محسوبيات ومافيات الفن سبب تدهور الأغنية العربية

الفنان الحقيقي مغيب.. وعارضات الأزياء يدخلن الوسط من الباب الخلفي

TT

غالبا ما يشتكي الفنانون من تردي الفن وأوضاعه، فالمغنون يؤكدون أننا نعيش زمن الشكل المجمّل بالبوتوكس، والمغنية أصبحت تغني اليوم بجسدها وليس بصوتها، أما الممثلون فيشتكون من موجة عارضات الأزياء وملكات الجمال اللواتي اكتسحن الساحة، بينما من يملكن الموهبة يلازمن بيوتهن من دون عمل، وهذا الوضع يؤكد أن الفنان الحقيقي بات شبه مغيب في وسط تحكمه المحسوبيات والواساطات والعلاقات.

عندما وصفت الفنانة دارين حدشيتي الساحة الفنية بأنها ساحة إجرام (بالمعنى المجازي للكلمة) فلا شك أنها عبرت بدقة عن أحوال الفن خاصة أنها تنتمي إلى الوسط وتعرف جيدا كيف تسير أمور الفن في هذه الأيام. فهي قالت «من الممكن أن نسمع بفنان لا يجيد الغناء، وفي المقابل يمكن أن يمارس الفيتو على فنان آخر لكي يأخذ مكانه». وتضيف «برأيي، كثيرا ما يكون الفن مبنيا على الإجرام، من خلال العمل على أذية فنان وإبعاده لمصلحة فنان آخر».

وما قالته حدشيتي في أحوال الوسط الفني يتكرر بطريقة أو بأخرى على لسان معظم الفنانين، ومن يتابع المقابلات الفنية يجد أن عبارة «المافيات والمحسوبيات تسيطر على الفن» هي القاسم المشترك الذي يجمع بين الفنانين في حواراتهم، وهذا ما يفسر أسباب تراجع الفن الجيد لمصلحة الفن الرديء، في جميع مجالاته.

ففي تصريحات مثيرة أكد الفنان هشام سليم، لأحد المواقع الإلكترونية، أن «الوسط الفني أصبح عبارة عن مجموعات من الشللية تحكمها المصالح والمحسوبيات التي لا يمكن أن أتفاعل معها أو أن أسير على دربها نفسه». وأشار إلى أنه ليس في احتياج مادي على قدر ما هو في حاجة لأن يظل موجودا في المهنة التي أعطى لها سنوات عمره، والتي أصبح يدخلها كل من هب ودب سواء كان يمتلك الموهبة أو القدرة على الإغراء. وأضاف أن «فرص العمل في الوسط الفني أصبحت بيد أشخاص يزنون الأمور بشكل مادي بحت من دون النظر لرسالة الفن النزيهة، وما هو الشيء المفترض أن يقدمه الفنان لكي تشاهده جميع أفراد الأسرة العربية من دون أن تخجل من خدش حياء أولادها بلقطات ساخنة أصبحت على مرأى ومسمع للجميع بمعظم الأفلام أو حتى المسلسلات».

أما الفنانة الخليجية هدى حسين فتؤكد في أحد اللقاءات معها رفضها للشللية في الوسط الفني مفضلة أن يُنادى للدور من يستحقه من دون محسوبيات، لأن المحسوبيات حسب قولها لا تدوم بطبيعة الحال، والدليل أن العديد من هذه الجماعات قد تفككت.

وبدوره فإن الفنان اللبناني غسان صليبا، الذي لا ينكر أنه مقل في إنتاجه، يقول «لا أعتبر أن غزارة الإنتاج واجب، ومن يصدرون أعمالا كثيرة يتلقون دعم شركات كبيرة وتتدخل في عملية الإنتاج حسابات خاصة. عالم الإنتاج الفني شبيه بمافيا، تسوده الفوضى وتديره المحسوبيات، وكل ذلك لا أحبه، ولا أدخل في متاهاته، لذلك أنا أنتج أعمالي على حسابي الخاص بعيدا عما تعيشه الساحة الفنية». وبالنسبة للفنان ريان، فعندما سئل عن السبب الذي يجعله يحيي حفلات في الخارج أكثر من لبنان كان رده «لأنه حتى الفن في لبنان له محسوبيات، فكل متعهد (له ناسه) ويتحيز لفنانين معينين ويجيّر لهم المهرجانات والحفلات».

الفنانة نورا رحال ترى أن العمل الفني تحول إلى «بيزنس» كما سائر المهن الأخرى ، وتضيف «المشكلة أنه لا يوجد تخصص في العمل الفني، ووجود الفنان يتأثر بعوامل مختلفة، فإلى جانب المحسوبيات، هناك أيضا إرادة الفنان، ونوعية الفن الذي يريد أن يقدمه، وثقافته وحضوره. صحيح أن هناك فنانين لا يملكون الموهبة وحققوا الشهرة بفضل دعم جهات معينة، وآخرون يملكون كل المواصفات المطلوبة ولم ينتشروا كهؤلاء، لكن الشهرة لا تعني النجاح دائما، فلطالما سمعنا بفنانات شهيرات تملأ أخبارهن الصحف والمجلات، لكن وبمجرد أن يتراجعن عن (نشاطهن الزائد) يختفين وينساهن الناس بسرعة، بينما الفنان (الأصلي) مهما ابتعد وغاب يظل محبوبا ومعروفا من الناس». وتتابع رحال «لا شك أن وصول هؤلاء يؤثر على الفن الجيد ويؤدي إلى تردي الوضع الفني، ولكن إلى حد ما لأنهم مجرد تجارب تنتهي مع الوقت، إنما هناك عوامل أخرى أكثر تأثيرا كالإعلام والمسؤولين عن الفن كالشركات والمنتجين، فإذا كان توجه هذه الشركات غير سليم، والخبرة الكافية ليست متوافرة لديهم، أو إذا كان المسؤولون فيها لا يتمتعون بالثقافة والعلم، فعندها تقع الكارثة، لأن كل الذين يختارونهم معهم، يكونون بمستوى معرفتهم، لذلك يجب أن تكون الدولة حاضرة في الفن من خلال الوزارات والهيئات والإعلام».

الممثلة فيفيان أنطونيوس رأت الوسط الفني منقسما على نفسه «وهذه ليست بالبادرة الجيدة، فالفن مؤلف من عدة مجموعات، وكل مجموعة تعمل مع الأشخاص المقربين منها وتستبعد من هم من خارجها، لذلك نحن نرى أن الوجوه نفسها تتكرر من عمل إلى آخر، وهناك ممثلون يتمتعون بالكفاءة لكنهم لا يحصلون على الفرصة».

وعن الطريقة التي يتم على أساسها اختيار الممثل لدور معين توضح «في تجربتي مع الكاتبة لورا خباز في مسلسل (شوارع الذل)، نحن اخترنا الممثلين وفق تصورنا للشخصيات سواء كانت تربطنا بهم علاقة صداقة أو العكس، لأننا وجدنا أنهم مناسبون للدور، وما كان على المنتج سوى الموافقة أو الرفض. لكن بالنسبة للأعمال الأخرى، ففي بعضها يتم اختيار الممثل لأنه يمون على المنتج أو المخرج، وهذا ليس بالأمر المستغرب، لأن هناك أشخاصا يُشترون ويباعون في كل المجالات الأخرى، حتى إن هناك صحافيين يبيعون ضميرهم ويحولون ممثلا فاشلا إلى آل باتشينو لمجرد أنه تربطه بهم علاقة صداقة. وأنا أتسأل أحيانا: ما هو مصير خريجي الجامعات الذين يضحون بخمس سنوات من عمرهم وفي النهاية لا يحصلون على فرصة ولا يتسنى لهم الظهور على الشاشة، حتى إن المنتجين لا تكون لديهم الحشرية للتعرف عليهم؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الوضع الجامعات والنقابات التي يجب أن تمنع غير النقابيين من العمل في الفن، لأن الوسط التمثيلي بحاجة إلى الغربلة».

الفنانة سارة الهاني قد تكون صاحبة الصوت الأجمل في لبنان والوطن العربي، بحسب رأي النقاد والمسؤولين عن الفن، بل هي أفضل من غنى أعمال أسمهان، حتى إن البعض يرى أن صوتها يجمع بين صوتي أسمهان وأم كلثوم، لكنها رغم ذلك لم تنل حتى اليوم فرصتها الحقيقية كمطربة قديرة. الهاني تجزم بسيطرة المافيات والمحسوبيات على الفنية، وتقول «هذا الأمر ليس بالجديد، ولقد تأثرت أكثر من غيري بسببها، لأنني اخترت الطريق الصعب، وليس الطريق السهل الذي يوصلني بطريقة سريعة جدا، لكنني سعيدة بهذا الاختيار، وأرفض الدخول في المعمعة الفنية لمجرد أنني أريد أن أحقق أحلامي. لا شك أنني تعرضت للمحاربة لأن البعض يرى أنني أشكل خطرا عليه، لكنني لا أملك أدلة حسية على ذلك، وأنا لا أفكر في هذا الموضوع على الإطلاق لأن التفكير فيه لا يفيدني على الإطلاق، بل كل ما كنت أطمح إليه وسعيت إلى تنفيذه هو أن أتمكن من إنتاج أعمالي على حسابي الخاص، وأن أطرح أعمالي بالطريقة التي أريدها».

وتؤكد الهاني أنها عاشت بنفسها تجربة المحسوبيات والمافيات الفنية «أعرف جيدا أن هناك جهات تبرز فنانات معينات وتحرص على وجودهن في الحفلات وفي الإطلالات التلفزيونية، ومثل هذه الأمور لا تتم عن طريق الصدفة، بل هي بحاجة إلى علاقات ومعارف، والأمر نفسه ينطبق على شركات الإنتاج. وحتى لو كنت أعرف لماذا يتم التركيز على فنان دون سواه، فإنني لن أفصح عن التفاصيل، لأنني مسؤولة عن عملي وليس عن أي شيء آخر، ولذلك أنا بعيدة عن الوسط الفني».

الهاني التي تعاقدت مع أكثر من شركة إنتاج، لم تحقق نفسها فنيا مع أي منها «كنت أمهل تلك الشركات لفترة زمنية معينة، وعندما وجدت أن وعودها لا تنفذ كان لا بد أن انسحب، لأنه من غير المعقول أن أستمر مع شركة إنتاج تبقيني سنتين من دون أعمال أو حفلات، ولن أرضى بأن أظل مركونة على الرف، بينما غيري يصدر الأغنيات والكليبات ويحيي الحفلات، على الرغم من أنني لا أهتم بهؤلاء أبدا. كنت أتهم دائما بأنني لا أشتغل على نفسي، على الرغم من أنني لست فنانة معقدة، وأعرف جيدا ما هي متطلبات الفن ووسطه، لأنني أعيش من أجل فني وليس من أجل أي شيء آخر. فهم كانوا يقولون (سارة لا تتابع أمورها الفنية)، ومن الطبيعي ألا أفعل ذلك عندما أجد نفسي مضطرة إلى التوسل إليهم من أجل تنفيذ عمل لي».

وهل مطلوب من الفنانة تقديم تنازلات معينة من أجل تحقيق شهرة سريعة؟ تجيب الهاني «لا أعرف!.. ربما التنازلات تسرّع كل شيء. كل إنسان أدرى بنفسه وبالطريق الذي يحقق مصالحه من خلاله. أهم شيء بالنسبة هو إرضاء ربي وأهلي وكل الأمور الأخرى تبقى ثانوية عندي، وأنا أؤمن بالقدر وبأن كل إنسان ينال نصيبه في هذه الحياة».

الفنانة مي سحاب ترى أن كل المجالات متشابهة «مع الوقت والخبرة والتجربة يكتشف الإنسان أن المصالح هي التي تحكم علاقات الناس بعضها ببعض. لا شك أنني مستبعدة عن الأدوار المهمة، ربما لأن غيري من الفنانات متفرغات للتمثيل أو ربما لأنهن يسعين وراء هذه الأدوار، أو ربما أيضا لأنهن تربطهن علاقات قوية بالصحافة. أما بالنسبة للمنتجين فأعرف أن الجميع يحبونني ويقدرون عملي، لكني لا أعرف لماذا لا يعرضون علي أعمالا، ربما لأن هناك نوعا من الشللية يحكم المجال، بحيث يستعين هؤلاء بالمقربين منهم أو الذين يرتاحون للتعامل معهم، لكنني اعتدت على هذه الفكرة منذ أيام الجامعة، حيث كان المخرج يتعامل مع ممثلين محددين فتتكرر الوجوه من عمل إلى آخر ولا تختلف سوى الأدوار. لكنني أسمع الكثير من التعليقات التي تشتكي من هذا الموضوع، بحيث تكون الممثلة أخت البطل في أحد الأعمال وتتحول في العمل الذي يليه مباشرة إلى زوجته. لكنني لست متملقة، ولا يمكن أن أركض وراء مخرج أو منتج أو أن أطرق الأبواب، بخاصة أن بعض الممثلات يحرصن على توطيد علاقاتهن بهذا المنتج أو ذاك المخرج من أجل أن يوجدن في أعماله، وأكثر ما يضايقني عندما أسمع الناس يقولون لي (اشتقنالك)».