشاهدها، ولكن ما حدث في هذه العمارة مجرد تجميع لعدد من السكان ولا يوجد لدى الكاتب أو المخرج أي لمحة خاصة يضيفها للشخصيات، كما أنه يقدم فيلمه معزولا فكريا وسياسيا عما يعيشه الناس الآن في مصر، الفيلم يتناول زمنيا تلك الأيام، ولكنه في الحقيقة لا يشعرنا بأن هناك تأثيرا للزمن بل مجرد حكايات للسكان في العمارة وأغلبها لم تكتمل دراميا.

المخرج حسام الجوهري لم يستطع أن يضيف شيئا إلى نجومه، بل إن بعضهم مثل محمود الجندي شاهدناه في الفيلم وهو يعيد تقديم نفس البضاعة الدرامية التي قدمها من قبل، حيث إنه كان يقدم «لزمة» في شهر رمضان الماضي في الشخصية التي يؤديها كموظف في مسلسل «الشوارع الخلفية»، أعادها مرة أخرى في الفيلم رغم أنه يؤدي دور محام عُقر واللزمة هي «ولا أنا غلطان»، ولا أدري كيف يقع الممثل في هذا الخطأ ويعيد «لزمة» ارتبطت بشخصية أخرى، وكيف تغفل عنه عين المخرج الذي لم يستطع توجيهه أو حتى مراجعته حتى لا يكرر التعبير.

ويبقى الحديث عن النجم الذي باءت كل محاولات تدشينه كنجم قادم بفشل ذريع، ورغم ذلك فإن عبد المغني لا شك سوف يتماسك ويهرب من السقوط في هذه المصيدة.. سبق مثلا أن حاولوا مع ماجد الكدواني أن يصنعوا منه بطلا وقدم قبل 6 سنوات بطولة فيلم عنوانه «جاي في السريع»، ولكن الفيلم لاقى هزيمة سينمائية فادحة وفاضحة، ورغم ذلك فإن الكدواني استطاع أن يتماسك ويشارك في أدوار رئيسية في الكثير من الأفلام، وفي النهاية زاد رصيده من التكريمات والجوائز التي حصل عليها عن جدارة، وبينها جائزة أفضل ممثل منحت له من أكثر من مهرجان بينما الكثير من النجوم الأبطال لا يحصلون أبدا هذه الجوائز واكتفوا بما حققوه من نجومية.

عبد المغني هل عليه أن ينسى طموحه الدائم بأن يصبح نجما؟ أقول مع الأسف إن هذا صحيح، وإذا أراد أن يواصل الوجود عليه أن يعود مرة أخرى للدور الرئيسي الذي يرحب به وهو يمنحه ألقا وحضورا، أما نجومية شباك التذاكر فلقد كانت وسوف تظل سرا لا أحد يملك أن يعرف «شفرة» تلك الكيمائية التي تنتقل بين النجم والجمهور، وأتصور أن هذه الشفرة الخاصة يفتقدها عبد المغني!!.