يحيى الفخراني: مسلسل «الخواجة عبد القادر» جمع بين البساطة والعمق وقدمته بأسلوب شيق

قال لـ «الشرق الأوسط»: جسدت الإسلام المعتدل عن قصة حقيقية لرجل غربي

يحيى الفخراني
TT

نجح الفنان يحيى الفخراني كعادته خلال شهر رمضان في جذب الجمهور العربي لعمله الدرامي «الخواجة عبد القادر»، فقد أضاف بعفويته وتلقائيته كفنان قدير أبعادا من الألفة والحميمية، أثرت العمل وزادته عمقا وجمالا، وكعادته آثر الفخراني أن يقدم دوره في المسلسل بأسلوب شيق، حقق نوعا من الانسجام الفريد مع حبكة درامية للعمل لا تخلو من الحرفية المتقنة، فنجح «الخواجة عبد القادر» في إيصال مفاهيم روحية وتجسيد صراع الإنسان مع نفسه في أخلاقه ومبادئه ودينه، كما أوصل رسائل دينية وأخلاقية وإنسانية في منتهى التركيب والتعقيد بكل بساطة إلى عامة الناس.

في حواره مع «الشرق الأوسط» يوضح الفخراني كيف دخلت شخصية الخواجة عبد القادر بطريقة غير مباشرة في عمق أزمة المجتمع المصري التي يعيشها الآن، من خلال تناوله الصراع الدائم بين التعصب والمسالمة، والتحالف بين رجال الدين وأصحاب النفوذ.

كما تحدث عن دافعه لتقديم نموذج للإسلام الحقيقي الذي يخاطب المشاعر والوجدان قبل أي شيء، نافيا ترويجه للمذهب الصوفي خلال المسلسل.

ويتطرق الفخراني خلال الحديث إلى كيفية استعداده لتقديم شخصية الخواجة بكل تفاصيلها الدقيقة، وجلسات العمل التي جمعته بمؤلف العمل عبد الرحيم كمال، وكذلك شكل التعامل الأول في الدراما مع نجله مخرج المسلسل شادي الفخراني، بينما رفض أن يقوم بتقييمه، على اعتبار أن شهادته ستكون مجروحة تاركا الحكم للنقاد.

في حواره أيضا ينتقل الفخراني للحديث عن الوضع السياسي في مصر، لافتا إلى أنه لا يؤمن بعمل الفنان في السياسية، كما تحدث عن زيارته من قبل للرئيس السابق حسني مبارك ضمن وفد الفنانين قبل الثورة، مؤكدا أنه كان ضد فكرة توريث حكم مصر لنجله. وهذا نص الحوار:

* كيف جاءت فكرة العمل الدرامي «الخواجة عبد القادر»؟

- فكرة السيناريو لم تأتِ بالمصادفة، لكن هذا الفكرة راودتني منذ فترة زمنية، وخاصة في هذه الأيام التي نعيش فيها الآن، حيث أصبحنا عرضة للأفكار الدينية المتشددة على عكس ما تربينا عليه، وقد تم عرض العمل علي منذ ثلاث سنوات من الكاتب عبد الرحيم كمال ولكني رفضته، والرفض جاء لأن الملخص الذي قدمه لي المؤلف كان عبارة عن قصة حب ما بين رجل وسيدة، وقلت له لو جسد هذا العمل فنان أصغر مني سنا فسيكون أفضل، ولكن عبد الرحيم أقنعني أن الموضوع ليس قصة الحب فقط، فطلبت منه يكتب الملخص مرة أخرى ويظهر الخطوط الدرامية، وفي الوقت نفسه عرض علي مسلسل «شيخ العرب همام»، وكانت معالمه واضحة فوافقت عليه في الحال، ثم عرض الكاتب «الخواجة عبد القادر» مرة أخرى بخطوط واضحة، فوافقت عليها وقلت للمؤلف الفكرة صعبة وشائكة، ثم قمنا بعمل جلسات عمل على السيناريو مع نجلي مخرج العمل شادي، والحمد لله حتى الآن ردود الفعل على المسلسل مطمئنة.

* ما الذي دفعك للسعي إلى عمل يتحدث عن الدين المعتدل؟

- الأفكار المستوردة المتزمتة التي تسعى إلى التطرف، لذلك كنت أبحث عن نموذج للإسلام الحقيقي الذي يخاطب المشاعر والوجدان قبل أي شيء، لا ما نراه هذه الأيام من صور مستحدثة لم نعرفها عن الإسلام، وما تربيت عليه منذ الصغر، وكيف علمني والدي الدين بسلاسة بعيدا عن الإجبار، خاصة أني لا أنتمي لأي مذهب.

* لماذا تم تقديم عمل يتحدث عن الإسلام المعتدل بشخصية رجل غربي وليس شرقيا؟

- اعتاد الجمهور دائما أن شخصية الخواجة تكون ثانوية، لا شخصية رئيسية، وكان الأفضل دراميا أن يكون رجلا غربيا كي يتحدث عن ثقافة الشرق؛ فالشرق هو مهد الحضارات ولديه إحساس عال، أما الغرب فهو مادي أكثر، وأيضا القصة حقيقة لرجل خواجة اعتنق الإسلام ولا فرق إذا كان غربيا أو شرقيا؛ فالدين لا يعترف بذلك، وتعمدت أن يكون الرجل ملحدا بلا ديانة بعيدا عن أن يكون مسيحيا، كي لا أتهم أني أوجه دعوة للمسيحيين إلى الإسلام، وأبرزت إلحاده في أكثر من مشهد.

* ألم تكن مغامرة تناول أكثر من حقبة زمنية مختلفة في الدراما؟

- كنت خائفا من تأثير ذلك على المشاهدين، ولكن شعرت أن وجود حقب زمنية مفيد للدراما لكي نعلم بداية الحكاية وإظهار الأفكار مرورا على أحداث في كل حقبة، والترابط الدرامي واضح من خلال أحداث في إنجلترا والسودان ومصر، فالعمل يناقش روحانيات وعقائد ورسائل كثيرة حتى إنني ركزت على أن هذه الرسائل إلى الأطفال، وبعيدا عن التركيز على أي مذهب أو خط ديني واضح.

* ألم تقلق من الهجوم على إبراز «الأضرحة والمقامات» في العمل؟

- لم أخف، فظهور الأضرحة في الأحداث كان لها مبرر، حيث إننا عشنا وتربينا على ذلك، وقد أوضحنا في العمل أنه عند زيارة هذه الأضرحة وهذه الأماكن تكون لناس نحبهم ونقتدي بهم ولكننا لا نعبدهم.

* فكر المذهب الصوفي واضح في الأحداث، ألا تخشى من اتهامك بالدعوة إلى المذهب الصوفي؟

- لم أدع إلى الصوفية، ولكن المذهب الصوفي فيه خيط قريب من الإسلام المعتدل، والإحساس الروحاني نفسه، بجانب أن مؤلف العمل صوفي ووالده هو الذي حكى له حكاية «الخواجة عبد القادر» وهي قصة حقيقية، ويوجد له مقام في السودان، لكن النسيج الدرامي مختلف بعض الشيء عن الحقيقة حتى خلال الأحداث، حيث إنه عندما اعتنق الإسلام اعتنقه بقلبه وليس بعقله، حتى عند التحضير للشخصية لم أقرأ في الصوفية ولم أجلس مع أحد صوفي كي لا أشوش على فكر «الخواجة عبد القادر»؛ فهو لا يعرف ما هي الصوفية، لكن في الوقت نفسه أبرز العمل حقائق كثيرة عن الصوفية ولكن بعيدا عن الشخصية التي تدور حولها الأحداث.

* هل تعتبر مسلسل «الخواجة عبد القادر» دعوة ضد التعصب الديني؟

- بالتأكيد، ودعوة ضد التعنت بالرأي، والإسلام دعانا إلى أن نؤمن بالآخر، وكذلك المذاهب، لا بد أن نترك كل شخص أن يتعرف على الدين بطريقته ويحبه، ولكن التعصب سمة أساسية لدى الإنسان من الممكن أن يتعصب حتى يموت، والتعصب الذي نراه في كرة القدم أكبر دليل على ذلك، وأنا قابلت ذلك على المستوى الشخصي، فأهلي طلبوا مني في وقت من الأوقات ترك الفن على الرغم من أنهم يحبون أعمالي، وعلى الرغم من أنني بعيد عن أي أدوار فجة، لكنهم عادوا وتراجعوا عن هذا بعد خسارتهم في شركات توظيف الأموال الإسلامية.

* كيف استعددت لتقديم شخصية «عبد القادر»؟

- كل عمل يحتاج إلى مجهود ولا يوجد شيء سهل وآخر صعب، لكن كثرة أماكن التصوير هي التي أتعبتني، وكذلك التفاصيل الدقيقة في شخصية الخواجة، التي كانت تحتاج إلى تحضير جيد، كما قمنا بكثير من جلسات العمل؛ فكان لا بد أن أساعد المؤلف في تكوين الثقافة الإنجليزية للشخصية، ومؤلف العمل ليست لديه دراية كافية بالثقافة الإنجليزية، فهو رجل صعيدي، فساعدته في عمل الحوار كي يظهر بشكل صحيح وواقعي، وأيضا اتفقنا أنا والمؤلف والمخرج أن يكون الحوار باللغة العربية الفصحى بعيدا عن اللغة الإنجليزية مراعاة للطبقات المختلفة من الجمهور، وحتى لا يفقد الجمهور التواصل مع العمل، بينما عندما يكون في السودان أو مصر ويتعلم اللغة العربية، سيظهر هذا في التحدث باللهجة سواء السودانية أو الصعيدية، وقد تعلمت اللهجة السودانية بالجلوس مع سودانيين.

* ألا ترى أن العمل يتحدث إلى الفئة النخبوية بعض الشيء؟

- منذ بداية عرض أولى حلقات المسلسل جاءتني ردود فعل مشابهة إلى ذلك، وهذا أزعجني لأن العمل يتحدث إلى عامة الشعب، ولكن بعد مشاهدة عدة حلقات تم تغيير هذه الفكرة، حيث لا يوجد شيء في الفن اسمه نخبوي، ولكن أحيانا المتفرج يستسهل ولا يحب أن يركز في العمل، وأعتبر أن الأصدق في رد الفعل هو الإنسان البسيط، لأنه يبدي رأيه بتلقائية شديدة دون تفكير، فـ«الخواجة» قدم بحرفية شديدة وهذا سبب نجاحه، والعرض الرمضاني يعتبر نوعا من «البروموشن» للعمل، والأعمال التي تستمر وتنجح هي الأعمال التي تعرض بعد رمضان ويتابعها الجمهور بشكل أفضل، بدليل أنني تأتيني ردود فعل على أعمال لي سابقة تم عرضها منذ عدة سنوات.

* وصفك بعض النقاد في هذا العمل بالمؤدي وليس الممثل، هل يزعجك هذا الوصف؟

- لم يزعجني على الإطلاق، وأعتقد أنه لو انتاب الجمهور إحساس أن الفنان يمثل فإنه بذلك قد فشل، أما الذي يدخل في الشخصية ويقنع الناس بسهولة فقد نجح، والجمهور هو الحكم الفاصل في ذلك.

* ما شكل التعاون الأول بينك وبين نجلك المخرج شادي في أولى تجاربه الدرامية؟

- هذه كانت أمنية دفينة لديه منذ التحق بمعهد السينما في أوائل التسعينات، وعلى الرغم من تأخر هذه الخطوة فإن الفرصة سنحت عندما أعجب شادي بنص «الخواجة عبد القادر»، وحينها هو الذي قرر التعاون معي، لكن أرفض تقييمي له، فشهادتي ستكون مجروحة، وأترك الحكم للنقاد، ولكن ردود الفعل التي جاءتني من المتخصصين تؤكد أن العمل إخراجيا متميز، وشادي كان على عاتقه هم كبير في اختيار الأماكن واستبدال أماكن بأماكن أخرى كتصوير مشاهد السودان في مصر وليس في السودان نتيجة الظروف التي تمر بها السودان، والحمد لله أننا انتهينا من تصوير أحداث المسلسل في الموعد، حيث كانت هناك صعوبات في التصوير وضيق في الوقت نتيجة كثرة أماكن التصوير.

* هل اختلف شكل التعاون مع نجلك عنه مع مخرجين آخرين؟

- كنت مرتاحا جدا مع شادي في العمل، والعمل من أفضل مسلسلاتي إخراجيا، حيث كان بيننا حوار مشترك وكنا نفهم بعضنا بسهولة ولا نحتاج إلى الحديث كثيرا، وهذا طبيعي لأن التعامل في النهاية بين أب وابنه، وللعلم فشادي يشبهني كثيرا في العمل، فهو يمشي على خطاي في أشياء كثيرة، وهو من رشح لي سولاف معمار لمشاركتي في هذا العمل؛ فهو يأخذ خطا بمفرده بعيدا عن أي مدارس.

* تعمل في الدراما التلفزيونية منذ بداية السبعينات، فلماذا التركيز فيها بكل هذا القدر؟

- أتمنى أن أعمل في السينما وكنت في وقت من الأوقات بطلا في السينما، ولكني اشتغلت في التلفزيون مبكرا، وقد هاجموني كثيرا على هذا، وقالوا بأنني تركت السينما واتجهت إلى التلفزيون، وأن هذا يحرق الممثل في السينما، لكني كنت أمشي وراء إحساسي الشخصي.

* ما رأيك في الأحداث السياسية التي تعيشها مصر حاليا؟

- ليست مفهومة لكن شكلها غير مطمئن، لكني أتمنى أن يكون الشيء غير المطمئن يؤدي إلى شيء أفضل منه، لكن لا بد أن يبتعد المواطن عن الحديث في السياسة ويسعى إلى عمل دوره والاجتهاد في عمله، ولا ينظر لمن حوله، فحتى الآن التيار الإسلامي المهيمن على الحكم لم ينفذ وعوده، فهو يقول شيئا ويفعل عكسه تماما، لكن أعتقد أن الشعب أصبح لديه الفهم الكافي لكي يحدد مصيره، فهو على وعي كاف ويعرف أن كل شيء يأتي على «رأسه». وعندما جلست مع نفسي وسألتها سؤالا: ماذا لو قام الرئيس السابق مبارك بعمل تغيير شامل منذ خمس سنوات في كل المؤسسات؟ هل كانت ستقوم الثورة على الرغم من عمل تغيير حقيقي؟ والإجابة كانت لو كان الموضوع مدعوما بأياد خارجية كانت ستقوم الثورة لا محالة، ونحن نكتشف كل يوم أن هناك أيادي خفية كتدخل أميركا.

* هل ندمت لزيارتك السابقة لمبارك ضمن وفد الفنانين قبل قيام الثورة بأشهر قليلة؟

- لا يوجد لدي أي شيء ضد مبارك ولكني كنت ضد التوريث، وهي المرة الوحيدة التي قابلته فيها في حياتي، ولدي قناعة شخصية أن لا يقترب الفنان من أي سلطة، كنت أحب الرئيس الراحل السادات لكني لم أقابله ولا مرة، وكان يوجد إلحاح شديد منه لمقابلتي، حتى إنه في إحدى المرات قال لي المتحدث الرسمي باسمه هل تريد السادات أن يكلمك بنفسه؟ فقلت له الأمر لا يستدعي، وحدث هذه المرة الإلحاح لمقابلة مبارك، فقررت أن أذهب وفي رأسي سؤال واحد: هل هذا الرجل يريد أن يورث ابنه الحكم فعلا؟ وفور وصولي سألته بكل صراحة فرد سريعا: «مش هيبقى ولا هيكون ذلك»، ولم أشعر بأنه كاذب، وكل من حوله أكدوا ذلك.

* لو طلب منك أن تؤدي دور مبارك في عمل فني فهل توافق؟

- ممكن أوافق، لكني لن أكون بطل العمل فبطل العمل الحقيقي سيكون الولد وليس الوالد أي شخصية جمال مبارك، فهو الابن الذي أضاع أو ساهم في انهيار والده، ولا أحد يستطيع أن ينكر أنه في عصر مبارك كانت إدارته ضعيفة وكانت هشة، وقد أبرزت ذلك في «شيخ العرب همام»، فسألت نفسي سؤالا: هل الحاكم يجب أن يكون قويا أم محبوبا أم طيبا أم شريرا؟ لكن اكتشفت أنه من الممكن أن يوقع بالحاكم أقرب الأقربين: حاشيته أو أهله، حيث من أوقع بشيخ العرب هو ابن عمه، فالسياسة مهنة عكس مهنة الفنان، وأنا لا أومن بعمل الفنان في السياسة، فالممثل يمثل دورا ويجسده بمنتهى الصدق، أما الممثل الجيد فأصعب شيء عليه هو أن يكذب، ولكن السياسي لا بد أن يكذب.

* هل تحدثت مع الفنان عادل إمام أثناء أزمته؟

الحقيقة ليس عندي رقم تليفونه، لكن زوجتي لميس جابر قامت بكتابة مقال عن أزمته وأعجبني كثيرا، ولكن كلنا وراءه، وكان لدي إحساس قوي وكنت على يقين أن القضية ستنتهي، فلم أقلق على عادل إمام، وقد كانت لدي نفس القضية، فقد اتهمت أثناء عرض فيلم «للحب قصة أخيرة» مع معالي زايد في منتصف الثمانينات بازدراء الأديان، وكان ذلك مع بداية ظهور الجماعات الإسلامية، وتم حفظ هذه القضية وتمت محاكمة رئيس النيابة؛ حيث اكتشف أنه من الجماعات الإسلامية.

* هل أنت قلق على الفن؟

- لست قلقا على الفن، فلا خوف عليه، بدليل نسبة المشاهدة العالية عن كل عام، فهذا يدل على أن الشعب شعب عنيد، وشعب لا يؤثر فيه أي شيء ولا يهتم بأي كلام هو لا يقتنع به.