الفنانون يستغفلون عقول الجمهور بالجوائز الفنية

يدفعون مبالغ طائلة لشرائها.. والشركات تدعم أوهامهم

TT

حولت الجوائز الفنية على كثرتها ساحة الفن في الوطن العربي إلى ساحة للحروب والنزاعات والعداوات بين الفنانين، وتأتي جائزة «World Music Award»، التي تمنح للمطربين الأكثر مبيعا خلال العام، في مقدمة الجوائز التي تشغل بال الفنانين وتفكيرهم، لأنها تصنف من بين الجوائز العالمية المهمة التي يسعى معظم المطربون لنيلها، على الرغم من التأكيدات بأنها «جائزة مدفوعة»، حتى إن البعض منهم حدد قيمة المبالغ التي طُلب منهم دفعها للجهة المنظمة لها لقاء الحصول عليها. فالفنان حسين الجسمي مثلا رفض شراءها في عام 2006، بعد أن عرضت عليه بمبلغ بمليون دولار، ومن ثم تراجع المبلغ إلى 700 ألف دولار، ووصل إلى 300 ألف دولار، بينما أكدت شيرين عبد الوهاب أنها لن تشتري أبدا جائزة «ميوزيك أوورد» ولو بثلاثة جنيهات مصرية، مشيرة إلى أنها سبق أن تم عرضها عليها مقابل 300 ألف دولار لكنها رفضت ذلك. أما نوال الزغبي فأكدت أيضا رفضها شراءها، مشيرة إلى أنها ترفض الجائزة المدفوعة وتقبل بتلك التي تقدم كتقدير معنوي وفني لها، كما أكدت أن الكثير من الفنانين يدفعون أموالا طائلة للحصول على «ميوزيك أوورد»، وسبق أن رفضت عرضا من الشركة الراعية للحصول على لقب الجائزة مقابل 50 ألف دولار، بينما كانت الجائزة نفسها سببا مباشرا لهجر وائل كفوري لشركة «روتانا» قبل عدة سنوات قبل أن يعود إلى أحضانها هذا العام، وهو الذي طالبها قبل عدة سنوات بأحقيته في الحصول عليها، إلا أن الشركة لم تقدم حينها نسبة مبيعات ألبومات فنانيها والأرباح التي حققتها، فغضب كفوري وقرر مغادرتها وفتح النار عليها، إلى أن دخلت إليسا على الخط وقامت بمصالحة الطرفين.

ومن المعروف أن الفنان عمرو دياب فاز بهذه الجائزة أربع مرات، ولكن الخلاف الذي حصل بينه وبين مدير أعماله عمرو عفيفي واعترافه بأنه اشترى الجائزة للنجم عمرو دياب، وتأكيده لذلك من خلال الوثائق التي يحملها، تسبب في تقليل مصداقيتها عند الجمهور. أما إليسا فلقد فازت بالجائزة نفسها ثلاث مرات، بينما فازت بها نانسي عجرم مرتين، المرة الأولى عن ألبومها «بتفكر في إيه» والثانية عن ألبومها الأخير «نانسي 7»، أما لطيفة ففازت بها مرة واحدة.

وبعيدا عن جائزة «World Music Award» يتنافس الفنانون على جوائز عالمية أخرى، كجائزة «Mtv Video Music Award» التي فاز بها الفنان جو أشقر عن أغنيته «دخل الغنوج»، الذي لمح عند تسلمه لها في حفل أقيم في برلين، وفي إشارة منه إلى أن الجوائز الأخرى يتم شراؤها، إلى أنه سعيد بهذه الجائزة العالمية التي تعتمد على تصويت الناس فحسب والمشهود لها بالمصداقية والتي فاز بها كل من شاكيرا وبيونسي وغيرهما من مشاهير العالم.

وقد برزت في السنوات الأخيرة جائزة تعرف بـ«بيغ أبل ميوزيك أوورد» الأميركية، وجائزة «فنان العام» في أفريقيا التي تنافس عليها عمرو دياب وتامر حسني أكثر من مرة، وغيرها من الجوائز الأخرى.

في لبنان يتنافس الفنانون على جائزة «الموركس دور» التي يقاطعها عدد لا بأس به منهم؛ لأنهم يعتبرون أنها مدفوعة وتسيرها الوساطات والمصالح الشخصية، فالفنان معين شرف يقول: «حتى إنني لم أتلقَّ يوما دعوة للمشاركة في الحفل الذي يخصص لها، وليس لتسلم أي جائزة، ولا أعرف السبب، ولعل القيمين عليها لا يعترفون بي في الأساس كفنان. ولكنني أعرف جيدا كيف تسير الأمور عندما يتعلق الأمر بالجوائز الفنية، ولقد عرضت علي جائزة (الميوزيك أوورد) كما على الفنان حسين الجسمي الذي أخبرني بنفسه بذلك، ولكن أسعارهم خيالية، أي أنها جائزة مدفوعة، ولا أعرف في مثل هذه الحالة ماذا يمكن أن تضيف إلى الفنان جائزة يعرف أنه دفع ثمنها، وهل يمكن أن يقتنع بينه وبين نفسه بها، ولكن يبدو أنه يجب تخصيص رصيد لثمن الجوائز وليس لتوزيعها».

ولأن جائزة «الميوزيك أوورد» عالمية ومن فاز يعتبر نفسه فنانا عالميا، يجيب شريف: «لم يعد هناك مجال للضحك على الناس، الكل اكتشف أنها لعبة ومدبرة، ولذلك أنا أعتبر أن مثل هذه الجوائز تهين الفنان بدل تكريمه. وما حصل عند توزيع جائزة (الموركس دور) يؤكد ذلك على الرغم من أنهم زينوا الجائزة بـ(شوية تصاريح) وأحضروا فنانين من الخارج ودفعوا وتكلفوا على الحفل».

الفنان هادي شرارة أكد أن المحسوبيات هي التي تتحكم بالجوائز الفنية في لبنان، قائلا: «هي جوائز (مركبة تركيب) وتشبه لبنان، أما بالنسبة للجوائز العالمية كجائزة (الميوزيك أوورد) فهي أيضا مدفوعة، لأنه لا يوجد فنان عربي منتشر ومعروف في أوروبا أو أميركا، وليس هناك سوق لبيع أعمال أي فنان عربي، بينما هذه الجائزة مخصصة للفنانين الذين يحققون أعلى نسبة مبيعات في العالم، أي أن الفنان يجب أن يبع في 30 دولة حول العالم أكثر من 10 آلاف (سي دي) أو 100 ألف (سي دي) لكي يفوز بالجائزة البلاتينية أو بالجائزة الذهبية، وعندنا لا يوجد بيع، بل كل شيء (نهب وسرقة) ولا توجد دولة عربية واحدة تحمي الحقوق الفكرية أو الأداء المعنوي للفنان، ولذلك تشترى الجوائز كما يشترى أي شيء آخر، وهي أصبحت (للوجاهة) والاستعراض، ولا يوجد فنان عربي واحد فاز بجائزة (الميوزيك أوورد) معروف عالميا، ومن يشتري أعماله هم أبناء الجالية العربية في الخارج. كثيرا ما نسمع الفنانين العرب يرددون أنهم قاموا بجولات في أميركا وهم في الحقيقة يغنون في مطاعم للجاليات العربية، حتى الذي يغنون في (الألبرت هول) فإنهم يغنون أيضا لأبناء الجالية العربية».

من ناحية أخرى تحدث شرارة عن المراحل المختلفة التي مرت بها جائزة «الميوزيك أوراد» والمبالغ التي كانت تدفع لقاء الحصول عليها، قائلا: «في زمن شركتي (E.M.I) و(B.N.J) كان يبلغ ثمنها 30 ألف دولار، وفي زمن شركة (عالم الفن) أصبح الثمن بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار، وأنا لا أريد أن أتهم أحدا بكلامي ولكننا لم نصل حتى اليوم إلى السوق العالمية. والذي يشتري هذه الجائزة هو في الحقيقة فنان فاشل، لأن الناجح لا يقبل على نفسه شراء الجوائز، ومن يستحق أي جائزة لا يشتريها أبدا، لأنه يعرف أنه استحقها بعمله الناجح وتعبه وجهده، ليس بالمال الذي يدفعه».

ميشال الفتردياديس أوضح أنه «عندما يحصل في الخارج تلاعب في الجائزة تتدخل الجهات المعنية للتحقيق في الموضوع، بينما عندنا كل شيء يمر. الفنان يجب أن يكافأ بناء على مستواه الفني، وليس لأنه دفع المال، أو لأنه تربطه علاقة بالقيمين على الجائزة. في كل مرة يفوز فنان بجائزة (الميوزيك أوورد) لا نسمع سوى احتجاجات، لا تقدم ولا تؤخر ولا تغير أي شيء في الموضوع. ومن وجهة نظري يجب الطلب من الجهات المعنية، كوزارة الثقافة أو النقابات الفنية، إجراء تحقيق شفاف للفصل في هذا الأمر وإجلاء الحقيقة، لأنه لا يجوز أن يستمر الوضع على هذا النحو، لأن كل طرف يطرح الموضوع من وجهة نظر معينة ولا تعكس سوى مصلحته. شخصيا رفضت الكثير من دعوات التكريم والجوائز التي عرضت على الفنانين الذين أنتج أعمالهم.. لأنهم عندما يكرمون فنانا عريقا يخططون بعد أسبوع من أجل تكريم فنانة تغني منذ 5 أيام، ولذلك من الأفضل أن يظل الفنان بعيدا عن هذه الجوائز والتكريمات، بخاصة أن هناك 6000 جائزة وكلها بلا معنى».

الفنانة باسكال مشعلاني، عند الاستفسار عن رأيها في الجوائز ردت جازمة: «لقد كرهت الجوائز، إذ بمجرد أن ينال الفنان جائزة معينة فإن السؤال الأول الذي يوجه إليه: هل هي مدفوعة الثمن مسبقا؟ هذا الأمر يطال كل الجوائز وليس جائزة بعينها، هذا عدا الوساطات التي تسيطر على توزيعها ودون أدنى شك، ربما لذلك لم تعد تهمني الجوائز، وأفضل جائزة يمكن أن أرحب بها كفنانة هي عندما أقدم أغنية يحبها ويرددها الناس».

وعن رد فعلها تجاه عدم نيلها لجائزة عالمية أسوة ببعض الفنانين والفنانات قالت باسكال: «تكفيني جائزة ماليزيا، لأنها الأهم بين كل الجوائز العالمية، هذا عدا تلك التي حصلت عليها من كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج. وأنا لا أعتبر نفسي مظلومة لأنني لم أحصد (الموركس دور) أو (الميوزيك أوورد)، لأنهما لا تعنيان لي شيئا، وبالنسبة لي فإن الجمهور هو الجهة الوحيدة التي يهمني تكريمها. إذا قدموا لي جائزة فسوف أقول لهم شكرا، وإذا لم يفعلوا (بيكونوا عميان)، أو قد يعانون من مشكلة ما في حياتهم».

الفنانة ورد الخال أكدت أن لا علاقة لها بالجوائز الفنية، قائلة: «لا أجد نفسي فيها ولا أنتمي إليها، وأقصد بكلامي جائزة (الموركس دور) وسواها من الجوائز. أحيانا أشعر أنني أعمل في مصنع للحديد، ولا علاقة لي بكل ما يحصل في الفن. ثمة من يعتقد أنني أقول هذا الكلام لأنني لم أنَل جائزة، وهذا غير صحيح، لأن موقفي لم يتغير منذ سنتين وهو لن يتغير أبدا. ولماذا أغيره؟ هل من أجل أن يمنحوني جائزة؟! أنا لا أريدها. لقد فقدت الثقة بالجوائز لأنها مبنية على المحسوبيات، وهي تستحق أن يقال عنها جوائز ترضية وليس جوائز تكريمية. في كل سنة تكرر الأسماء نفسها، وكأن الفنانين الذين يكرمون يتنافسون مع أنفسهم وليس مع سواهم من الفنانين. وبصراحة أنا لا أعرف (هني أبطال على شو) لأن الجيدين منهم أصبحوا خارج الجوائز».

وتابعت ورد: «صدى أعمالي أقطفه من الناس، فهل أنتظر تكريمهم؟! أعمالي تتحدث عن نفسها. وأنا أريد أن أسأل: هل الفنانون الذين يحصدون جوائز هم فنانون حقيقيون؟ بالطبع لا، لأن هناك فنانين وكتابا ومخرجين في بيوتهم (يسخرون) من كل ما يحصل، وأنا أشعر بأسف لأن بعض الفنانين ممن اعتذروا في العام الماضي عادوا وجلسوا على طاولة (الموركس دور) هذا العام. أنا لا أعمل في الفن من أجل الجوائز والتكريمات، مع أنني أعرف أن كثيرين غيري يفعلون ذلك، كما أعرف أيضا أن هناك من يتصل بالقيمين على جائزة (الموركس دور) ويكيلون لهم الشتائم عندما يعرفون أنها ذهبت لغيرهم. لم يعد هناك كرامة».