الفنان السوري جمال سليمان: أنا مشهور في إيران.. والدراما السورية غارقة

قال إن التلفزيون صنع نجوميته.. وإن موضوعات الدراما التركية تافهة

TT

رغم خصوصية بيئة صعيد مصر فإن الفنان السوري جمال سليمان يقول إنه أصبح على دراية جيدة بعادات وتقاليد أهل الصعيد، بالإضافة إلى لهجتهم الصعيدية التي كانت بمثابة تأشيرته للعبور إلى الجمهور المصري من خلال مسلسل «حدائق الشيطان»، فيستعد سليمان بمسلسل «سيدنا السيد» للحاق بالسباق الرمضاني هذا الموسم، ويدور حول شخصية رجل صعيدي تشكل مزيجا بين شخصيات كثيرة، على حد وصف سليمان. وعلى الرغم من إقبال الجماهير العربية على الدراما التركية بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، فإن سليمان يرى أن الوقت ما زال مبكرا على هذه الأعمال حتى تنزع من الأعمال العربية مرتبتها الأولى بين الجمهور العربي، إلا أنه مع ذلك يؤكد أن مسؤولية إقبال الجمهور العربي على الدراما التركية تقع على العاملين بالدراما العربية. «الشرق الأوسط» انفردت بحوار مطول مع سليمان، تحدث فيه عن أعماله وعن مشاركته في فيلم إيراني سيعرض في وقت قريب بعدة لغات.. وهنا نص الحوار:

* ماذا جذبك في سيناريو «سيدنا السيد» لتعود من خلاله لأداء شخصية الرجل الصعيدي؟

- اخترت هذا السيناريو بالذات من ضمن الكثير من السيناريوهات للرجوع به إلى الشخصية الصعيدية، فشخصية «فضلون الديناري» الملقب بسيدنا السيد أعجبتني، فهي تمثل خليطا من الشخصيات في شخصية واحدة، فهو لديه مرجعيات كثيرة، تارة يستخدم القوة، وتارة أخرى يستخدم الدين للتصديق على كلامه وإرضاء ضميره، تلك الشخصية التي تتميز بالمتناقضات من العواطف والمشاعر الحلوة والمرة في نفس الوقت. كما يبرز العمل علاقة الإنسان الضعيف والجاهل بالحاكم القوي المسيطر، فهو لديه أدوات كثيرة للسيطرة على الإنسان، فيقرر الثواب والعقاب. وأرى أن هذا ما يجري الآن في عالمنا العربي، فهذا العمل يظهر الصراع الفكري بين الجيل القديم والجيل الحالي، ويناقش الكثير من المعاني الإنسانية والدينية والرومانسية والقوة، والقصة تدور في مطلع الأربعينات من القرن الماضي.

* قدمت في العام الماضي أيضا عملا عن فترة الثلاثينات، في حين أن حاضرنا به زخم من الأحداث.

- العمل ليس بقيمة الزمن ولكنه بقيمة الفكرة والموضوع، ويخطئ من يقول إن هذا اليوم أتى بأسئلة جديدة، بل هي أسئلة قديمة ولكنها تتجدد مع مرور الزمن، وهذه الفترة تبرز علاقة المواطن بالدولة، وحق الدولة عند المواطن، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وموقع الدين في كل ذلك، وعلاقة السياسة بالدين، وهذا ما يناقشه العمل، فهو يناقش الماضي والحاضر معا.

* فلماذا إذن لم تطرح الفكرة في الوقت الحالي، خصوصا وأن القضايا متشابهة؟

- لأن مناخ العمل مناسب لهذه الفترة - فترة الأربعينات - وأيضا هذا الرجل منعزل عن المدينة ويقطن في مكان بعيد في الصعيد، بالإضافة إلى أن الجمهور لن يهتم بأي فترة تدور فيها الأحداث، ففي الحلقة الثالثة تقريبا لن يشعر المشاهد بأي حقبة يدور المسلسل.

* هل يعني ذلك أن شخصية «سيدنا السيد» تعبر عما نعيشه حاليا؟

- المسلسل يناقش علاقة السلطة بالناس، فالإنسان مشغول دائما بفكرة السلطة في كل المجالات، سواء في المدرسة أو الشركة أو أي مجال آخر، فالإنسان لديه دائما مشكلة مع السلطة، ويسعى الإنسان جاهدا إلى أقصى حدود الحرية.

* هل يتناول الموضوع شخصا بعينه أو قصة حقيقية لشخص في الصعيد؟

- هذا الرجل لا يوجد في الصعيد فقط، ولكنه موجود في قلب كل حزب، وأيضا في كل بيت وفي كل دولة، سواء كان رئيس دولة أو رئيس وزراء، فما دام شعاره هو الحديث عن السلطة فلدينا نماذج كثيرة من هذا الرجل.

* ما الحديث الذي دار بينك وبين شخصية «سيدنا السيد» عندما قرأت الشخصية لأول مرة؟

- كل الشخصيات التي قدمتها من قبل لم أبدأ العمل عليها عند قراءتها أول مرة، بل أبدأ عليها منذ سنوات طويلة، فالتمثيل عملية تراكمية، بمعنى أنه عندما مثلت دور ناظر مدرسة في أحد أعمالي لم أقتصر على الورق، بل رجعت بالذاكرة إلى ناظر مدرستي وأنا طفل، فالممثل لا بد أن يكون لديه مخزون ومستودع لكل الشخصيات الموجودة في الحياة ويخرجها في الوقت المناسب، وهذا ما حدث مع شخصية مسلسل «سيدنا السيد»، خصوصا وأنه ليس العمل الأول لي عن الرجل الصعيدي والاحتكاك بالمجتمع الصعيدي الذي أصبحت على دراية جيدة بعاداته وتقاليده.

* هل ذهبت إلى الصعيد في هذا العمل؟

- نعم، ذهبت وتقابلت مع شخصية من الشخصيات المشهورة هناك، وهو رجل معروف عنه القوة، وكنت أريد أن أعرف ملامح شخصية هذا الرجل القوي الذي يملك الصفات القوية للشخصية التي أقدمها، وما شكل تعامله مع أسرته وزوجته وأولاده، فرأيت أن هذا الرجل يتعامل بكثير من الحنان والمشاعر الطيبة والهادئة. والناس هناك استقبلوني بشكل رائع، فهم أهل كرم ويحترمون من يتعامل معهم باحترام، ويكونون حريصين جدا على الضيافة، خصوصا الغريب.

* لماذا تسعى دائما إلى الشخصيات التي تتصف بالسيطرة والقوة؟

- لا أهتم بصفات الشخصية التي أقدمها أن تكون شخصا ضعيفا أو شخصا قويا، بل ما يشغلني هو الموضوع والقصة والهدف منها ومدى تأثيرها على الجمهور، وأنا دائما أسعى إلى التنوع، والدليل على ذلك الشخصيات التي قدمتها، وأبرزها ياسين في مسلسل «قصة حب»، لا يشبه شكري عبد العال في «الشوارع الخلفية». ولا أنكر أن شخصية «سيدنا السيد» تتشابه في بعض الصفات الإيجابية والسلبية مع باقي الشخصيات التي قدمتها من قبل، ويشرفني كفنان أن أقدم أعمالا كهذه أفتخر بها وأحترمها ويحترمها الجمهور.

* بمناسبة الحديث عن مسلسل «الشوارع الخلفية»، هل ترى أن هذا العمل أخذ حقه في النجاح الجماهيري؟

- ردود الأفعال التي وصلتني كانت قوية جدا وتدل على أنه حصل على نسبة مشاهدة جيدة، وكذلك لا يوجد أي قضايا تم رفعها على المسلسل كما يحدث مع بعض الروايات، ويشرفني أنني قمت بعمل بهذا الحجم، وأتذكر مكالمة عبد الرحمن الشرقاوي وإشادته بالعمل، وأعتقد أن «الشوارع الخلفية» من الأعمال التي لن تعيش شهرا وتنتهي، بل ستدوم طويلا ولن ينساها الجمهور، وستعيش في ذاكرة التاريخ مثل مسلسل «ليالي الحلمية» و«الضوء الشارد» و«المال والبنون»، فنحن نحتاج إلى سنوات حتى نستطيع أن نحكم على الأعمال الجادة، بالإضافة إلى أعمال أخرى أرى أنها ستحصل على حقها في الفترة القادمة مثل «قصة حب» و«ذاكرة الجسد» و«الحارة» و«أهل كايرو» و«المواطن إكس»، فهذه أعمال ستبقى في ذاكرة الناس بعيدا عما نشاهده من أعمال تهتم فقط بملابس الفنانة وزينتها الصارخة.

* لماذا أيضا لم يحظَ مسلسل «ذاكرة الجسد» بنسبة مشاهدة عالية؟

- مسلسل «ذاكرة الجسد» حقق فكري كفنان، ولكن الظروف هي التي جعلته لم يحظَ بالنجاح الجماهيري المطلوب، وأبرز هذه الأسباب عدم الدعاية الجيدة للمسلسل، وكذلك الإعلام مسؤول مسؤولية كبيرة عن ذلك، لأنه لم يسلط الضوء على الأعمال الهادفة ويتطرق إلى أشياء تافهة كفستان الفنانة وعينيها الملونتين وتفاصيل أخرى، ولا يهتم بالدراما والقصة داخل العمل، فنحن في معركة حقيقية، فالجمهور العربي الآن يهرب إلى الأعمال التركية التي هي بعيدة تماما عن عاداتنا وتقاليدنا.

* على من تقع مسؤولية استحسان الجمهور العربي وتفضيله للأعمال التركية؟

- كلنا مسؤولون، فنانين ومنتجين ومؤلفين وموزعين، فالفنان لم ينظر إلى الموضوعات التي تخص المجتمع المليئة بالأحاسيس والمشاعر والحب، والمنتج يتنوع في التصوير وأماكنه الجذابة للعمل، والموزع الذي لا يسعى إلى توزيع الأعمال الدرامية إلى كل البلدان كما يفعلون هم ذلك.

* هل ترى أنه من الممكن أن تسيطر الدراما التركية على الموسم الرمضاني؟

- من الصعب حدوث ذلك في الوقت الحالي، فالمسلسل العربي ما زال يحتل المرتبة الأولى في رمضان، لكن في الفترة القادمة لو لم نهتم بموضوعاتنا ونركز على الدراما اليومية للمشاهد العربي وقصص الحب ونعمق الإنسانيات في الموضوعات، سيهرب المشاهد إلى هذه النوعية من الأعمال، كما أننا ليس لدينا الجراءة التي يقدمها الأتراك في موضوعاتهم، وعلى الرغم من أن الموضوعات التي تتناولها الأعمال التركية تافهة ولم ترتقِ إلى المستوى الجاد من المشاهدة، بمعنى كيف نتابع على مدار مائتي حلقة سيدة تخون زوجها ونضع أيدينا على قلوبنا حتى لا تظهر هذه الخيانة في النهاية؟ ولكنهم ينجحون بعوامل كثيرة، منها التصوير واللعب على وتر النساء. وأستغرب الإقبال على مسلسل «حريم السلطان»! وهو مسلسل ليس بالجيد وينصب تركيزه على حريم السلطان ولا يتطرق إلى مشكلات الخلافة العثمانية إلا قليلا، وبالنسبة لي فقد قدمت أعمالا تاريخية أفتخر بها ولم تحظَ بهذه النسب من المشاهدة، وأعترف أن الجانب الإنساني كان لا بد أن يتعمق أكثر في هذه الأعمال، حيث تم التركيز على الجانب السياسي، وسوف أركز على هذا الجانب في أعمالي القادمة.

* كيف جاءك العرض للمشاركة في الفيلم الإيراني الذي انتهيت من تصويره مؤخرا؟

- ليست هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في الدراما الإيرانية، فقد شاركت بعمل من قبل ويعرض بشكل مستمر في إيران، وأنا فنان عربي مشهور في إيران، أما بالنسبة للفيلم الذي انتهيت من تصويره منذ أيام فقد تم عرضه علي منذ ثلاث سنوات ثم تم تأجيله نظرا للأحداث السياسية والانتخابات هناك، ثم انشغلت في مسلسل «الشوارع الخلفية» العام الماضي فاعتذرت عن المشاركة فيه، ولكن المنتج والمخرج أصرّا على مشاركتي في هذا العمل، وتم استبدال دوري بدور أصغر، ومن المقرر أن يتم عرضه في الأيام المقبلة بعدة لغات، الألمانية والفرنسية والمالوية ولغات أخرى، ولا أستطيع الإفصاح عن تفاصيل دوري.

* لكن الشخصية التي تقدمها تشبه إلى حد كبير في الشكل «محمد علي»، هل ممكن أن تفكر في تجسيد هذه الشخصية؟

- إطلاقا، فهذه الشخصية ملك لفنان واحد فقط وهو «يحيى الفخراني»، ولكني أوافق على مشاركته، وذلك بتجسيد شخصية ابنه إبراهيم باشا، وقد تقابلنا أنا والفنان يحيى الفخراني منذ أسبوع تقريبا وتحدثنا في هذا الموضوع ورحب بهذا التعاون.

* أين ذهبت الدراما السورية في الخريطة التلفزيونية العربية؟

- للأسف منذ خمس سنوات والدراما السورية غارقة في موضوعات ليست لها قيمة، والتي كان يشكلها العمل الفني الجيد وموضوعاتها، ولو أخذنا كل طرف بشكل منفصل سواء الشكل الفني أو الموضوع فقط فسنصل إلى نفس النتيجة، وهي عدم وجود الدراما بقوة على الساحة العربية.

* لماذا أنت مقاطع للسينما المصرية؟

- السينما المصرية هي التي تقاطعني، وأنا ليس لدي هذه العقدة، فالدراما بالنسبة لي جيدة جدا وتؤرخ للفنان، وأنا قدمت الكثير من الأعمال التاريخية والدرامية التي تضيف لتاريخي، وأنا سعيد في التلفزيون ولم أشعر بفارق أنني موجود في الدراما وغير موجود في السينما، فلو كنت أسعى إلى الشهرة فالدراما صنعت نجوميتي وشهرتي أكثر من السينما، وأنا سعيد بذلك.

* لكن السينما تصنع تاريخا؟

- قد يكون تاريخا سيئا، وأعرف الكثير من الفنانين لديهم تاريخ في السينما يتمنون أن يحرقوه، ولكن الاختيارات سواء سينما أو دراما هي التي تفرض نفسها، والفكر الدرامي اختلف عما كان في الماضي، فعلي سبيل المثال عندما يذكر الفنان يحيى الفخراني كفنان نتذكر الأعمال التلفزيونية مثل «ليالي الحلمية»، ونتذكر دائما للفنان نور الشريف مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»، وللفنان صلاح السعدني نتذكر دور العمدة في «ليالي الحلمية»، ولا أنكر أن الفيلم يعرض في مهرجانات عالمية أكثر من المسلسل الذي لم يسعَ موزعوه إلى أن يقدموا هذه الأعمال في كل العالم.

* ما الدور الذي كنت تحب أن تقدمه ولم تقدمه حتى الآن؟

- كنت أتمنى أن أقوم بدور «حاتم»، الشاذ جنسيا، الذي قدمه الفنان خالد الصاوي في فيلم «عمارة يعقوبيان»، فخالد الصاوي يستحق على هذا الدور وسام الإبداع والتميز، وأيضا الفنان باسم السمرة، فدوره صعب، وكنت أتمنى أن أقوم به، ولا أخشى من رد فعل الجمهور، فلا أنسى كلمة فاتن حمامة عندما عرض فيلم «الحرام» في المعهد العالمي وقالت: «أنا أخذت حقي بعد 25 عاما بعد هذا العمل»، فبالتأكيد يوجد أعمال ستأخذ حقها على مدار سنوات، ولو رجعنا إلى ذاكرة السينما المصرية فسأتذكر بالطبع «عمارة يعقوبيان» كعلامة.