في الخليج.. نوال الكويتية وأحلام فقط.. والجمال يخبئ الأصوات النشاز

سيمون أسمر: ظهور المرأة في الفن لا يزال أمرا صعبا

TT

على الرغم من أن عبارة «نحن نعيش عصر الشكل والصورة» تترد دائما على لسان المغنيات في محاولة منهن لتبرير ضعف أدائهن الصوتي، وعلى الرغم من الملايين التي تصرفها الفنانات على اللوك الخارجي الذي يتطلب منهن متابعة دائمة لآخر صيحات الموضة والأناقة وعلى الرغم أيضا من تحول الجراحات التجميلية إلى حاجة وضرورة عندهن للمحافظة على مظهر شاب وصغير.. على الرغم من كل ذلك، فإن من يراقب الساحة الفنية وتحديدا الغنائية يجد أن العنصر الذكوري هو المسيطر عليها، وإن بشكل متفاوت بين بلد وآخر، بدءا بلبنان، مرورا بسوريا ومصر وانتهاء بدول الخليج.

لبنان الذي يعتبر البلد الأول غنائيا والذي يشتهر بمغنياته الجميلات، عدد نجماته لا يزيد على الخمس أو الست نجمات، وإذا استثنيا الكبيرة فيروز، نجد أن النجومية الفنية عند النساء تنحصر في الفنانات ماجدة الرومي، ونجوى كرم، ونانسي عجرم، وهيفاء وهبي، وإليسا، وميريام فارس، وكارول سماحة، ونوال الزغبي.. في المقابل، فإن النجوم الذكور يتفوقون عليهن عددا وينافسونهن حضورا ونجاحا وانتشارا وطلبا للحفلات، فهناك ملحم بركات، وراغب علامة، وعاصي الحلاني، ووليد توفيق، ومعين شريف، ووائل كفوري، وفضل شاكر، ووائل جسار، وفارس كرم، وملحم زين، ورامي عياش، وأيمن زبيب. أما في سوريا، فالنجومية تنحصر في الفنانات ميادة الحناوي، وأصالة، ورويدا عطية، مقابل نجومية صباح فخري، وجورج وسوف، ونور مهنا، وعلي الديك، وإلياس كرم، وسامو زين، بينما تنحصر النجومية النسائية في مصر في الفنانتين شيرين عبد الوهاب وأنغام، مقابل نجومية هاني شاكر، وعمرو دياب، وتامر حسني، ومحمد منير، ومحمد حماقي، ومحمد فؤاد، ومصطفى قمر، وإيهاب توفيق، وحمادة هلال، وهشام عباس، ومدحت صالح، وعلي الحجار. وفي الخليج، تبقى أحلام ونوال نجمتي الأغنية الخليجية بامتياز، بينما يتنافس على الأغنية الخليجية نجوم كبار أمثال أبو بكر سالم، ومحمد عبده، وعبد المجيد عبد الله، وراشد الماجد، ونبيل شعيل، وعبد الله الرويشد، وماجد المهندس، وحسين الجسمي.. وآخرين.

المخرج سيمون أسمر رأى أن «هناك مغنيات موجودات على الساحة ولكنهن لم «يقلّعن» حتى الآن، ولهن مجال آخر لكسب المال بعيدا عن الفن، ولن يعدن إليه، لأنهن لن يجنين من ورائه المبالغ التي يؤمنها المصدر الآخر، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الأخبار السيئة التي ترتبط بالفنانات، تجعل العائلات المحافظة، تمانع دخول بناتها المجال الفني، ولكنها تسمح لأبنائها الذكور بذلك.. إلى ذلك، فإن الفن مجال مكلف جدا وبإمكان الفتاة أن تعمل في المجال الذي تريده دون أن تتحمل الأعباء التي يكبدها إياها الفن، بينما الرجل لا يهتم لهذه، بل هو يعمل ويجاهد من أجل إثبات نفسه».

ولأن برامج الهواة تضم فتيات وأيضا شبانا يشاركون فيها على أمل أن يصبحوا نجوما في يوم من الأيام، يوضح أسمر: «هذا صحيح، ولكن بعد انتهاء البرامج يختفين عن الأنظار ولا أحد يعرف عنهن شيئا»، وعما إذا كان هذا الوضع ينطبق على سائر الدول العربية، يجيب أسمر: «الوطن العربي تحكمه العادات والتقاليد وظهور المرأة في الفن لا يزال أمرا صعبا. لو راقبنا برامج الهواة كبرنامج (Arab Idol) مثلا نلاحظ أن المشتركات هن من الشرق؛ أي من سوريا والأردن ولبنان، بينما نحن لم نرَ يوما مشتركة سعودية أو كويتية أو بحرينية أو عمانية في برنامج للهواة. في المقابل، هناك وفرة في المشتركات التونسيات والمغربيات وغياب للمشتركات الليبيات».

ويضيف أسمر سببا آخر لتفوق عدد المطربين على عدد المطربات؛ إذ يقول: «أصبح عدد (جمهور) النساء يساوي خمسة أضعاف عدد الرجال، وعادة تفضل الفتيات حفلات المطربين على حضور حفلات المطربات، ومن المعروف أن الجمهور النسوي هو الذي يطغى في الحفلات والمهرجانات الفنية».

متعهد الحفلات طوروس سيرانوسيان يرى أن غناء المرأة لم يكن في يوم من الأيام أمرا مرغوبا به، ولذلك فإن عدد المطربين الرجال يفوق عدد المطربات، ويتابع: «وعلى الرغم من أن الغناء اليوم يتطلب شكلا جميلا، فإن الرجال هم المسيطرون على الساحة الغنائية، لأنه مطلوب أيضا من الرجل أن يملك شكلا جميلا، ولكن بنسبة لا تتعدى 30 في المائة، أما النسبة الباقية، فتتوزع على الصوت واللحن وكلمات الأغنية. أما بالنسبة للمطربات، فإن نسبة من يملكن أصواتا جميلة لا تتعدى 10 في المائة، والباقيات يعتمدن على الشكل، والجمهور في الوطن العربي يتأثر بالشكل الجميل، لذلك تتجه المطربات إلى التجميل، لكي يصبحن مقبولات عنده، وما يحدث في العالم الفني غير مقبول على الإطلاق، لأنه أصبح مطلوبا من الفنانة أن تنفخ شفتيها وخديّها وأن (تتخلوع) على المسرح».

ومن خلال الحفلات التي يتعهد بإحيائها، يؤكد أن الرجال هم الأكثر طلبا: «جمهور الحفلات معظمه من الجنس اللطيف، وعادة المرأة هي التي تبادر وتطلب من زوجها حضور حفلة لراغب علامة أو شارل أزنافور، ولم أصادف يوما رجلا دعا زوجته لحضور حفل غنائي لمطرب معين، وإذا حدث، فالنسبة لا تتعدى 25 في المائة. وعادة تفضل النساء حضور حفلات المطربين الرجال، ولكن هذا الوضع لم يكن كذلك قبل 15 عاما. لبنانيا، كان الجمهور يتابع صباح وفيروز وسميرة توفيق لكي يسمع أصواتهن وليس لكي يراقب أشكالهن، وفي مقابل هؤلاء لم يكن سوى وديع الصافي، ولكن في العالم العربي، وتحديدا في مصر، كان عدد المطربين يفوق عدد المطربات، وما جعل الوضع يتغير في لبنان، هو كثرة عدد المطربين الرجال الذين دخلوا المجال وأثبتوا أنفسهم وحققوا النجاح. أما بالنسبة للفتيات، فلم يكن هناك وفرة في الأصوات الجميلة، وحتى بالنسبة للاتي يملكن أصواتا جميلة، لم تتح أمامهن الفرصة لفرض وجودهن على الساحة لأنهن لا يملكن أشكالا جميلة، ومن بين كل عشر مغنيات هناك مغنية أو مغنيتان من أصحاب الأصوات الجميلة، أما الباقيات، فلا يملكن سوى الشكل الذي يجذب الجمهور. ظاهرة هيفاء وهبي سببت كارثة على الساحة الغنائية في لبنان، فهي نجحت لأنها تتمتع بالذكاء وبجمال صوت لا يتعدى 50 في المائة، والنسبة الباقية تتوزع ما بين جاذبيتها على المسرح وعلاقاتها العامة القوية، ومن بعدها، صارت كل فتاة جميلة، سواء كانت عارضة أزياء أو ملكة جمال أو مذيعة تلفزيونية، تقول: (هيفاء وهبي لا تملك صوتا جميلا ولكنها نجحت، فلماذا لا أصبح مطربة مثلها) ولكن أي منهن لم تحقق الشهرة».

الفنان إحسان المنذر يرى أن الساحة الفنية منوعة بين الذكور والنساء وتضم مطربات ومطربين: «أعتقد أن عدد المطربات والمطربين في لبنان ومصر متساو، ولكن من حققوا نجومية خارج بلدهم هم من الرجال، أما بالنسبة للمجتمع الخليجي، فلكونه مجتمعا محافظا، فمن الطبيعي أن يفوق عدد المطربين عدد المطربات، وكلنا يتذكر ماذا حدث مع الفنانة وعد عندما هجم شقيقها على المسرح ليوقفها عن الغناء. أما بالنسبة للغرب، فما ينطبق على مصر ولبنان ينطبق عليه، إلا إذا استثنيا تجربة غناء الراب الذي يسيطر عليه 80 في المائة من الرجال، لأن هذا النوع الغنائي لا يناسب النساء».

الفنان روميو لحود رأى في سيطرة الذكور على الساحة الغنائية منحى إيجابيا: «هذا يؤكد أن الجمهور لا يتابع الأشكال الجميلة فقط، بدليل أن الرجال تحظى حفلاتهم بنسبة إقبال عالية»، كما يؤكد أيضا أن «النجاح لا يتوقف على الشكل الجميل بل على الصوت الجميل أيضا». وتابع لحود: «طبيعة العمل في الغناء لا تشجع على دخول المجال، لأنه يتطلب سفرا وغيابا عن البيت مما يجعل النساء يترددن قبل اقتحام المجال. بينما في السابق كانت النساء أكثر طلبا من الرجال للعمل في الفن، لأنهن أكثر تعليما ويجدن اللغات، ولكن هذا لا يعني أن المجتمع كان أكثر انفتاحا مما هو عليه اليوم، بل العكس هو الصحيح، ولكن لأننا مجتمع شرقي، فإن صيت المهنة غير مشجع بالنسبة للمغنيات، خاصة أن هناك فنانات يحاولن الوصول إلى النجومية عبر طرق لا علاقة لها بالفن».