الدراما العربية تعيش موضة المسلسلات الطويلة

على غرار التجربة التركية والفنزويلية والمكسيكية التي قطعت خطوات متقدمة فيها

TT

بعد النجاح الذي حققه مسلسل «روبي» والمسلسل الخليجي «بين الماضي والحب» في استقطاب نسبة عالية من المشاهدين في مختلف الدول الخليجية والعربية، يبدو أن الدراما العربية تتجه الفترة المقبلة نحو موضة المسلسلات التلفزيونية الطويلة. فبالإضافة إلى مسلسل «زي الورد» للمنتج صادق الصباح المؤلف من 120 حلقة، الذي سيباشر عرضه في بداية شهر رمضان المقبل، باشرت الكاتبة كلوديا مارشليان كتابة مسلسل درامي طويل لم يعلن عن عدد حلقاته تم الاتفاق عليه مع الشركة المنتجة، بالإضافة إلى مشروع مسلسل ثالث من النوع نفسه يتم التشاور حوله حاليا، كذلك أنجزت أيضا مارشليان كتابة مسلسل «أحمد وكريستين» الذي سيباشر تصويره عندما تنتهي الفنانة سيرين عبد النور من تصوير مشاهدها في مسلسل «روبي»، مما يعني أن الدراما العربية تعيش في مرحلة موضة المسلسلات الطولية التي تعرف بـ«سوب أوبرا» لتلحق بركب الدراما التركية والفنزويلية والمكسيكية التي قطعت خطوات متقدمة في هذه التجربة التي كان للكاتب شكري أنيس فاخوري تجربة ناجحة معها من خلال مسلسلي «نساء في العاصفة» و«العاصفة تهب مرتين» اللذين تقاسما بطولتهما الممثلة رولا حمادة والممثل فادي إبراهيم.

الممثلة تقلا شمعون التي شاركت في مسلسل «روبي» بدور «عليا» سوف تشارك أيضا في مسلسل «أحمد وكريستين» اعتبرت أن «هناك توجها في الدراما العربية لمنافسة الدراما التركية التي تعتمد التطويل»، وأضافت «ليس مستبعدا أن ندخل موضة المسلسلات الطويلة لكي نواجه اجتياح الدراما التركية، ويبدو أن المنتجين يفكرون في خلق نمط مشابه للمسلسل التركي، ولكن بنسخة عربية. ولقد سبق للدراما اللبنانية أن عاشت موضة مماثلة قبل عدة سنوات، جاءت كنتيجة لاجتياح المسلسل المكسيكي المدبلج، إلا أنه لم يكتب النجاح لكل التجارب، لأن هذا النوع من الأعمال يحتاج إلى (نفس طويل) ومقدرة على جذب الجمهور لفترة غير قصيرة، ولقد استطاع الكاتب شكري أنيس فاخوري أن يتفوق في هذا النمط من المسلسلات، بينما لم يكتب لمسلسلي (شارع الكسليك) و(شارع الأيام) النجاح. أي أننا بوصفنا لبنانيين كنا سباقين في هذه التجربة ثم توقفنا، وأتمنى أن يوفق المنتجون العرب اليوم في مسعاهم في إنتاج المسلسل الطويل». الأصداء تشير إلى أن «روبي» تفوق على الدراما التركية، وتقول شمعون: «كل الذين الناس الذين أصادفهم يؤكدون أنهم يتابعون (روبي) أكثر مما يتابعون (فاطمة)، ولكن لا أحد يمكن أن يضمن ما إذا كانت المسلسلات التي سوف تنتج في المستقبل ستحقق تفوقا كالتفوق الذي تحقق مع (روبي)، الذي نجح بجذب الجمهور لفترة طويلة وبإيقاع سريع».

ويبدو أن المسلسل العربي الطويل لم ينجح بمنافسة المسلسل التركي فقط، بل وأيضا المسلسل العربي القصير، «هذا أمر طبيعي»، كما توضح شمعون، وتضيف: «بل هو قضى عليه، لأن إدمان المشاهد على المسلسل يجعله يتغاضى عما سواه من برامج ومسلسلات، في حين أنه إذا تابع مسلسلا قصيرا فبإمكانه العودة إلى المسلسل الطويل ومتابعة أحداثه، بمجرد انتهاء عرض المسلسل القصير. أعتقد أن نجاح الدراما الطويلة شكل خطورة على المسلسلات القصيرة، ولا أعتقد أن المنتجين يمكن أن يفكروا بعد اليوم في إنتاج مسلسلات يقل عدد حلقاتها عن 30 حلقة».

لكن شمعون لا ترى تميزا في المسلسل الطويل يجعله فنيا أفضل من المسلسل القصير، وتقول: «الأمر له علاقة فقط بالطلب على الدراما وبإدمان الجمهور على متابعتها، والمسلسلات الطويلة تؤمن له فترة مشاهدة على المدى الطويل، بينما المسلسل المؤلف من 15 حلقة ينتهي خلال أسبوعين والمسلسل المؤلف من 30 حلقة ينتهي خلال شهر واحد. في المقابل فإن المسلسلات الطويلة عرضة للوقوع في المطبات، لأن المشاهد قد يتخلى عنها بسهولة إذا لم يحبها. ولكنني، بوصفي ممثلة، أفضل مسلسل الـ30 حلقة، لأن قصته مقتضبة وإيقاعه سريع، شرط أن يتم عرض 3 أو 4 حلقات منه أسبوعيا، لكي ينال حقه».

الممثلة ندى أبو فرحات تؤكد أيضا أن الدراما العربية تعيش موضة المسلسلات بسبب تأثير الدراما التركية التي جعلت الناس يتسمرون في بيوتهم، وتقول: «يكفي توفر الإنتاج الجيد والممثلين الأكفاء و(بيمشي الحال). ونحن نعرف وضعا مماثلا عاشه اللبنانيون مع مسلسل (نساء في العاصفة) ومسلسل (العاصفة تهب مرتين) لأن هذه النوعية من المسلسلات تولد علاقة حميمة بين الممثل والمشاهد، فيشعر وكأنه يعرفه ويريد متابعة أخباره، حتى حلقات الإعادة، لا يخفت وهجها عند المشاهد، بل هو يتابعها بحماس لا يقل عن حماسه عند مشاهدة العرض الأول. المسلسل الطويل حول الممثل إلى ضيف يزور الناس يوميا في بيوتهم».

أبو فرحات التي قللت من أهمية تأثير المسلسل الطويل على زميله القصير، أضافت: «ولكن إذا توقف الناس عن متابعة المسلسلات ذات الحلقات المحدودة، فأنني أرى أن من الأفضل أن يتم تحول تحويل رؤوس الأموال التي كانت ترصد لها إلى إنتاج (التليفيلم)».

وعن الأسباب التي جعلت من «روبي» مسلسلا ناجحا ومتفوقا على الدراما التركية، توضح أبو فرحات قائلة: «لأن قصته تشبهنا، مستوحاة من مجتمعنا العربي، فيه جمال، وتمثيل جيد، وتصوير راق، وإيقاعه سريع ويجمع بين ممثلين من جنسيات ولهجات عربية مختلفة، وهذه الناحية أضفت الكثير من الغنى عليه، كما يجب أن لا ننسى أن القصة جميلة جدا وأسلوب الكاتبة كلوديا مارشليان أكثر من رائع، هذا عدا عن أن الإنتاج كريم جدا. لا شك أن الدراما التركية شجعت على التوجه إلى الإنتاج الدرامي العربي، وكان لا بد من العودة إلى اللغة العربية، لأن تأثيرها على المشاهد يكون أكبر».

لكن أبو فرحات لا ترى أن كل مسلسل طويل ناجح بالضرورة، وتقول: «القصة الجيدة هي التي تحدد مصير العمل سواء كان قصيرا أم طويلا، كما أن التسويق الجيد له يؤمن له الرواج. وأنا ضد التقليد حتى لو لم أكن ممثلة، ولا أحبذ أن يتم استنساخ التجارب الناجحة، بل الأفضل أن تحافظ كل تجربة على خصوصيتها، وأن تقدم إلى جانبها، تجارب أخرى ناجحة، ولكن مختلفة تجذب المشاهد إليها، ولا شيء يمنع من أن نعمل من أجل صناعة سينمائية ناجحة ومسرح ناجح، من أجل النهوض بلبنان ثقافيا».

كاتبة مسلسل «روبي» كلوديا مارشليان أوضحت أنها إلى جانبه كتبت 29 مسلسلا قصيرا يتراوح عدد حلقاتها بين الـ9 حلقات والـ15 حلقة، قالت: «إذا أنتجنا مسلسلا طويلا فهذا لا يعني بالضرورة أننا نعيش موضة أو عصر المسلسلات الطويلة، ولكن هذا النوع من الأعمال معروف ومنتشر في كل أنحاء العالم، وكان لا بد من أن خوض هذه التجربة. نجاح (روبي) شكل حافزا عند المنتجين الذين طلبوا مني كتابة المزيد من المسلسلات الطويلة، ليس لمجرد كونه مسلسلا طويلا فقط، بل أيضا بسبب إعجابهم بالنص والحوارات التي كتبتها، بالإضافة إلى إعجابهم بالممثلين، وبخاصة أنه تبين لهم أن لبنان يضم مكونات درامية جيدة». ورفضت مارشليان مقولة أن نجاح المسلسل التركي كان الحافز الذي حرض على إنتاج مسلسلات عربية طويلة، وقالت: «نحن نقدم فنا معروفا ومنتشرا في كل العالم. المسلسل الطويل ليس جديدا على لبنان، ونحن تعرفنا عليه منذ أيام المسلسل المكسيكي (أنت أو لا أحد) الذي أحدث ضجة كبيرة، حتى إن أبطاله زاروا لبنان، وأطلقت أسماؤهم على الأطفال الذين ولدوا في تلك الفترة، فلماذا لا يقال إن الأتراك هم من قلد التجربة المكسيكية أو سواها من التجارب المماثلة. الأتراك قدموا هذه الصناعة بتأن وبمستوى جيد إنتاجيا، واليوم قرر العرب تقديمها، وبما أننا قادرون على إنتاج مسلسلاتنا العربية الطويلة فلماذا نستمر في متابعة الأعمال المدبلجة؟!».

من ناحية أخرى رأت مارشليان أنه من المبكر جدا الحديث عن منافسة بين المسلسل العربي والمسلسل التركي، قائلة: «رصيدهم يضم مئات المسلسلات الطويلة ونحن لا يوجد في رصيدنا سوى مسلسل واحد، ولا بد من التركيز على هذه التجربة، وتوفير إنتاجات ضخمة لها، لكي تستمر بجذب المشاهد وعندها يمكن أن ننافس الأتراك دراميا. أما بالنسبة إلى مسلسل (روبي) فهو يحظى بنسبة مشاهدة عالية ومثله المسلسل التركي (فاطمة)، ولكننا نحن العرب معتادون على عرض العضلات وإذا فزنا بميدالية ذهبية واحدة طوال حياتنا، ندعي أننا متفوقون على كل الناس، وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق. نحن لا نزال في مرحلة البدايات، وأنا أطمح في المستقبل بأن تصبح هذه المحاولة أكبر وأهم وأكثر انتشارا. ولكن ما أنا متأكدة منه، هو أن مسلسل (روبي) أحدث خرقا كبيرا جدا من حيث نسبة الحضور، كما شكل تحديا لا يستهان به، خصوصا أنه الأول من هذا النوع، بل هو تحول إلى ظاهرة فنية، وهذا الأمر يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز، ولكنني لا أستطيع أن أدعي أكثر مما هو عليه الواقع».

وعددت مارشليان الأسباب التي أسهمت في تفوق مسلسل «روبي»، قائلة: «لأن هناك إيمانا بأنه يجب أن ينجح، الإنتاج مدروس وصحيح، المخرج جيد جدا، الممثلون أكثر من رائعين، القصة جذابة ولافتة، الناس أحبوا الشخصيات والحوارات والأداء ووجدوا أن الممثلين يتكلمون نفس لغتهم، وتعرفوا على شوارع لبنان وقصصا موجودة في كل بيت. أي أنه توفرت فيه كل العناصر التي جعلت الناس تحبه وتتعلق به، وهذه العناصر يجب أن يتوفر أيضا في كل المسلسلات المقبلة. ولقد باشرت بكتابة مسلسل طويل جديد، ووقعت عقدي مع أديب خير صاحب شركة (سامة برودكشن)، كما أننا بصدد التشاور في إنتاج مسلسل ثالث طويل أيضا».