الفنان أحمد الزين: لا أؤمن بأي تكريم يعتمد على درع نحاسية

فضل أن يحترم الفنان وألا يقدم عروضه على «قرقعة» الصحون والشوك والسكاكين

الفنان أحمد الزين والمخرج عادل سرحان في إحدى المناسبات
TT

فرض الفنان أحمد الزين نفسه نجما إذاعيا وتلفزيونيا ومسرحيا وسينمائيا، ولكنه ركز نشاطه الفني في السنوات الأخيرة على الدراما التلفزيونية، اخترقها في الفترة الأخيرة، بتجربة سينمائية وحيدة من خلال فيلم «خلّة وردة» للمخرج عادل سرحان، «عجلة السينما كانت متوقفة باستثناء بعض المحاولات المشرفة التي قام بها عدد من المخرجين الشباب، والتي يأتي فيلم (خلةّ وردة) من ضمنها، وكلها نشاطات ثقافية، تمت بمجهود فردي، قامت بها مواهب لبنانية رائعة أفتخر بها كثيرا. لطالما اعتمدت السينما في لبنان على المحاولات الفردية، ويتجلى ذلك في أعمال سمير الغصيني، يوسف شرف الدين، برهان علوية، جان شمعون، مارون بغدادي وسواهم، لأن لبنان لم يعرف يوما الصناعة السينمائية. وبالنسبة إلي كفنان، سواء وجدت وراء الميكروفون في (ابن البلد) أو في (جوز كلام) أو في السينما أو في المسرح، فالأمر واحد (أنا أنا.. أنا أبو حسن)، لأنني أعمل بنفس المتعة وبنفس الشفافية. أعرف أن المسرح شاق، التلفزيون صعب بتقنياته والسينما وقتها صعب، لكنني أتعايش مع كل هذه الحالات».

ولأنه «ابن المسرح، ويميل إليه أكثر من المجالات الأخرى يوضح الزين» المسرح عشقي الأول والأخير، ولكن أين هو الجمهور المسرحي! لقد قاموا بفرز الناس بكل ما تعني هذه الكلمة، فالرجل يتابع الأخبار والبرامج السياسية، المرأة لا تهتم سوى للمسلسلات التركية والأولاد أدمنوا التكنولوجيا من «تويتر» و«فيس بوك». الفنان الوحيد الذي يعجبني هو الممثل المبدع جورج خبار، ومن بعد الفنان شوشو، لا أجد ممثلا سواه، تمكّن من أن يستمر مسرحه لمدة ثلاثة أشهر متتالية. ولكني لا أخفي بأنني عندما أشعر بـ«حكاك في قدميّ»، فهذا يعني أنني اشتقت للخشبة، وأنا أحضر لمفاجأة وهي عبارة عن مسرح جوال، أتنقل خلاله من قرية إلى أخرى، من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى بلد.

وعن موقفه من مسرح الشونسونييه الذي يلقى رواجا في لبنان، يقول «هو عبارة عن كباريه، وله ناسه وجمهوره، منذ أيام إيفيت سرسق وجان كلود بولس وغاستون شيخاني، مرورا بوسيم طبارة ووصولا إلى يومنا هذا، ولكنه فقد (ثقله)، على الرغم من وجود بعض المواهب الجميلة التي يتابعها قسم من الجهور، ولكني شخصيا لا أحبها، ليس لأن فيها إسفاف، بل لأنني أفضل أن يحترم الفنان، وألا يقدم عروضه على (قرقعة) الصحون والشوك والسكاكين و(كاسك). المسرح له حرمة والفنان له قيمة، ولكني لا ألومهم ولا بنسبة 1 في المائة، لأن ظروف الحياة قاسية».

ولأن ظروف الحياة قاسية جدا على كل اللبنانيين كما على الزين شخصيا، فإنه يجيب «أنا لا أستطيع أن أقدم مسرح شونسييه حتى لو اضطررت إلى اعتزال الفن وفتح دكان في قريتي، أكسب من ورائه لقمة عيشي. خضت تجربة سابقة في هذا النوع من الأعمال الفنية من خلال مسرحية (إن شاء الله) مع فارس يواكيم، ولكنها كانت عذابا قاتلا بالنسبة إلي ويومها عرضناها على خشبة مسرح كازينو لبنان ومسارح أخرى».

ولأنه فنان مخضرم عايش كبار الفنانين، كيف يصف الزين الفن الذي يقدم اليوم؟ «لن أرد بجواب تقليدي، وأحمل المسؤولية لتبعات الحرب، لأننا قدمنا أفضل أنتاجنا خلال فترة الحرب. أهم مسرحياتي قدمتها خلال الحرب، وكذلك أعمالي التلفزيونية، ولكن الجيل اختلف، وكثرت المحطات التلفزيونية، وأصبح لكل محطة أيديولوجيتها خاصة، ولكن الدراما، بدأت أخيرا تستعيد موقعها وشيئا من بريقها، بوجود وجوه شابة نفتخر بها. مثلا أنا تابعت مسلسل (باب إدريس) وأعجبني كثيرا. المشكلة التي تعاني منها الدراما هي ضعف الإنتاج، على الرغم من أنني لست معجبا ببعض المواضيع التي تتطرق إليها، لأنها تسيء إلى المرأة و(تصورها على السرير وتركز على ساقيها وأحيانا على ملابسها الداخلية) تحت ذريعة، أننا بلد ينعم بالحرية. ممنوع الإساءة إلى المرأة اللبنانية وممنوع التسويق لها بهذه الطريقة. نحن لا نشاهد في أعمالنا نموذجا عن المرأة اللبنانية القوية التي تؤدي مثلا دور صحافية جريئة، أو دور فلاحة أو دور مناضلة، ولم نعد نرى في أعمالنا (نضال الأشقر على صغير). لم نعد نشاهد سوى الأعمال التي تتحدث عن الكوكايين والعصابات والقصور، وأنا لا أحب هذه الأعمال. ولكنّي لست مقاطعا للدراما اللبنانية، وعندما أرسل أنطوان غندور وألبير كيلو وبودي معلول بطلبي شاركت في مسلسل (الشقلبندي)، وبعدها في مسلسل (أبو الطيّب العربي)، ثم في مسلسل (الغالبون) الذي أستعد لتصوير الجزء الثاني منه، كما شاركت أيضا في فيلم (خلّة وردة)، ولكني لا يمكن أن أشارك في أي عمل يسيء إلى صورة لبنان، المتعدد الثقافات والطوائف. أتمنى أن أشاهد عملا لبنانيا، يجمع بين طوني ومحمد وعلي ومعروف، بعيدا عن اللعب على الكلام، لأنه لا يمكننا أن نردّ على أمراء الحرب إلاّ بهذه الطريقة، لأن الناس تصدق الدراما أكثر مما تصدقهم».

ويرجع الزين أسباب تردي الدراما اللبنانية إلى عوامل مختلفة «الثقافة تحتاج إلى المال، والله قال في كتابه الكريم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، أي إنه أعطى الأولوية للمال. هل يعقل أن يعمل الممثل طوال النهار مقابل 300 دولار، حتى إنه يضطر إلى استبدال ملابسه داخل السيارة! هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، تعاني الدراما من مشكلة المافيات التي تسيطر عليها، وأنا لا أتعاطى مع التكتلات، لأنني ولدت في منطقة البسطا البيروتية، واكتشفت أنه مكتوب على هويتي أنني (شيعي)، زوجتي من الطائفة السنية، أعيش مع بني معروف، شقيقتي متزوجة رجلا مسيحيا، تربيت على الفكر الناصري، ولذلك لا يمكن لأحد أن يقتحم وسادتي بفكر ضيق، وأنا أشعر أن الجيل الحالي مظلوم لأنهم يرضعونه المذهبية في زجاجة الحليب».

الزين الذي عمل خلال الفترة السابقة في الدراما السورية، يؤكد أنها قدمت له الكثير «يكفي أنها عاملتني كنجم متميز، حيث شاركت في أصعب الأدوار في 34 مسلسلا خلال 10 سنوات، وهي كانت وفية معي أكثر من أي منتج لبناني».

وهل يعود سبب عدم مشاركته في الدراما المصرية، لأنه يرى أن الدراما السورية هي الأفضل عربيا؟ «سوبر نجوم الغناء في العالم العربي لبنانيون، والسوريون هم الأوائل في العالم العربي على مستوى الدراما التلفزيونية، أما المصريون فهم الأوائل في السينما. إنه الواقع وإن حصل أحيانا خرق هنا أو هناك. ولكنني شخصيا لا يمكن أن أعمل في أي بلد عربي توجد فيه سفارة إسرائيلية، حتى لو متّ جوعا. اللبناني مات قنصا وقصفا وذبحا ولكنه لم يمت جوعا».

ويجد الزين أن صورة المرأة اللبنانية في الأعمال المصرية غير مشرفة بشكل عام «هم يقولون إن الأعمال الملتزمة لا تدر أرباحا على المنتجين. حتى السينما المصرية لم تعد نتج أفلاما تشبه فيلم (جميلة بوحريد)». ويرفض الزين الدخول في لعبة الأسماء عندما يسأل عن رأيه بالممثلين الموجودين على الساحة لأنه يعتبرهم أولاده «يورغو شلهوب ابني، وكذلك طوني عيسى، مازن معضم، يوسف حداد، يوسف الخال، ويجمعني بهم الودّ الأبوي، ولكن من أجد فيه أحمد الزين ثاني فهو جورج خباز وبخاصة مسرحيا، أما تلفزيونيا فلن أجيب، لأن الله أكرمني في الدراما والكوميديا والتراجيديا وفي تقديم الكاراكتيرات الصعبة والمعقدة. أنا حفرت الصخر بأظافري وعانيت كثيرا في المهنة، اشتغلت ثلاثة أعوام كومبارسا ومن بعدها عامين كومبارسا متكلما».

هناك أشخاص أوفياء وليس مهنة وفية كما يؤكد الزين ويضيف «الناس يدعون لي بالتوفيق وهذا يكفيني، إلى ذلك أصبح بيتي ممتلئا بالدروع التكريمية، وقبل أسبوعين أجرت مجلة (سيدتي) استفتاء وفزت بجائزة النجم الأول في الدراما كما بجائزة النجم الكوميدي الأول لعام 2011. ولكن التكريم لا يعني لي شيئا، لأن أي تكريم يعتمد على درع نحاسية، هو تكريم للمكرِّم وليس للمكرَّم. نحن بحاجة لتثبيت القانون المهني، قانون ضمان الشيخوخة وضمان الشيخوخة، وأي حلقة من برنامج (ابن البلد) أعتبرها تكريما لي».