مغامرات آل باتشينو في السينما والمسرح

قال لـ «الشرق الأوسط»: «علي واجباتي كممثل ولا أستطيع فرض رغباتي على الآخرين»

باتشينو مع كريستوفر وولكن وألان أركن
TT

* هل ما زال ممكنا تقديم آل باتشينو؟

* ترعرعنا على أفلامه وانطبعت في أذهاننا تلك الصور السينمائية الأولى له: الشاب القلق الباحث عن مستقر نفسي في عالم متقلّب كما في «ذعر في نيدل بارك» و«الفزاعة» والمنتقل من المراهقة إلى النضج ومن الضعف إلى القوّة في الجزأين الأوّلين من «العرّاب». ثم هو التحري غير الممتثل لقانون زملائه في «سربيكو» والمجرم المكسيكي اللاجئ في «الوجه المشوّه» وهذا كلّه وسواه الكثير، في غضون سنواته الخمس عشرة الأولى على الشاشة.

باتشينو، الذي يبلغ الثانية والسبعين سنة حاليا والذي يعود في فيلم جديد بعنوان «فتيان المواجهة» The Stand - up Guys خبر كل شيء: الأدوار البطولية والأدوار الشريرة. الأفلام الرائعة والأفلام الرديئة. الشخصيات السينمائية الخالدة وتلك التي تمر سريعا، كما أفلام الدراما والعنف لجانب الأفلام الاجتماعية والعاطفية والكوميدية. وفي معظم كل هذه الأفلام كان الوهج الذي يضيء عتمة الصالة فعلا. أكثر من ذلك، أن خبرته المسرحية لم تضمحل بسبب سنوات الشهرة والنشاط على الشاشة الكبيرة، بل ما زالت متأصلة في أعماله: بعد «تاجر البندقية» وفيلمين من إخراجه يبحثان في أوسكار وايلد ووليام شكسبير يعود إلى المسرح قريبا وعلى نحو يفاجئه كما يذكر في هذا الحديث الخاص.

* فيلم «فتيان المواجهة» هو واحد من أفلام الصحبة. مجموعة من الأصدقاء يلتئمون لمهمة أخيرة. ماذا تعني الصداقة بالنسبة إليك؟

- أعتقد أن هناك صداقات مختلفة. هناك صداقات تنمو معك. رفاق من الماضي تكبر معهم أو يشاركونك المدرسة أو الرحلة ولو إلى حين لكن الأيام لا تمحي الصداقة التي تنشأ بينك وبينهم. هناك الصداقات التي تأتي لاحقة ومصدرها المهنة ذاتها. تتعامل مع الكثير جدا من الناس لكن ترتبط بصداقة مع قليلين منهم فقط. هناك أشخاص كثيرون يحبّونك لكنك لا تستطيع أن تبادلهم المحبّة لأسباب بعضها غريب. هذا يحدث معنا.. في أحيان نحب أشخاصا لكنهم لا يقابلون هذا الحب بحب من طرفهم. أعتقد أنني كنت محظوظا أنني وجدت أصدقاء عدّة من أزمنة وأماكن مختلفة عبر تاريخي الشخصي والمهني. الصداقة ليست سهلة وتتطلب وقتا لكي تنضج.

للفيلم نكهة كوميدية غالبة. إنه ليس مجرد قصة بوليسية المنحى.. أشكرك لانتباهك. كثيرون يحكمون على الأفلام هذه الأيام من خارج الصدفة.

* سؤالي هو لماذا لا نراك في أدوار كوميدية بما فيه الكفاية. لعبت كثيرا من الأفلام الجادّة؟

- في الحقيقة بدأت كوميديا. ربما لا تذكر. أفلامي الأولى كانت كوميدية، لكن المنحى التراجيدي هو الذي غلب. لكني أيضا أعتقد أن الكثير من الشخصيات التراجيدية التي مثّلتها كانت الكوميديا مجبولة فيها على نحو عميق. حتى شخصية مايكل كارليوني في «العراب». هذه شخصية تراجيدية تماما لكن تستطيع أن تنظر إليها لتجدها تكاد تسخر من نفسها أو بالتأكيد تعكس قدرا من السخرية. من هذا المنظور الكثير من الأفلام التي مثلتها مثيرة للضحك (يضحك).

* هذا الفيلم، «فتيان المواجهة» يبقى من ناحية أخرى عملا من النوع الذي على أبطاله القيام بعملية أخيرة.. هل شاهدت أفلاما أخرى من هذا النوع؟

- أعلم بوجود أفلام أخرى من هذا النوع لكني لم أشاهد أيا منها. لا أذكر أني فعلت. لكني أعلم أن هذا الموضوع عادة ما هو مرتبط بالسن. عندما تكبر في مهنة ما تريد أن تأخذ منها المزيد. وإذا كبرت عليها تريد أن تنجز عملية جديدة تكون الأخيرة. شاهدت - أذكر الآن - فيلما قديما لستانلي كوبريك هو «القتل» حيث سترلينغ هايدن يجمع فريقا من المتخصصين لعملية أخيرة. لكن ذلك الفيلم ليس بالضرورة عن رجال مسنين.

* ما الذي يعنيه السن بالنسبة إليك؟

- سؤال صعب. إنه ظاهرة كبيرة وليست حكرا على ممثلي السينما بل تصيبنا جميعا إذا ما تجاوزنا العقود الخمسين الأولى أو الستين الأولى من حياتنا. كيف أشعر حيال ذلك؟ إنه سؤال مركّب ومعقّد. لكن سأذكر لك شيئا: قبل سبع سنوات كنت أحمل أطفالي وأركض بهم في الحديقة. الآن لا أستطيع أن أفعل ذلك. لا أعتقد لأني لم أجرّب.. طبعا ازدادوا وزنا وهذا سبب مهم.. لكن هناك أشياء تنمو داخل الإنسان تجعله غير آبه لتحدّي نفسه جسديا. لماذا؟ كما قال أوسكار وايلد مرّة: لا تستطيع أن تتغلّب على الزمن. حين أرغب في ممارسة الرياضة هذه الأيام استلقي على الأرض حتى تغيب عني تلك الرغبة (ضحك).

* على ذكر أوسكار وايلد.. لم يعرض فيلمك «وايلد سالومي» بعد في الولايات المتحدة؟

- ولم يعرض خارجها أيضا. على نحو ساخر أقول إن ذلك الفيلم ليس للعرض التجاري.

* هو فيلم مثير جدّا للإعجاب كونك تتعامل فيه مع جوانب كثيرة منها ما هو مسرحي وما هو أدبي وتاريخي يخص الكاتب أوسكار وايلد وتاريخ يخصّك أنت.. هل عليك أن تلجأ إلى المسرح لكي تقدّم عملا سينمائيا جيّدا هذه الأيام؟

- يبدو كذلك. لقد مثلت ما يكفيني من الأفلام التي حقيقة لا تعني لي الكثير. امتثلت إليها لأنني ممثل قبل كل شيء علي واجباتي ولا أستطيع أن أجبر الآخرين على التفكير تبعا لمنهاجي الفني أو أن أفرض على أحد الإعجاب بالأعمال المسرحية أو الأدبية التي تثيرني كشخص. الفيلم الذي تذكره هو من إخراجي وإنتاجي وكتابتي وهو لا يمكن أن يتوجه إلى جمهور كبير. هذا صعب، بل مستحيل. ما هو سهل بالمقارنة هو أن تقدم على تحقيق ما تريد بنفسك ومن دون التفكير باحتمالات النجاح.

* شاهدت لك أيضا فيلما تسجيليا آخر أقدم هو «البحث عن رتشارد». كلاهما بحث مضنٍ عن حقائق في الشخصيات الواقعة والمتخيلة. ماذا يثيرك في هذا الاتجاه؟

- تماما ما ذكرته: البحث عن حقائق في تلك الشخصيات. كل من هذين الفيلمين بالنسبة لي هو أشبه بمقالة تكتبها بحثا عن حقيقة في عمل معروف. ربما تريد البحث في حياة قائد سياسي أو عسكري أو فنان أو أديب.. تكتب ما تريد البحث فيه ثم تبحث وتكتب حصيلة بحثك. لكن «البحث عن رتشارد» هو طموح أصغر قليلا من الطموح الذي حمله «وايلد سالومي».

* كمادة سينمائية هو أكثر تجريبا من الفيلم السابق.

- صحيح. لكن كما ذكرت هو فيلم تصنعه لنفسك ولمن حولك. طبعا لا تمانع في أن يشاهده كل الناس لكن هذا ليس واقعيا.

* أعتقد أنك ستعود إلى المسرح قريبا؟

- لقد عدت. عندي الآن مسرحية «غلندغاري غلنروس» التي سبق لي أن مثّلتها فيلما. لقد كُتبت كمسرحية ثم صوّرت فيلما والآن تعود إلى المسرح. موافقتي على تمثيل المسرحية فاجأتني كما فاجأني من قبل تمثيل مسرحية «تاجر البندقية» بعدما قدّمتها في فيلم.

* هل لديك الرغبة في العودة إلى شكسبير؟

- كثيرا. أحب تقديم دور الملك لير في «الملك لير».. أعتقد أنني مستعد للمهمّة.