سينما

TT

* الـ«سي آي إيه» والسينما

* من مؤسسة تحمي أميركا إلى وكالة تقتل عملاءها

* سينفرد فيلم «أرغو»، الذي قدمنا تقريرا عنه قبل أسابيع قليلة، هذا العام بكونه الوحيد الذي يمنح «وكالة الاستخبارات الأميركية» (CIA) وجها مشرقا بين كل الأفلام التي تناولتها في السنة الحالية ومن بين الأفلام القليلة التي عاملت هذه المؤسسة على نحو إيجابي في السنوات العشر الأخيرة على الأقل.

«أرغو» هو فيلم مأخوذ عن وقائع حدثت عندما توجه عميل أميركي متنكرا بشخصية منتج سينمائي إلى طهران موهما السلطات بأنه يسعى لتصوير فيلم عن ثورة الخميني بينما غايته في الواقع تأمين هروب موظفين أميركيين من السفارة هناك لجأوا إلى السفارة الكندية في تلك الظروف الصعبة.

في الحياة الواقعة، كان دور السفارة الكندية لا يقل أهمية عن دور العميل الأميركي كما يؤديه مخرج الفيلم بن أفلك، لكن هذا لا يمنع أنه، كموظف فيها، لعب شأنا رئيسيا في تأمين نجاة الأميركيين، وهذا ما يعود على الـ«سي آي إيه» بحضور سينمائي مبهج يشبه ما جناه الموساد عندما تم تحقيق فيلمين في السبعينات عن قيام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على مطار عنتابي في أوغندا لإطلاق رهائن يهود تم اختطافهم.

لكن في حين يصول عميل «أرغو» ويجول في رحاب الواقع (قدر الإمكان) فإن باقي الأفلام التي تتعامل حاليا (ومنذ سنوات) مع الوكالة، تضعها في خانة داكنة.. هي مؤسسة تقتل أطفالها في سلسلة «بورن» ووكالة يسيرها مديرون لديهم مصالح وارتباطات كما في «الفريق أ» و«بيت آمن»، وترمي برجالها من المرتزقة في أتون معارك قد لا يعودون منها كما في «المستهلكون» في جزأيه، ثم هناك البحث سياسيا في أوضاعها مما يعود بنقد آخر مفاده أنها تساهم في إقحام السياسة الأميركية في مشاكل عالمية كما الحال في «لعبة التجسس».

* تقنيات بشرية

* إلى جانب «أرغو» الآن نشاهد «مخطوفة 2» وهو - بالمقارنة - فيلم حيادي بالنسبة للصورة المتوفرة. كل ما هناك أن بطله (ليام نيسون) مجند سابق في الوكالة يستطيع أن يقوم بشتى أعمال القتال ومدرب على النجاة من كل ورطة وخطر وما زالت لديه صداقات حميمة معها. في الحقيقة، يوعز هذا الجزء والجزء الأول من الفيلم أنه لولا تدريب الـ«سي آي إيه» لعناصرها لما كان هذا العنصر المعين ليستطيع إنقاذ عائلته من الخطر.

العدو هنا، وبين قوسين، هو ألباني يتاجر بالرقيق الأبيض، وهو كان خطف ابنته الشابة خلال قضائها رحلة سياحية إلى باريس في الفيلم السابق، وهو الآن يخطف الزوجة انتقاما من فوز العميل في الجولة الأولى. طبعا سيخسر هذه الجولة كذلك، فالعميل الذي كان قتل ابن رئيس العصابة في المرة الأولى يقتل الأب في هذه المرة مما يثير التساؤل حول من هو قريب الاثنين الذي سينبري لمقاتلة العميل ذاته في المرة الثالثة؟ العم أم ابن الخال أم فرد بعيد من العائلة؟

من شاهد «خطف 2» سيلاحظ أن التركيبة الفنية تشبه تلك المتوفرة في سلسلة «بورن» التي تم إطلاق الجزء الرابع منها، تحت عنوان «أرث بورن» قبل أسابيع ليست بعيدة. كلتا السلسلتين تقوم على نحو من المغامرات التي تستبعد تدخل التقنيات الحديثة على نحو شبه كامل. المعارك اليدوية بين «البطل» والأشرار المتصدين له تقوم على تدريبات في فنون القتال اليدوي (آيكيدو مشتق عن الأصل الذي يجيده ستيفن سيغال) في الدرجة الأولى في أماكن واقعية والمطاردات، على إثارتها القصوى في سلسلة «بورن» التي هي أفضل إخراجا من سلسلة «مخطوف»، لا تخرج عن المقبول حدوثه من حيث صدقيته. المعالجة بالتالي «واقعية» بقدر ما يستطيع فيلم تشويقي تحقيقه.

حين يأتي الأمر إلى توظيف الوكالة في سلسلة «بورن»، فإن الواضح أنه مبني على مؤسسة تأكل أبناءها، فبورن، كما أداه مات دايمون (والآن شخصية جديدة قام بها جيرمي رنر) مطلوب للتخلص منه إلى الأبد بسبب فعل لا يتذكره (مصاب بفقدان ذاكرة مفاجئ). حيال ضعفه الناتج عن عضال ما، لا بد للمشاهد أن يقف معه في قتاله المتواصل للنجاة من تلك المؤسسة التي تحاول قتله مرة تلو المرة. الوضع ذاته في «أرث بورن» رغم أن بطله هنا لا يشكو من فقدان الذاكرة بل من حاجته إلى دواء تم ترويضه عليه لكي يمكن إبقاؤه تحت قبضة رئيسه.

* مغامرات بوندية

* هذا الخط من الحبكات له سوابق من السبعينات («ثلاثة أيام من الكوندور» لسيدني بولاك وبطولة روبرت ردفورد) لكنه ازداد وقعا في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي عندما لم تعد الوكالة، سينمائيا على الأقل، بحاجة لمحاربيها القدامى فحاولوا زجهم في مهام صعبة على أمل ألا يخرجوا منها أحياء، كما في «مهمة مستحيلة» في جزأيه الأول (1996) والثاني (2000).

أمسك بالخط ذاته فيلم «رونين» (جون فرانكنهايمر - 1998) فأبطاله هم مجموعة من العملاء الذين يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل وغير مرغوب بهم بعد التحولات السياسية في الثمانينات. النتيجة قيامهم بالعمل لمصالحهم الخاصة في فيلم بالغ التشويق، وبعيد - أيضا - عن المؤثرات والخدع البصرية التقنية.

والواقع أن العمل الجاسوسي لم يكن دائما بالمهنة التي يسهل الدفاع عنها، وذلك بصرف النظر عن الجهة التي توجه جواسيسها. وهذا ينضوي على معادلات معقدة للعميل جيمس بوند نفسه.. ففي حين بدأت السلسلة الشهيرة بأفلام تمجد شغل الجهاز البريطاني المسؤول وبطولة عميله الأفضل «007» وجدناها تدخل لاحقا متاهات عدة تقلب الصورة السابقة أو تكاد تمحوها.. فشخصية بوند في الستينات كانت ملتزمة بالدفاع عن مصلحة «مخابرات صاحبة الجلالة» والأعداء كانوا من العاملين في المؤسسات الأوروبية أو الآسيوية الشرقية ذات الأنظمة المجحفة، والقتال كان حول حماية الغرب والعالم الحر من تبعات الخطط التي تقدم عليها المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية أو المتعاونة في الدول الشرقية، كما حال «من روسيا مع حبي» و«ثندربولت» و«لأجل عينيك فقط». لاحقا، وفي سنوات ما بعد التحولات السياسية الكبيرة في الثمانينات (التي صادفت الانتهاء من اقتباس كل ما كتبه إيان فليمنغ من مغامرات بوند) بوشر العمل على بوند جديد بأجندات مختلفة وصولا إلى اليوم حيث الصدامات التي يتولاها بوند هي، إلى حد كبير، ذاتية مدفوعا بالحاجة لانتقام شخصي أو مجذوبا لوضع خاص لا علاقة له بالتجسس في نوعه الكلاسيكي.

أكثر من ذلك أن الجاسوس الأشهر بات ينظر حوله بحذر لكون المؤسسة التي يعمل لها أصبحت تشكل خطرا عليه.

بإضافة أفلام مثل «هانا» و«سباك، خياط، مجند، جاسوس»، و«سولت» و«ميونيخ»، و«كيان من الأكاذيب»، فإن عمل الوكالات بات ينظر إليه بالريبة فإذا بالمدافع الأول عن المصالح الأميركية ينتهي كشريك متواطئ يهدد سلامة تلك المصالح.

* جولة بين الأفلام الجديدة

* حكاية قاهرية

* لم يكن أحد يتوقع لفيلم مجهول عنوانه «نشاطات خارقة للعادة» Paranormal Activities النجاح الذي أنجزه سنة 2007. لكن فيلم الرعب المصنوع كما لو كان مصورا بكاميرا فيديو يمسكها هواة وكأشرطة كاميرات خفية وفي غرف وأقبية مظلمة ومن دون أسماء ولو نصف معروفة، أنجز 183 مليون دولار منها 71 مليونا في «الويك إند» الأميركي الأول له.. هل نصدق إذا أن ميزانيته لم تتجاوز الـ15 ألف دولار كما يقول مخرجه وأحد منتجيه أورن بلي؟ طبعا كان من الطبيعي أن يلد الفيلم سلسلة تألفت مع إطلاق الجزء الجديد حاليا من أربعة أجزاء أو «أغصان» لكون ثالث هذه الأفلام (2010) عاد بمشاهديه إلى أحداث تقع قبل حكاية الفيلم الأول. أما الفيلم الرابع من السلسلة فيعود إلى مواقع الفيلم الأول، رغم ذلك يقول أحد مخرجيه وهو هنري جوست: «إنه ليس إعادة صنع». بات الأمر يحتاج إلى كتيب يوزع لجانب كل فيلم يشرح لمشاهديه المحتملين في أي مكان وزمان تقع أحداثه وما علاقة كل حدث بالآخر.

* معظم الناس تعيش ضمن القانون وليس خارجه وهي بالكاد تستطيع أن تقتل ذبابة فما البال ببشر؟! لذلك يقبل الناس على أفلام الرعب والجريمة والمغامرات الخارقة للعادة. وإذا كان الفيلم السابق «نشاطات خارقة للعادة - 4» هو أحدها مع تأكيد على الجانب المخيف والمرعب من الحياة، فإن الفيلم الجديد الآخر «أليكس كروس» المنطلق هذا الأسبوع يدور حول مجرم واحد يصطاد ضحاياه وشرطي يحاول إيقافه ثم هناك مشاهدون يحاولون الوقوف على الحياد خوفا من التدخل بين «البطل» و«المجرم».

* أحد ممثلي هذا الفيلم نيويوركي موهوب (ولو من دون شهرة) اسمه جون س. مكغينلي التقيته في مهرجان القاهرة مطلع العقد الماضي حينما جاء لكي يقدم فيلما كوميديا اشترك بتمثيله بعنوان «سرقة هارفارد». لجانب كونه ممثلا جيدا يصلح للكوميديا وللدراما بكل تدرجاتهما هو إنسان طيب كان مستعدا آنذاك، كما قال لي، للاشتراك في تمثيل أي فيلم في أي مكان: «اعرض وسترى». توجهت معه إلى قاعة جامعية حيث كان من المفترض أن يقام له مؤتمر صحافي. وصلنا في الوقت المعين لنجد القاعة خاوية تماما. لم نكن نعلم أن المؤتمر تأخر ساعة كاملة، فانفردت، وأنا الذي قلما أحضر مؤتمرات صحافية، بكل الأسئلة من دون أن يبدو عليه أي حرج. حين انتهينا بعد نصف ساعة وقررنا الخروج كان بدأ وصول الراغبين في حضور المؤتمر الذين كانوا على علم بالموعد الجديد. نظر إليّ فأخبرته أن علي الآن الذهاب وعليه أن يستقبل أسئلة من سواي.

* جوزيف غوردون - ليفيت هو بطل أكشن جديد منذ أن لعب دوره البارع في فيلم كريستوفر نولان «استهلال» ونشاهده حاليا في «اندفاع المكافأة» أو Premium Rush يركب دراجة هوائية معرضا حياته للخطر في سبيل إيصال مغلف إلى الجهة المكلف بها. لكن في الوقت الذي يتيح لنا غوردون - ليفيت التفرج على مهارته في ركوب الدراجة (ولو بمساعدة الكومبيوتر غرافيكس لإتمام أجواء الخطر) ينطلق فيلمه الجديد «المحلق» Looper ليقدمه في مغامرة خيال علمي تقع أحداثها في عام 2044، ودرجة قبول الفيلم بين النقاد وصلت إلى 75 في المائة وهو رقم جيد خصوصا لمخرج غير معروف هو رايان جونسون.

* بين الأفلام

* عالم بأقنعة مختلفة «Holy Motors» (3*) إخراج: ليوس كاراكس أدوار أولى: دنيس لافان، إديث سكوب، ميشيل بيكولي النوع: دراما | فرنسا (2012)

* عروض: عالمية

* نيس لافان) لا يشذ عن هذه القاعدة بل يتطرف داخلها. إنه رجل يجول ليلا في سيارة «ليموزين» بيضاء تأخذه في مهام منوطة به وحده. تتوقف عند عناوين معينة (غالبا) وفي كل منها هناك مهمة يريد تأديتها بشخصية جديدة تحمل قناع وجه (من المساحيق كما من الأقنعة الحقيقية أحيانا). سائق «الليموزين» هو امرأة (إديث سكوب) وهي تكتفي بنقل هذا الرجل من دون أن تشترك فيما يقوم به. عند كل محطة ينطلق أوسكار بشخصية جديدة لغاية محددة.. فهو شحاذ في ثياب امرأة عجوز هنا ولاعب أكروبات ومشاهد خطر سينمائي هناك، ومجنون يعيش في مجار تحت الأرض في شخصية ثالثة ورجل أعمال في جزء رابع ثم رجل عجوز على حافة الموت.. إلخ.

كاراكس سبق له أن صور تعساء الحياة الباريسية في فيلمه «عشاق الجسر» (1991) أو كما اسمه الأصلي «Les Amants du pont-Neuf» عارضا هناك نماذج لشخصيات تعيش بلا مأوى وأخرى تعرج كما حال أحد الأجزاء الأولى في هذا الفيلم أيضا.

بقدر ما يأخذ «هولي موتورز» شكلا سورياليا، بقدر ما هو مدروس في منحى عمله ومن مدارس مختلفة. فيه تحيات يوزعها الفيلم على غودار وبونويل وكوكتو وفويلاد وسواهم. يذهب إلى استخلاص دانتي حين يبدأ الفيلم بنهوض أوسكار من نومه والتوجه إلى جدار في الغرفة عليه صورة لغابة. يمد أوسكار يده على سعة الجدار كما يبحث عن شيء ثم يجده فإذا به ينتقل إلى الغاية ذاتها ومنها يلج إلى صالة سينما. هذا المشهد شبيه (وعن قصد) بمشهد نفذه جان كوكتو في فيلمه الكلاسيكي «دم الشاعر» (1930) حين ينفذ رجل استيقظ من نومه في غرفته الصغيرة إلى عالم آخر عبر المرآة المعلقة على جدار غرفته.

غاية كراكس من الفيلم، إلى حد بعيد، هي رفع القبعة تحية لكل من سبقوه في مضمار السينما. وهذا ينطلي على شخصياته، فأوسكار هو لون تشاني على تشابلن كما آخرين من صميم السينما الفرنسية. وحين يلتقي بطله بصديقة قديمة (تؤديها كايلي مينوك) نرى المخرج قد قص شعرها على طريقة جين سيبرغ كما ظهر في فيلم جان-لوك غودار «نفس مقطوع - 1960) وترتدي معطفا بالطريقة التي ارتدت فيها كاثرين دينوف معطفها في «مظلات شيربورغ» (جاك ديماي - 1964). وهذا منوال خطر بحد ذاته قد ينتج عنه، لو لم يصب المخرج هنا نقاط أهدافه ولو لم يضع كل ما نراه في قالب سوريالي جيد، مجرد صور نوستالجية لا تعني الكثير.

* شباك التذاكر

* يواصل «مخطوفة 2» اعتلاء قمة الإيرادات للأسبوع الثاني على الرغم من كثرة الأفلام الجديدة الوافدة وحمولتها من الوعود. الفيلم الثاني هو «أرغو» الذي كاد يصل إلى الأولى لكنه تخلف بمقدار مليوني دولار تقريبا.

1 (1) Taken 2: $22، 495، 203 (2*) 2 (-) Argo: $20، 120، 224 (3*) 3 (-) Sinister: $18، 117، 200 (2*) 4 (2) Hotel Transylvania: $17، 400، 298 (3*) 5 (-) Here Comes the Boom: $12، 326، 606 (2*) 6 (3) Pitch Perfect: $9، 392، 277 (1*) 7 (5) Frankenweenie: $7، 015، 224 (3*) 8 (4) Looper: $6، 201، 360 (4*) 9 (-) Seven Psychopaths: $4، 101، 002 10 (-) The Perks of Being a Wallflower: $2، 166.047

* سنوات السينما

* 1928 | جان دارك وكلب أندلسي

* في عام 1928 كانت السينما ما زالت تتبع مراكز معينة حول العالم تكاد تنفرد بكل ما يتم إنتاجه من أفلام متحركة، وهي ألمانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي وإيطاليا وبريطانيا و -شرقا - اليابان. وكانت السينما قد تجاوزت مرحلة الأفلام القصيرة كما بدأت، كما ذكرنا في الأسبوع الماضي، خطوات عملية لكي تنطق ولو جزئيا رغم أن الأفلام الصامتة كليا تواصلت لعامين متواليين.

فرنسيا، أقدم كارل تيودور دراير على إنجاز تحفته الأولى (ولعديد من النقاد الوحيدة)، وهي «عاطفة جان دارك»، حيث يتناول بأسلوب فني شامل حياة المرأة التي اتهمت بالإلحاد وتم تنفيذ حكم الإعدام عليها. في العام ذاته قام الإسباني لوي بونويل بإخراج أول أعماله وهو «كلب أندلسي» وفيه وفر دعامة الفيلم السوريالي الأول كمنهج عمل.