كلوديا مارشليان: «روبي» ليس مقياس نجاحي

الكاتبة اللبنانية: المسلسل يتضمن علاقات غير مقبولة في المجتمع العربي ولكنها موجودة

كلوديا مارشليان
TT

ترفض كلوديا مارشليان أن يقال إن مسلسل «روبي» قد جعل منها الكاتبة الأولى عربيا: «لا يمكنني أن أدعي أنني الكاتبة الأولى عربيا أو لبنانيا، بل أنا كاتبة تحاول أن تقدم تجربة.. تضيف إلى الدراما العربية، طالما أنا موجودة على قيد الحياة. لست من النوع الذين يعتبر أنه في المرتبة الأولى كلما نجح له عمل، ولو كنت كذلك لكان وضعي مختلفا في لبنان، لأن مسلسل (روبي) لا يعد نجاحي الأول، بل كل أعمالي؛ من بينها (سارة)، و(لونا)، و(باب إدريس)، و(غلطة عمري) وسواها نجحت وأحدثت ضجة في لبنان، وهذا الأمر لا أحب أن ألغيه من تجربتي. أنا أفكر بأنني الأولى في لبنان، لكن لا أسمح لنفسي بالتفكير بأنني الأولى عربيا. صحيح أن مسلسل (روبي) حقق انتشارا واسعا عربيا، لكنني لا أستطيع أن أعيش شعور (الكاتبة الأولى عربيا) في وجود عدد كبير من الكتاب العرب المهمين والمعروفين. لا أعرف ماذا يمكن أن أحقق في المستقبل أو ماذا حققت سابقا، ولكنني لا أحب تصنيف نفسي، بل أفضل أن أظل في موقع المنافسة، لكي يظل الحافز موجودا في داخلي، لأن من يعتقد أنه الأول ولا يعترف بالآخرين يفقد طموحه، وأنا أحب المنافسة لكي أستمر في تقديم الأفضل».

مارشليان ترفض تحديد أسماء منافسيها وتوضح: «ربما أشاهد مسلسلا لكاتب جديد وأجده مبدعا وأقول إنه منافس لي. ثمة كتاب مهمون جدا في لبنان وأعتبرهم أساتذة لي، ولكنهم مبتعدون حاليا عن الشاشة، من بينهم شكري أنيس فاخوري، وكذلك منى طايع ومروان نجار، بالإضافة إلى أسماء جديدة دخلت عالم الكتابة أخيرا كالممثل طارق سويد. لكي تفتح الأبواب أمام المسلسل اللبناني، يجب أن تتوفر باقة من النصوص الجيدة لمجموعة من الكتاب اللبنانيين، وإذا أحب العرب أعمالي، فهذا لي لا يعني أنه يجب أن تنحصر التجربة فيّ وحدي، لأنني لن أستفيد شيئا».

نجاحها المدوي هل يعني أنها تفوقت على أستاذها؟ تجيب مارشليان: «عندما يكبر الإنسان في السن وفي التجربة لا تستمر علاقته بالأستاذ مجرد علاقة تلميذ بأستاذه، بل هما يتحولان إلى زملاء، بمعنى آخر لا يظل الأستاذ أستاذا بالنسبة إليه. الفن بكل أنواعه حالة من العطاء والموهبة والإبداع، والإنسان عندما يكون تلميذا لا يبزر كل ما عنده، وعندما ينطلق إلى الحياة يبرهن على حجم إبداعه وعندها تنهي (قصة الطالب والأستاذ)، ربما يقدم عملا مبدعا، ومثله قد يقدم الأستاذ عملا مبدعا أو أقل إبداعا، ولكن إذا لم يتفوق التلميذ على أستاذه، فإنها (مصيبة)، تماما كما يحصل في علاقة الولد بأهله، لأن الولد عندما يرضى تماما عن أهله، فهذا يعني أن هناك مشكلة ما، والمفترض أن يعترض كل جيل على الجيل الذي سبقه، لكي يتقدم إلى الإمام».

وتفسر مارشليان الطلب على نصوصها أكثر من سواها من الكتاب: «السبب الأساسي يعود إلى نوعية النص الذي أكتبه، فأنا أركز على التجارب الإنسانية أكثر من تركيزي على الأحداث، بينما في المسلسلات الأخرى يمكن أن نشاهد أحداثا شيقة ولا نشاهد أناسا و(كاراكتارات). أنا أفضل التركيز على الكاراكتارات، لأنني أعتبر أن الحوارات بين الناس هي التي تجذب المشاهد. التلفزيون لم يعد صندوق فرجة، والناس لن تنتظر عملا لتعرف الأحداث التي يمكن أن تحدث فيه، بل هي تنتظر تفاعل الشخصيات بعضها مع بعض، وهذه الناحية أساسية في نصوصي، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الأحداث».

مارشليان التي تتهم بالجرأة في أعمالها والتي تقول عادة عنها إنها تعكس واقع المجتمع اللبناني، أكدت أنها لم تبذل مجهودا لكي لا يبدو نصها جريئا في مسلسل (روبي) وتضيف: «بل هو النص الأكثر جرأة مقارنة مع نصوصي الأخرى، لأن بطلته إنسانة شريرة بالنسبة إلى الناس، وهذا الأمر كان من الممكن أن يتسبب في رفضهم لها. المشاهد العربي معتاد على فكرة البطلة المظلومة والمقهورة، أما (روبي) فجسدت شخصية المرأة المريضة والمعقدة، وهذا النوع من الجرأة أهم من الجرأة التي تقتصر على الشكل. لا شك أن المسلسل يتضمن أيضا علاقات ربما لا تكون مقبولة في المجتمعات العربية، ولكنها موجودة في الواقع. مهما كان مستوى الجرأة التي أقدمها في أعمالي، فهي لم تكن يوما جرأة تدعو إلى الخجل والاشمئزاز، حتى عندما طرحت موضوع علاقة التلميذة بأستاذها في أحد مسلسلاتي، فإن الراهبات طلبن من التلميذات مشاهدة العمل، لأنهن اعتبرن أنه يمكن أن يستفدن منه. هناك نصوص تكون أقل جرأة ولكن أكثر سفاهة في المعالجة، وأنا أحرص على أن تكون معالجتي راقية وفي الوقت نفسه تطرح مشكلات جريئة وخطيرة».

وردت مارشليان على الذين يتهمونها بغزارة الإنتاج: «مطبخي الخاص، وسواء انتهيت من عملي خلال شهر واحد أم استغرقت أشهرا عدة، فإن هذا الأمر يعود لي وحدي، وما يهمني هو كيف يصل إلى الناس. أنا مع كل نقد يتهمني بكتابة نصوص مكررة ومن دون قيمة، ولكن لا أسمح لأحد بأن ينتقدنني لمجرد أنني أكتب بغزارة، لأن هذا الأمر يتعلق بي وحدي. لذلك أنا أطلب من كل من يرى تكرارا في أعمالي بسبب سرعتي في الكتابة، أن ينتقدني وأنا سأتقبل نقده بكل رحابة صدر، ولكن ما دام إيقاعي في الكتابة سريعا وما دام كل عمل جديد يحقق نجاحا أكبر من الذي سبقه، فهذا يعني أن هذا الإيقاع يناسبني. أنا أتميز بغزارة الأفكار، وبغزارة التنفيذ وبسهولة الكتابة، وربما هذه المواصفات ليست متوفرة عند الآخرين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنني أهم منهم».

وتنفي مارشليان أن تكون تهمة غزارة الإنتاج تزعجها: «ولماذا تزعجني! هي ليست مذمة؛ بل حسنة كبيرة جدا ليست متوفرة عند الآخرين، بل وتميزني عنهم. لكنني أتعجب لماذا يأخذ هذا الأمر كل هذا الوقت من اهتمام الصحافة، وبدل أن يسألونني عن هذا الموضوع بشكل لائق، يقررون من تلقاء نفسهم أن هناك من يكتب بدلا مني، أو أنني أسرق من غيري. وأنا أعد الجميع بأنني لا يمكن أن أسلم في يوم من الأيام نصا إذا لم أكن راضية عنه تماما، وعندما يصبح إيقاعي في الكتابة بطيئا، فليس باليد حيلة؛ إذ لا شيء يجبرني أن أفعل شيئا رغم أرادتي. أنا سعيدة بنفسي وأنا أقدم ما أراه مناسبا لي ولأفكاري ولكيفية تنفيذها. لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحصل في المستقبل؛ إذ ربما أقلع عن الكتابة نهائيا، أو ربما أكتفي بكتابة مسلسل واحد سنويا. أنا أعيش اللحظة ولا أفكر في الغد، وحتى الآن لم أُُخذل على الإطلاق».

هل تعتبر نفسها ظاهرة في الكتابة؟ تجيب مارشليان: «كلا أنا لا أعتبر نفسي كذلك، ولكن إذا كان هناك من يجدني ظاهرة، فلا شك أنني سأفرح كثيرا وسأفكر في ما إذا كنت فعلا كذلك. ربما هذا الكلام صحيح، لأنه لم يسبقني أحد في الكتابة الغزيرة وكذلك في الوصول إلى الناس».

وتتحدث مارشليان عن السياسة التي تعتمدها لتحقيق التوازن بين الشقين المادي والإبداعي للمهنة: «هذا الأمر موجود في كل دول العالم المتحضرة، ولا أفهم لماذا نحن العرب نفصل بين المهنة والإبداع. هل هناك مبدع في العالم المتطور يعمل في مهنة أخرى إلى جانب عمله؟ في الخارج يجنون مليارات الدولارات من وراء عملهم ويقومون بجولات على الرغم من أن المليون دولار لا تعني لهم شيئا، مثلا شارل أزنافور سوف يحيي حفلا في لبنان وهو لا يزال يعيش من وراء مهنته التي يعمل فيها منذ سنوات طويلة، والتي لا يزال يبدع فيها. المشكلة أننا نمتهن وظيفة لكي نعيش منها، أما الإبداع فيظل مجرد هواية عندنا، ولذلك نحن لا ننجح أبدا. المبدع يجب أن يعيش من موهبته، ويمكن القول إن المبدع يحترم موهبته، وهي تبادله الاحترام عندما يستطيع أن يبني بيتا من ورائها، طبعا إذا تعاطى معها بشكل إبداعي بعيدا عن التنازلات. أنا أتحدث عن موهبة حقيقية وواضحة يسخر الإنسان في سبيلها كل طاقاته وشغفه لأنها مهنته التي يجب أن يعبر من خلالها عن كل ما في داخله قبل أن ينتهي مشواره في الحياة. أي كاتب في العالم المتحضر، لا يملك الوقت الكافي، لكي (يحك رأسه) لأنه يمضي يومه في الكتابة، وأنا لا أعتقد أن أنجلينا جولي تشعر بالخجل لأنها تتقاضى أجرا لقاء التمثيل، بل هي وسواها يملكون مليارات من وراء مواهبهم. وأنا أتشرف لأنني لم أعمل في هذه الحياة سوى في المجالات التي لها علاقة بموهبتي، ولو تمكنت من إنجاز عمل واحد سنويا، كما أفعل اليوم، فإنني أستطيع أن أعيش من ورائه ولا مشكلة عندي في ذلك. ولا شك أيضا أن التقدير والتطور المعنوي وكذلك المادي مهمان جدا بالنسبة لأي مبدع».

وتتحدث مارشليان عن طقوسها الخاصة عند الكتابة: «أفضل الكتابة نهارا أي عندما تكون الحياة في أوجها، ولست من النوع الذي ينام نهارا ويكتب ليلا، لأنني أجد نفسي في حركة الناس وتنقلاتهم وأحاديثهم وفي أصوات السيارات، شرط أن أكون في بيتي وفي المكان نفسه الذي توجد فيه طاولتي.. حاسوبي وأغراضي، كما أنني أضيء شمعة أمامي. الليل أفضله لحياتي الخاصة، للقاء الناس، ومتابعة التلفزيون، والقراءة، ولمشاهدة الأفلام والأعمال المسرحية».

وتنفي مارشليان اعتزالها التمثيل وتفرغها للكتابة: «المشكلة تكمن في الوقت، ولكن عندما تسنح الفرصة للمشاركة في دور (صغير ومهضوم)، أقبل به كما حدث في (باب إدريس) وفي الجزء الثاني من مسلسل (أجيال). ولكن هذا لا يعني أنني أحب الكتابة أكثر من التمثيل، لكن الكتابة مجالها أرحب، كما أن الإقبال علي كاتبة لا يمسح لي بالمشاركة بأدوار كبيرة تمثيليا».