«الشرق الأوسط» في كواليس مسلسل «عمر»

العمل في المجمل تاريخي وليس فانتازيا تاريخية لذا فإن الموضوعية مطلوبة وضرورية

الإبداع في الماكياج يكمن في الحرفية العالية وإظهار الشخصية بشكل طبيعي دون المبالغة في رسم معالمها («الشرق الأوسط»)
TT

لعل المقدمات الضخمة التي سبقت زيارة موقع تصوير مسلسل «عمر» كانت مجحفة بحق هذا الإنتاج الدرامي الأضخم في تاريخ الدراما العربية والتلفزيون الحديث في المنطقة. في البداية تم اعتبار الأمر كلاما تسويقيا يهدف إلى الترويج للعمل منذ مراحل إنتاجه الأولى، ولكن الحقيقة كانت أضخم حتى من الترويج، وعلى الرغم من زيارتنا عددا من مواقع تصوير الدراما في مختلف أقطار العالم العربي، فإن زيارة موقع تصوير مسلسل «عمر» وضعتنا أمام تجربة إنتاجية عالمية بحق.

مجموعة من «بلاتوهات» التصوير منها المغلق ومنها المفتوح، مدن تاريخية ببيوتها الرملية وأزقتها الضيقة وإشارات مرور داخلية ترشدك إلى الطرقات. ورشة الإكسسوارات، ورشة الماكياج، ورشة الملابس، استديو 1 واستديو 2 وغيرها... بدأ مشوارنا من داخل أحد المستودعات المغلقة، استديو 1. من الخارج ينتمي البناء لفئة الأبنية الصناعية من القرن العشرين، ومن الداخل مجلس ودار عمره ما يزيد على ألف عام! كل ما فيه يتكلم بلغة تاريخية ساحرة تعود بنا إلى أزمنة لم نعرفها ولا تنتمي إلى يومنا هذا، من مفروشات وأقمشة وإضاءة وإكسسوارات وتحف وتماثيل.. ولا يكدر صفو هذا الجو التاريخي سوى فريق الإنتاج الذي ينتمي إلى مستقبل صناعة الدراما في العالم العربي، وعلى رأسه المخرج السوري حاتم علي. لم تدم زيارتنا إلى هذا «الهنكار» التاريخي طويلا، فلأسباب إنتاجية وجدنا أنفسنا خارج «التاريخ» نتبع الإشارات الطرقية متجهين من ورشة عمل إلى أخرى.

* ورشة الملابس

* لم تكن عملية تصميم وتنفيذ الملابس والأزياء في مسلسل «عمر» بالأمر السهل، فقد كان الهم الأول والأخير لفريق الإنتاج، والفريق المحترف العامل على تصميم الأزياء، هو نقل تلك الحقبة التاريخية بأمانة، فالعمل يتناول حقبة زاخرة بالوقائع والأحداث المؤرخة بدقة، ولكنها غير موثقة بشكل دقيق أو مفصل لناحية نمط الحياة، كأشكال الملابس ونوعيات الطعام وغيرها. وبعد قيام الفريق الخاص العامل على تصميم الأزياء في العمل بدراسة ما توفر من مراجع عن تلك الحقبة، عمد للبحث الدقيق عما يناسب تلك الحقبة من ألوان وقصات وأنواع أقمشة خاصة، حيث اعتمدت الخطوط العريضة لناحية القصات المتبعة والألوان، فالعمل في المجمل تاريخي وليس فانتازيا تاريخية، لذا فإن الموضوعية مطلوبة وضرورية. وفي هذا السياق، تم اختيار الأقمشة من مصادر مختلفة، كالهند وتونس وسوريا وباكستان وغيرها، وبوجه خاص الأقمشة المطرزة من الهند وباكستان.. أما بالنسبة للخامات الأخرى فقد اعتمدت الخامات البيضاء التي جرى صبغها في موقع التصوير، حيث جاء التصور الأولي الذي وضع للألوان بعيدا عن الخامات والألوان المتوفرة في السوق حاليا، الأمر الذي جعل عملية التعتيق أمرا لا مفر منه.

وبعد مرحلة البحث واختيار الخامات والألوان المناسبة، تأتي مرحلة التنفيذ، حيث عمل فريق تصميم الملابس المكون من 39 شخصا على الإشراف على عملية حياكة الملابس واختيار الإكسسوارات المناسبة لها، من جلديات وأحذية ومجوهرات وغيرها. وعموما فقد كانت عملية تنفيذ الملابس هي الأصعب بالنسبة للفريق، حيث كانوا يقومون بصبغ الخامات وحياكة الملابس داخل ورشة في موقع التصوير الأول في سوريا، ومن ثم شحنها إلى مواقع التصوير المختلفة. وبالنسبة للشخصيات الرئيسية، فقد قام الفريق المتخصص بتصميم عدد من الملابس والإكسسوارات التي تتناسب مع المشاهد والمراحل المختلفة. أما الجهد الأكبر فكان في تنفيذ ملابس الكومبارس، حيث توجب على الفريق تنفيذ آلاف القطع للمقاتلين في المعارك من ثياب وأحذية وغيرها.

* عملية شاقة

* رصدت جهة الإنتاج ميزانية كبيرة، وكان القرار أن يتم تصنيع كل الملابس والإكسسوارات خصيصا للعمل، فلم يلجأ فريق الإنتاج إلى استئجارها أو شرائها من مصادر أخرى على الرغم من الحاجة إلى أعداد كبيرة وكافية للكومبارس في العمل، وخاصة خلال المعارك التي قام بتنفيذها متخصصون بتأدية المعارك في الأعمال التلفزيونية والسينمائية العالمية.

غرفة الملابس في موقع التصوير أشبه بخزانة ضخمة نظمت بطريقة علمية وعملية لتضم ملابس الشخصيات الرئيسية مرتبة بحسب المشاهد والديكورات، فملابس كل شخصية موضوعة في مكان خاص بها، ولدى فريق تصميم الملابس فهرس خاص لكل شخصية بحسب أرقام المشاهد ومكان التصوير وتاريخه. ثم يقوم فريق تصميم الملابس بتحضير الثياب الخاصة بالشخصية خلال الأسبوع الواقع فيه تصوير هذا المشهد أو ذاك، ويتم التقاط الصور للشخصيات، للمحافظة على ديكورات العمل.

* الإكسسوارات.. فريدة

* عادة ما تتحكم الميزانيات الإنتاجية المرصودة لعمل ما بنوعية العمل وجودته، ولعل التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها المشاهد الجالس أمام الشاشة في بيته، هي ما يشكل الفارق الكبير في تميز عمل درامي ما عن غيره من الأعمال الأخرى. وتأتي الإكسسوارات ضمن هذه التفاصيل. لذلك جهدت جهة الإنتاج في أن تعطي الموضوع أهمية كبرى، فبدلا من استعمال ما قد تم تصنيعه سابقا من رماح وأسهم وسيوف وتروس وهوادج وأقواس وأعلام وتماثيل وغير ذلك، تم اللجوء إلى تصميم إكسسوارات جديدة كليا، وتصنيع كميات كبيرة منها تراوحت بين مئات الهوادج والتماثيل إلى عشرات آلاف الرماح والسيوف والأقواس وغيرها.

ورشة تصنيع الإكسسوارات كغيرها من الورش الموجودة في موقع التصوير في دمشق، تعج بالفنيين الذين يصممون وينفذون تلك الإكسسوارات، معتمدين على دراسة تلك الحقبة التاريخية وما توفر من مراجع عنها. أسلحة من زمن غابر تتمتع بتصاميم متنوعة وشعارات خاصة، بعضها للجيوش الإسلامية وبعضها الآخر لجيوش أخرى ستظهر في العمل.

لقد أدرك فريق الإنتاج أن تصميم وتصنيع الإكسسوارات هو ما سيسهم بشكل أساسي في جمالية الصورة، ليتميز بذلك العمل عن غيره، وهو ما وضع الفريق أمام تحد تمثل بعاملي الكلفة والوقت.. وبدلا من اختيار ما هو متوفر في الأسواق من إكسسوارات موجودة، أراد الفريق أن يسهم في صناعة تميز هذا العمل. وفي هذا السياق، بدأت عملية تصميم الإكسسوارات بدراسة الحقبة التاريخية وانتهت بتكديس هذه الإكسسوارات في صناديق الشحن لنقلها إلى مواقع التصوير، مرورا بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة الأخرى. ولعل إحدى أهم المراحل هي مرحلة التعتيق، حيث إن هذه الإكسسوارات من أسلحة وتماثيل ودروع وهوادج وأسرجة الأحصنة وغيرها هي جزء لا يتجزأ من الديكور، وبالتالي من التاريخ المفترض للعمل، وهي عرضة لعوامل الطبيعة والزمن، ولا يمكن أن تظهر على الشاشة كما لو كانت جديدة أو غير مستخدمة سابقا، وهنا برز التعتيق مجددا كأمر لا مفر منه.

* الماكياج

* تولى شؤون الماكياج في العمل فريق اختصاصي يعد واحدا من أفضل خمسة فرق على مستوى العالم في التلفزيون والسينما. وقد جرى رسم ملامح الشخصيات من خلال الاستعانة بالوصف الدقيق للشخصيات الذي زود به المخرج حاتم علي والكاتب الدكتور وليد سيف فريق الماكياج، معتمدين على المراجع المتوفرة التي وصفت هذه الشخصيات التاريخية شكلا ومضمونا. وفي هذا السياق، بدأت المرحلة الأولى بتحديد ملامح الشخصية، حيث اعتمد فريق اختصاصيي الماكياج على ما توفر من المراجع لرسم معالم الشخصيات. وفي الأعمال التاريخية الإسلامية عموما، يكمن السر في تحديد شكل اللحية والشعر، وهو العنصر الرئيسي في الماكياج والعامل الأصعب بالنسبة للممثلين الرجال الذين يشكلون الغالبية الكبرى في العمل. قد لا تكون المعطيات المتوفرة عن هذه الشخصية أو تلك كافية لتحديد ملامحها، غير أن فريق الماكياج يعمد إلى رسم الشخصيات واختيار القصات وأشكال اللحى بما يتناسب مع الشخصية والممثل في الوقت عينه، لذا فلا بد لفريق الماكياج أن يكون ملما بطبيعة الشخصيات وطباعها وأدوارها في العمل.

زيارتنا لموقع التصوير، وبالتحديد ورشة الماكياج، كانت بمثابة تجربة جديدة لنا، فما بين تفحص مكونات تلك الغرفة الكبيرة أو «الورشة»، وما بين مراقبة فريق اختصاصيي الماكياج وهم يعملون على «حياكة» لحية ما، وقفنا مذهولين أمام هذه الحرفة التي لا تحظى بحقها في عالم صناعة الدراما في عالمنا العربي. صور الديكورات تغطي جانبا من حائط الغرفة، وقسم خاص «لحياكة اللحى» من الشعر الطبيعي، ومرآة كبيرة تعج بعشرات الاختصاصيين يهتمون بتركيب اللحى للممثلين ووضع لمسات الماكياج الخاصة بكل شخصية. وقفنا نراقب أحد اختصاصيي الماكياج وهو يقوم بحياكة إحدى اللحى بعناية ودقة كبيرة شعرة شعرة، لتبدو على وجه الممثل طبيعية وكأن الممثل قد قام بإطلاقها منذ أشهر أو سنوات خصيصا من أجل العمل. علمنا أنه في البداية، جرى الاتفاق مع فريق اختصاصيي الماكياج على حياكة 150 لحية، ولكن جهة الإنتاج ارتأت لاحقا أن تزيد العدد إلى 500 لحية، الأمر الذي تطلب جهدا وموارد أكثر من مضاعفة.. ولكن جهة الإنتاج حرصت دائما على عنصر الجودة، ما جعل من مهمة فريق اختصاصيي الماكياج أكثر من شاقة، فاضطروا للعمل على مدار الساعة. وبحسب ما أفادنا به أحد اختصاصيي الماكياج في الموقع، فإن بعض الأعمال الدرامية والسينمائية ذات الميزانيات المحدودة تستخدم لحى تبدو غير طبيعية البتة، بل تكاد تسقط عن وجوه الممثلين أثناء المعارك! وتلك الطريقة التجارية ينقصها عنصر الاحتراف، وهو ما لا يتناسب بطبيعة الحال مع فريق الإنتاج أو فريق اختصاصيي الماكياج العالمي الذي تم التعاقد معه. فالمسلسل يتناول حقبة تاريخية مهمة ولا يمكن التعامل معه إلا بكثير من الدقة والحرفية والتفاني.

قد يظن بعض فنيي الماكياج العاملين في المسلسلات أو الأفلام التاريخية على وجه التحديد، أن الإبداع يكمن في المبالغة في إظهار معالم الشخصية أو تشوهاتها الخلقية، ولكن في الحقيقة الإبداع يكمن في الحرفية العالية وإظهار الشخصية بشكل طبيعي دون المبالغة في رسم معالمها، مع مراعاة عامل الزمن وأثره الطبيعي على الشخصية لناحية ظهور علامات التقدم في العمر وأثرها على الوجه والشعر واللحى. وبما أن العمل تاريخي وفيه الكثير من المعارك، فهناك دور آخر لفريق اختصاصيي الماكياج، وهو استخدام مؤثرات خاصة لإظهار الإصابات في المعارك، ومن ثم المحافظة على هذه الإصابات التي تترك أثرا في جسد أو وجه هذه الشخصية أو تلك، ومن ثم متابعة مراحل شفاء الجرح والتئامه أو تحوله لاحقا إلى ندبة تلازم الشخصية خلال حلقات العمل. ومما لا شك فيه أن الماكياج يلعب دورا رئيسيا في الصورة وإبراز العمل بشكل طبيعي وحقيقي، ليزيد من قيمته الفنية والتاريخية والجمالية. ولعل العوامل الإنتاجية والميزانية الكبيرة المتاحة لـ«عمر» وفرت له جوا إنتاجيا عالميا يجعله يجد طريقه إلى القارات الخمس ويحجز له مكانا على قائمة الإنتاجات العالمية الكبرى.

* نافذة:

* معلومات إنتاجية من مسلسل «عمر»:

* كتب النص: الدكتور وليد سيف.

* أخرج العمل: المخرج السوري حاتم علي.

* استمر التصوير لمدة 10 أشهر و18 يوما.

* تألف فريق الإنتاج وحده من 229 فنيا و322 ممثلا من 10 دول مختلفة.

* فاق عدد الكومبارس الذين عملوا في المسلسل 20 ألفا.

* تمت الاستعانة بعشرة آلاف مقاتل في المعارك.

* اشتمل العمل على 7500 حصان، و3800 جمل، ومئات الفيلة.

* 14200 متر من الأقمشة استعملت لحياكة الملابس.

* تم إنتاج ما يزيد على 7550 حذاء.

* تم إنتاج 1970 سيفا، 1970 درعا، 4000 سهم و4000 قوس، 1700 رمح، 137 تمثالا، 137 قطعة فخارية، 10 آلاف عملة معدنية.

* تم إعادة بناء مدينة مكة على مساحة 12000 متر مربع في مراكش، لتضم 89 منزلا خارجيا، وتم بناء 29 من بيوت مكة (داخليا) على مساحة 5000 متر مربع في دمشق.

* قام بتنفيذ المؤثرات البصرية شركة «BUF» في باريس، وهي الشركة التي قدمت مجموعة من أضخم الأعمال الهوليوودية مثل «سبايدرمان» و«ماتريكس» و«ثور» و«أفاتار» و«هاري بوتر» وغيرها.