تحليل المعطيات يدفع بفيلم بن لادن إلى الأوسكار

الأفلام تمر في «فلترات» دقيقة وشرايين متفرّقة قبل الإعلان عن النتائج

زيرو دارك ثيرتي».
TT

«لن أصوّت لـ(حب) لأنني لم أتحمّل تغيير حفاضة واحدة أخرى في الفيلم». هذا رأي واحد من المخرجين الـ371 المنتمين إلى الأكاديمية التي ستعلن نتائج مسابقتها الخامسة والثمانين مساء يوم الأحد في الحفلة التي تنطلق في السابعة مساء وتستمر (عادة) لثلاث ساعات مزدحمة بالفنانين الفائزين والفنانين المقدّمين والوصلات الإعلانية.

المخرج الذي اشترط على صحافي من مجلة «ذ هوليوود ريبورتر» عدم البوح باسمه اعتبر أن «أرغو» هو «لا شيء كبيرا» وأن «دجانغو طليقا» (استخدم هنا كلمة نابية). لكنه أظهر إعجابه بفيلم كاثلين بيغلو «زيرو دارك ثيرتي» ولو أنه يعترف بأنه صوّت لسواها كأفضل مخرج.

إنها الساعات القليلة الفاصلة التي ستمر بها أفلام العام الماضي المرشحة للفوز في «فلترات» دقيقة وشرايين متفرّقة قبل الإعلان عن النتائج في تلك الحفلة التي تنهي أشهر من الترقب وموسما كبيرا كاملا من الجوائز والتقديرات. أوسكار هذه السنة تسوده حقيقة أن لا فيلم متكامل لدرجة الإتقان لكن أقربها إلى تلك الدرجة، ومن ناحية حرفية بحتة «زيرو دارك ثيرتي» للمخرجة كاثلين بيغلو وإنتاجها مع كاتب السيناريو مارك بول.

الفيلم الذي يسرد بقلب بارد وعقل متوقد السنوات التي أمضتها عميلة للسي آي أيه (جسيكا شستين) بحثا عن بن لادن قبل أن تحصل على العنوان المفترض لتبدأ رحلة حث الإدارة العسكرية للقيام بمهمة قتله أو إلقاء القبض عليه، نجده موزّعا في أربعة ترشيحات أخرى: جسيكا شستين عن بطولتها له، مارك بول عن كتابته له، وليام غولدنبيرغ وديلان تيتشنر عن توليفه بالإضافة إلى أفضل توليف صوتي (بول أتوسون). ثلاثة من هذه الترشيحات تعتبر أساسية سيحقق الفيلم انتصارا كبيرا لو استحوذ عليها هي أوسكار أفضل فيلم (الأهم) وأوسكاري أفضل سيناريو وأفضل تمثيل نسائي.

طبعا منع التصويت المخرجة بيغيلو من الترشيح في سباق أفضل إخراج ما قد يحد نوعا من تفرّد فيلمها بالنجاح المتوقع حيال بعض الأفلام التي تميل أكثر إلى الكلاسيكية وتناسب وضع أعضاء في الأكاديمية يبلغ كثير منهم سن التقاعد أو ما بعدها. النبرة الوطنية مشكوك فيها بالنسبة لفيلم «زيرو دارك ثيرتي» بعد مواجهته من قبل سياسيي واشنطن بأنه ادعاء وفبركة حقائق، لكن تلك التي في «لينكولن» (الثاني في قائمة أعلى الاحتمالات) لا غُبار عليها.

الكلاسيكيون والليبراليون مشكلة «لينكولن» مزدوجة: من ناحية هو جيد لكنه ليس أفضل أفلام سبيلبرغ ومن ناحية أخرى هو أكثر عن ستيفن سبيلبرغ ينجز فيلما من بطولة دانيال داي - لويس عن شخصية لينكولن، مما هو عن لينكولن حقا.

أبجديا تبدأ القائمة هنا بفيلم «حب» للنمساوي ميشال هنيكه، وهذا يمكن صرفه من الخدمة هنا لأنه سيتخطف أوسكار أفضل فيلم أجنبي حسب أكثر الترجيحات. لكن هذا ليس السبب الوحيد لصرفه: الفيلم حيادي تماما بالنسبة لشخصياته، بما فيها شخصيّتاه الرئيسيّتان. هذان العجوزان (جان لوك غودار وإيمانويل ريفا). صحيح أنه يقدّم صورة طبيعية عن بطليه في عمر متقدّم وما يعانيه أحدهما (الرجل) عندما تتعرض زوجته لنوبة قلبية تحوّلها إلى بدن مشلول، إلا أن ذلك لا يعني أن المخرج يحب أيا من أبطاله. في الحقيقة يعاملها كما يعامل معظم شخصياته في أفلامه السابقة: بعناية وببعد عاطفي في الوقت ذاته. بين الخطّين المتوازيين يصنع لنفسه نتيجة فنيّة أعجبت كثيرين من نقاد وجمهور وسينمائيين.

«أرغو» مخلص وسينمائيا إنتاج ناجح وممهور بتوقيع واحد من جيل الشباب في هوليوود هو بن أفلك. كما يقف وراء إنتاجه جورج كلوني وهو يمثل مع آخرين، الجناح الليبرالي في هوليوود اليوم. قوّة هذا الجناح ستقف مع هذا الفيلم ضد «زيرو دارك ثيرتي» وضد «لينكولن» أيضا. لذا فوزه بالأوسكار ممكن، وبل محتمل جدّا، لكنه ليس احتمالا محتما.

«أرغو»، أيضا، له طابع المعالجة السينمائية الهوليوودية وهذا مريح للمنتخبين أكثر من تلك المحاولة الجيدة والجسورة التي قام بها المخرج الجديد بنه زيتلين في «وحوش البراري الجنوبية». فيلم جيّد للغاية حول تلك الفتاة السمراء التي تعيش في قرية ما بين ألاباما والمسيسيبي التي تأخذ على عاتقها إنقاذ والدها والطبيعة كلها من العاصفة العاتية التي دهمتها. هذا ما يعمل لصالح الفيلم كونه جيّدا في حرفته وتنفيذه وملما في موضوعه كما أن بطلته ذات السنوات الست كوافنزاني ووليس، تمثل كما الكبار. ما يعمل ضدّه هو أنه لمخرج جديد يحقق هنا فيلمه الأول والأكاديمية تحب أن تسافر نصف المسافة مع الجدد الموهوبين فترشحهم، لكنها تواصل السفر مع أصحاب سنوات من العمل حين يأتي الأمر للمرحلة الأخيرة من الرحلة.

هناك أربعة أفلام بقيت على قائمة ترشيحات أفضل فيلم روائي وهي «دجانغو طليقا» و«البائسون» و«حياة بي آي» و«كتاب مخطط بالفضّة» و«حياة باي». ليس من الممكن تصوّر أن أعضاء الأكاديمية سيتركون فيلم «لينكولن» للتصويت على «دجانغو طليقا». استحالة. سبب المقارنة هو أن كلا الفيلمين يدور حول العنصرية في فترة متقاربة (قبل وخلال الحرب الأهلية الأميركية) لكن في حين أن فيلم سبيلبرغ يتميز بالرصانة، وكما ذكرت، يحمل صفات كلاسيكية كعمل قائم على سيرة ذاتية واقعية، فإن «دجانغو طليقا» يعكس حب المخرج للوسترن السباغتي وأفلام «البالب فيكشن» عموما. إلى ذلك، المسألة العنصرية المبثوثة هنا ترفيهية المقصد ولو أنها صادقة النية. المخرج كونتين تارانتينو لا يحب الكوكلس كلان ولا البيض العنصريين ويريد لبطله الأسود جيمي فوكس أن يصول ويجول انتقاما. هذا كله ترفيه مصنوع على نحو جيد في بعضه، لكنه يبقى ترفيها.

«البائسون» هو ملهاة خادعة تلبس ثوب سينما الميوزيكال لكنها تقدّم عملا لا قيمة فنية حقيقية له. حكاية فكتور هوغو نجحت مسرحيا عندما تم تقديمها كمغناة لكنها فشلت على الشاشة كميوزيكال ولأسباب كثيرة أهمها أن المخرج توم هوبر شاء اختبار قدرات ليست له. لمن يبحث عن نسخة أفضل من الرواية عليه بنسخة لويس مايلستون سنة 1952 وأبطالها غير المشهورين مايكل رني ودبرا باجت وروبرت نيوتن.

جوائز أخرى «حياة باي» حالة مثيرة جدّا وفوز مؤكد في المسابقات الأخرى. أساسا فيلم لافت من مخرج موهوب وجريء (آنغ لي) تتابعه بتلذذ شديد بسبب عناصر إنتاجه المتكاملة: فيلم مغامرة بقصة فريدة مع أمواج هادرة وخطر الموت إن لم يكن غرقا فبين أنياب نمر شرس.. لكن كل ما سبق يتلاشى عندما يفتح الفيلم قبل نهايته المخيّبة للآمال، باب احتمال أن لا يكون أي مما شاهدناه حدث مع الشخص الذي كان يسرد القصة من البداية كواقع. الفيلم من القوّة البصرية بحيث نجده في تسعة ترشيحات أخرى: أفضل إخراج، أفضل سيناريو مقتبس، أفضل تصوير، أفضل توليف (مونتاج)، أفضل تصميم إنتاجي، أفضل موسيقى مكتوبة خصيصا لفيلم، أفضل أغنية مكتوبة لأغنية، أفضل مزج صوتي وأفضل توليف صوتي.

لا ريب أنه سيفوز بعدد من هذه الجوائز. ربما ليس بالضرورة كأفضل تصوير (الأفضلية هنا تذهب إلى روجر ديكنز عن «سكايفول» أو يانوش كامينسكي عن «لينكولن») لكن غالبا كأفضل توليف وأفضل مؤثرات خاصة وبل ربما أفضل تصميم إنتاجي وأفضل سيناريو مقتبس. لكن حظّه في سباق أفضل فيلم لا يبدو واعدا.

يبقى «كتاب مخطط بالفضة» وهو فيلم متوسّط القيمة يكتشف موهبة برادلي كوبر للكوميديا الجادّة، ويتميز بكتابة جيّدة لكن إخراجه لا يعدو أكثر من تنفيذ معتدل لما هو مكتوب.

السينما التسجيلية تحفل بأفلام جيّدة وكلها تحيط بالقضايا الأكثر جدلية في عالمنا وبعضها متساوٍ في حظوظه لدرجة لا تجعل من الممكن إجراء توقع فعال: «خمس كاميرات محطّمة» لعماد بورنات وغي دافيدي (فلسطيني وإسرائيلي) و«حرّاس البوّابة» لدرور موره فيلمان يشتركان في طرح أوضاع السياسة والمجتمع على أرض مشتركة ما زالت تعيش فوضى المحاولات نصف الجادة لحلـها. عماد بورناط ليس العربي الوحيد المتقدّم في سباق الأوسكار بل هناك مالك بن جلول الذي وُلد قبل أكثر من عشرين سنة في السويد من أب تونسي. فيلمه هو «البحث عن شوغرمان» الذي ربما وجده المصوّتون حلا لا بأس به لمحاولتهم الإطلال على قضايا العالم لكن بعيدا عن المتاهة الفلسطينية - الإسرائيلية.