السينما العربية وحب من طرف واحد في «كان»

كثير من الصخب و«التوك شو» وقليل من الأفلام والجوائز

مشاركة عربية متواضعة في الدورة 66 لمهرجان كان السينمائي
TT

الأربعاء القادم يفتتح مهرجان «كان» دورته رقم 65، وسوف تحضر السينما العربية هذه الدورة بقدر لا بأس به من الأفلام داخل المسابقة الرسمية وفي قسم «نظرة ما» وفي مسابقة الأفلام القصيرة.. إلا أن المشاركة العربية إجمالا لا تتوافق مع تاريخ السينما العربية ولا مع تلك الحفاوة السنوية التي يمنحها أغلب المهرجانات العربية لمهرجان «كان»، حيث إن مسؤولي مهرجانات القاهرة والدوحة وقرطاج وأبوظبي ودبي وغيرها تحرص على إقامة مؤتمر صحافي تعلن من خلاله عن فعاليتها القادمة.. كما أن الإعلام العربي يشارك بكثافة في التغطية الإعلامية، وفضائيات كثيرة تحيله إلى برنامج «توك شو» وتستضيف الفنانين العرب والأجانب وهم على السجادة الحمراء.

تبدو علاقة السينما العربية بالمهرجان طوال تاريخه حيث بدأ عام 1946 أشبه بالحب من طرف واحد، وهو أقسى وأشقى أنواع الحب.. حيث يسهر الحبيب يعد النجوم ويكابد اللوعة والسهاد بينما المحبوب لا يشعر به وربما أيضا مشغول بحبيب آخر.

هذا هو بالضبط حال السينما العربية مع مهرجان «كان» السينمائي.. محاولات لا تنقطع تطلب ود ووصال المهرجان بينما المهرجان لا حس ولا خبر.. هذه الدورة لنا حضور ملحوظ نسبيا بفيلم المخرج المصري يسري نصر الله «بعد الموقعة»، الذي يعرض داخل المسابقة الرسمية، كما أن المخرج المغربي نبيل عيوش يعرض فيلمه «أحصنة الله»، والمخرج الفلسطيني إيليا سليمان يعود إلى المهرجان بفيلم «7 أيام في هافانا»، وفي مسابقة الأفلام القصيرة تشارك سوريا بفيلم «في انتظار الصندوق»، والجزائر بفيلم «هذا الدرب أمامي».

كانت آخر مشاركة عربية لنا في العام الماضي بفيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي «هلأ لوين» داخل مسابقة «نظرة ما»، وفي «كان» 2010 كان لنا داخل المسابقة الرسمية الفيلم الجزائري «خارج عن القانون» للجزائري رشيد بو شارب. ولقد أثار هذا الفيلم وقتها غضب اليمين الفرنسي حيث تم حصار المهرجان من قبل المتظاهرين الذين رفضوا مشاركة الفيلم في المهرجان؛ حيث إنه يتعرض لمذبحة فرنسية في الخمسينات من القرن الماضي تعرض لها الشعب الجزائري وهو يناضل من أجل الاستقلال.

يسري نصر الله هو عنوان رئيسي للمشاركة هذا العام، حيث يعرض فيلمه في المسابقة الرسمية.. لم يكن فيلمه «بعد الموقعة» هو أول مشاركة له بالمهرجان، حيث إنه اشترك في القسم الرسمي ولكن خارج المسابقة بفيلم «باب الشمس» 2005.. ورغم أن يسري مصري وأن عددا كبيرا من الفنيين في الفيلم مصريون فإن الفيلم لا يحمل الجنسية المصرية، لأن الفيلم يحصل على جنسيته من خلال جهة الإنتاج، والفيلم شارك في إنتاجه أكثر من دولة مثل سوريا والمغرب وفرنسا ولبنان ولم تشارك مصر سوى بتوزيعه الداخلي بمصر.. ويسري شارك عام 1988 بأول أفلامه «سرقات صيفية» في قسم «أسبوعي المخرجين».. كان لنا حضور من خلال يوسف شاهين أيضا في الدورة التي أقيمت عام 2004 وتحمل رقم 57 من خلال فيلم «إسكندرية نيويورك»، حيث عرض في ختام قسم «نظرة ما»، وهو أحد الأقسام الهامة في مهرجان «كان».. وفي عام 1999 افتتح هذا القسم فعالياته أيضا بفيلم يوسف شاهين «الآخر».. يوسف شاهين هو صاحب أكبر رصيد، ليس فقط على مستوى السينما المصرية أو العربية ولكن العالم كله في عدد المشاركات، حيث بدأت رحلته مع المهرجان بفيلم «ابن النيل» عام 1952، ثم «صراع في الوادي» 1954، ثم «الأرض» 1970، وكل هذه الأفلام داخل المسابقة الرسمية، ثم شارك بـ«العصفور» عام 1974 في قسم «أسبوعي المخرجين»، ثم يغيب عشر سنوات ليعود عام 1985 بفيلم «وداعا بونابرت» ليعرض في المسابقة الرسمية، ثم عام 1990 «إسكندرية كمان وكمان» في «أسبوعي المخرجين»، وفي العام التالي 1991 يشارك أيضا في قسم «أسبوعي المخرجين» بفيلم «القاهرة منورة بأهلها»، ويتم اتهام يوسف شاهين بعد أن عرض هذا الفيلم بإهانة مصر وكشف عوراتها أمام الأجانب، ويتصدى يوسف شاهين لتلك الحملة التي أراد صانعوها أن يسقطوا عنه الجنسية المصرية.. وهكذا كان ليوسف شاهين حضوره في «كان» حتى لو قابل البعض هذا الحضور بالغضب.. والحقيقة أن الراحل يوسف شاهين يعتبر أحد كبار النجوم في «كان»، وتجد صورة له ليس فقط في مقر المهرجان ولكن حتى في شركة الطيران الفرنسية في «كان».. ورغم ذلك فقد كانت لنا مشاركات منذ نهاية الأربعينات وحتى منتصف الثمانينات بأفلام ليست من إخراج يوسف شاهين، أتذكر منها «دنيا» لمحمد كريم في أولى دورات المهرجان 1946، وأيضا «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف 1953.. وحرصت تحية كاريوكا على أن ترتدي الجلباب الذي شكّل طابعا مميزا لشخصية «شفاعات» التي أدتها في فيلم «شباب امرأة». ولم تكن هذه هي المشاركة الوحيدة للمخرج صلاح أبو سيف، حيث إنه اشترك أيضا بفيلميه «مغامرات عنتر وعبلة» ثم «الوحش».

المخرج أحمد بدرخان شارك بفيلم «ليلة غرام» بطولة مريم فخر الدين والمخرج كمال الشيخ.. وكانت له ثلاث مشاركات: «حياة وموت» 1955، ثم «الليلة الأخيرة» عام 1964، ثم اشترك بفيلم قصير اسمه «لغة الأيدي»، وهو من المرات القليلة التي أخرج فيها الشيخ أفلاما قصيرة.

في الثمانينات شارك عاطف الطيب عام 1985 بفيلم «الحب فوق هضبة الهرم» في قسم «أسبوعي المخرجين»، وحرص يوسف شاهين الذي كان يعرض له في نفس الوقت وفي المسابقة الرسمية فيلمه «وداعا بونابرت» على أن يحضر ليلة عرض فيلم عاطف الطيب الذي كان أحد تلاميذ شاهين.. وفي عام 1987 عرض المخرج محمد خان وأيضا في قسم «أسبوعي المخرجين» فيلمه «عودة مواطن».

ومن الواضح أن المشاركات تكاد تقتصر على يوسف شاهين باستثناءات قليلة، فهو الوحيد الذي يعرف بالضبط شفرة المهرجان، وليس معنى ذلك أن السينما المصرية لم تحاول أن تجد لنفسها مكانا خارج يوسف شاهين، حاولنا ورفضت أفلامنا تباعا!! وجود دول مثل المغرب وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين له ثقله الأكبر، وأكبر جائزة حصل عليها مخرج عربي كانت من نصيب محمد الأخضر حامينا الجزائري، الذي أخذ «الكاميرا الذهبية» عام 1967، وهي جائزة للعمل الأول عن فيلمه «ريح الأوراس»، ثم في عام 1975 حصل على أكبر جائزة يرصدها المهرجان وهي «السعفة الذهبية» عن فيلمه «وقائع سنوات الجمر»، وسبق للمخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي أن حصل فيلمه «خارج الحياة» على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 1991، وهي نفس الجائزة التي حصل عليها المخرج الفلسطيني إيليا سليمان عام 2003 عن فيلمه «يد إلهية»، كما أن الجزائري رشيد بو شارب حصل في 2005 على جائزة لأبطال الفيلم الرجال عن فيلمه «الوطنيون»! فلسطين لها أيضا مكانة في المهرجان قبل إيليا سليمان من خلال ميشال حليفي بفيلمه «نشيد الحجر» عام 1990 ورشيد المشهراوي بفيلمه الروائي الأول «حتى إشعار آخر» عام 1994، ثم بعد عامين شارك بفيلمه «حيفا».. تونس لها رصيد ضخم من المشاركات مع المخرجين نوري بو زيد بأفلامه الثلاثة «ريح السد» و«صفائح من ذهب» و«بيزنس»، والمخرجة «مفيدة التلاتيلي» عام 1994 التي شاركت بفيلمها الأول «صمت القصور» الذي لعبت بطولته هند صبري وكانت لا تزال طفلة. وسبق لفريد بو غدير أن شارك بفيلمه «الحلفاويين».. أما سوريا فلم يكن مهرجان «كان» يحمل لها أي جاذبية إلا قبل سبع سنوات عندما اشترك المخرج السوري أسامة محمد بفيلمه «صندوق الدنيا»، والغريب أنه يُعرض لها في مسابقة الفيلم القصير هذا العام أيضا فيلم يحمل اسم «الصندوق»! بين العالم العربي و«كان» حب من طرف واحد وشفرة يعرفها جيدا يوسف شاهين، ولم يسمح سوى لتلميذه يسري نصر الله بفك رموز هذه الشفرة، وربما تلميذه هو الذي فكها دون الرجوع لأستاذه.. فهل يستطيع يسري أن يقتنص هذه الدورة جائزة مثل أستاذه؟