إبراهيم خفاجي: أهل مكة يقتنصون أخفى حالات «النشاز» كالبرق.. ومحمد عبده يتهرب منهم

شاعر الوطن: فرحتي بلقاء خادم الحرمين الشريفين أكبر من التكريم

شاعر الوطن إبراهيم خفاجي في مناسبة خاصة لفنان العرب محمد عبده (تصوير: غازي مهدي)
TT

كان منسجما مع عازف عشريني شاب، مستغرقا في سحر آلة العود الشرقي وأنغامه تهدهد موال الشاب: «روّعوه فتولى مغضبا.. أعلمتم كيف ترتاع الظبا؟»، وما إن فرغ الشاب حتى دنا وجلس عند قدميه الناحلتين استجابة لإشارة منه، فقال له: «يا ولدي، لا تقُل: روّعوه فتولى، بل روعوها فتولت»، وبعينين غارقتين في الامتنان قام الشاب وقبّل يديه ورأسه وقال: «حاضر يا عم إبراهيم، على راسي، الله يعطيك العافية يا عم إبراهيم».

كان العم إبراهيم الذي أرخى له الشاب جناح الذل هو شاعر الوطن إبراهيم خفاجي، وبـ«عم إبراهيم» يناديه معظم أهالي مكة، وخصوصا رواد أحدية الموسيقار السعودي، التي لا تزال تعقد منذ زمن طويل في منزله في العاصمة المقدسة.

ولكن فنان العرب محمد عبده غناها هكذا، فيجيب خفاجي «الشرق الأوسط»: «يا ولدي، هذا كلام العرب، ولغة شعراء عباقرة من خيرة العرب، فلا تقل لي فلان غناها هكذا». ويبدأ سرد كلمات الموال وتاريخه وجنسية قائله ولماذا كان يجب نطقه بتلك الطريقة، كل ذلك بذاكرة حديدية يملكها الشاعر العبقري الذي أدهش السعوديين أعمارا وما زال بأغنياته التي شدا بها عمالقة الفن في السعودية، ومنهم صوت الأرض الراحل طلال مداح، وفنان العرب محمد عبده.

ولا يمكن أن يختم ابن مكة البار تحليله الفني للقصيدة من دون أن يبتكر مناسبة للفخر واستعراض قدرة المكيين الفذة على صناعة الفن وتطويره وتصديره وتذوقه، قائلا: «يا ولدي، من هو محمد عبده أمام عمالقة الشعر العربي؟ إنه يخشى الغناء في مكة المكرمة ويقلق كثيرا وقد يتهرب من الغناء في مكة حتى اليوم».

والسبب في رأي خفاجي لهذا الخوف والقلق من فنان العرب الذي جال وجالت موسيقاه وصوته الدنيا، أن انصهار الثقافات والفنون والأعراق في مكة المكرمة خلقت من المكيين خبراء في الفن، متذوقين محترفين لا مستمعين سطحيين، يخبرون الكلمات واللغة جيدا، ويحفظون المقامات ويقتنصون أخفى حالات «النشاز» كالبرق، ولأنه فنان كبير يعرف قدره ومكانته في الفن السعودي، فهو يعرف هذه الصفة في المكيين عموما، ولذلك يستعد جيدا قبل وقوفه في حضرة رواد الفن من أبناء مكة.

كانت تلك الليلة المبهجة هي أول أحدية أعقبت تكريم خادم الحرمين الشريفين لشاعر الوطن إبراهيم خفاجي ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية الأخير، وكان العم إبراهيم سيد الليلة بلا منازع، سيدها منذ زمن طويل، وسيد قلب الوطن منذ أن ناداه قائلا: «سارعي للمجد والعلياء»، ولم ينسَ صغيرتها الغانية القاصية التي تنثر الفل والنقش اليماني في الكفوف.

ويؤكد خفاجي أن سعادته بالتكريم كانت لا شيء مقارنة بفرحته بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والاطمئنان على صحته وجها لوجه، معتبرا أن تكريم الوطن له في مثل تلك الاحتفالية الكبيرة فخر له، ودلالة وفاء لملك اعتاد منه الوطن الوفاء.