صالات بيروت تفتح شاشاتها للفيلم اللبناني.. أخيراً

بعد سنوات من الريبة في احتمال نجاحه

من فيلم «قصة ثواني»
TT

على عكس المعتاد، تحفل صالات السينما اللبنانية في الشهرين الحالي والمقبل بعدد من الأفلام المصنوعة محليا والمعروضة على شاشات الصالات اللبنانية الرئيسة شرق وغرب العاصمة. «قصة ثواني» و«النادي اللبناني للصواريخ» و«بيترويت» و«عصفوري» و«74 استعادة لنضال» هي من بين الأفلام اللبنانية الجديدة التي إما باشرت عروضها فعلا أو أنها تنطلق للعروض في الأسابيع القليلة المقبلة.

والأنواع تختلف: لدينا الفيلم الاجتماعي، والفيلم الذي يستذكر الحرب. هناك الفيلم الروائي، و.. نعم الفيلم الذي كان من الصعب ترويجه.. ذاك التسجيلي. والنجاح؟ تخبرنا الإيرادات المحلية، من «جيدة» إلى «ممتازة» بالنسبة لمعظم ما تم عرضه.

طبعا نجاح الأفلام اللبنانية في عقر دارها لم يبدأ حديثا. لا يزال فيلم نادين لبكي «سكر بنات» الذي خرج للعروض قبل أربع سنوات يصلح لأن يكون العمل السينمائي الذي دجن المشاهدين وأقنعهم بدخول الفيلم اللبناني بدل الأميركي أو إلى جانبه. وبالتأكيد أيضا، لم ينجح كل فيلم لبناني تجاريا بعد ذلك، بل هناك تلك الأفلام التي انزلقت واختفت. لكن لم يسبق أن التهمت الصالات هذا العدد من الأعمال المصنوعة لبنانيا في وقت واحد كما هي الحال الآن.

الشكوى التقليدية كانت أن صالات السينما لا تستقبل الفيلم اللبناني وبالتالي لا تشجع الصناعة المحلية، مما يجعل عملية إنتاج أفلام تنمو محليا عملية بالغة الصعوبة. فإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن الفيلم اللبناني قلما وجد سوقا عربية خارج حدوده المحلية، بدا واضحا قدر الصعوبة التي تواجه صناعة الفيلم اللبناني، تلك التي تعود - بنحو أو آخر - إلى الثلاثينات.

والحقيقة هي أن هناك فترة واحدة تكاثرت فيها الأفلام اللبنانية وعروضها تلك، التي كانت في الستينات. أيامها أدت هجرة عدد من المنتجين والمخرجين والممثلين إلى لبنان، هربا من قرارات اشتراكية مصرية في الغالب، إلى زيادة عدد الأفلام الممولة تمويلا مشتركا معظمه لبناني الهوية. صالات السينما في منطقة البرج، مثل «الريفولي» و«المتروبول»، وفي الحمرا، مثل «السارولا» و«الكومودور» منحت شاشاتها لاستقبال إنتاجات ذات هوية جماهيرية محضة. نتحدث عن قيام السينما اللبنانية باستيحاء النموذج المصري مطعما بلكنة لبنانية أو سورية (يعتمد ذلك على الممثلين) وبكتابة تحاول أن تتوجه إلى الجميع.

* قضايا اجتماعية

* التوجه الحالي مختلف جدا من حيث اعتماده على مقومات بالغة الاختلاف أساسا: التمويل لبناني (ولو أنه مشترك مع فرنسا في بعض الأعمال). الفنانون العاملون أمام ووراء الكاميرا لبنانيون. القصة واللهجة محليتان. الهوية بأسرها، حتى مع وجود شريك أجنبي، لبنانية على أساس التوليفة الغالبة وحقيقة أن شأن الفيلم ومضمونه يغرف من المواضيع والمشكلات والذكريات الخاصة بلبنانيين.. إلى ذلك، هناك الحقيقة الأهم: هذه الأفلام ليست عن حب يربط بين شاب مصري وفتاة لبنانية خطفت العصابات والدها، ولا عن مغامرات عنتر وعبلة في الصحراء، أو بدوية في باريس، بل عن قضايا اجتماعية فعلية أخفقت، فيما مضى، في ترك بصمتها على أهواء الجمهور اللبناني.

«قصة ثواني» (الذي سُمي بالإنجليزية «تقاطعات عمياء» Blind Intersections) للارا سابا، يمتحن متانة الحياة الاجتماعية اللبنانية عبر حكايات تتناول، فيما تتناول، انتشار المخدرات واللجوء إلى الدعارة حلا للمشكلات المادية، والتحرش الجنسي بالأطفال. هذه المواضيع لم تطرح من قبل، وإن طرحت فإنها لم تطرح مجتمعة تحت سقف فيلم واحد. والقضية الاجتماعية مثارة أيضا في فيلم «بيترويت» (جمع بين كلمتي بيروت ودترويت حيث تم تصوير الفيلم فيهما) لمخرجه عادل سرحان، فهو يتناول موضوع العنف ضد المرأة وكيف أنه لا توجد قوانين تنتصر لها حين تتعرض للعنف. في حين لجأ «24 ساعة حب» (وهو عنوان لفيلم مصري سابق من بطولة عادل إمام) إلى طرح موضوع الإدمان، ولو بصورة نمطية، من خلال حكاية شاب وجد في المخدرات تعويضا عن حرمانه الرعاية العائلية والحنان الكامل. هذا الفيلم، الذي كان عرضه بدأ في 10 مارس (آذار) الماضي، من إخراج ليليان بستاني.

لكن ليست كل الأفلام اللبنانية الجديدة عن الوجع ذاته. في «عصفوري»، العمل الروائي الطويل الأول لفؤاد عليوان، الذي سينطلق للعروض خلال أيام، يستعيد ذاكرة سنوات الحرب ووقعها على عائلة بيروتية تسكن منطقة الصنايع (حيث يقطن المخرج نفسه). شيء كبنيان «عمارة يعقوبيان» الذي كتبه وحيد حامد قبل بضع سنوات إنما بقصص مختلفة تغزل من الحرب وتتحدث في آثارها بين شخصيات اليوم.

ومختلف أيضا «النادي اللبناني للصواريخ» من حيث أن مخرجيه جوانا حاجي توما وخليل جريج حققا فيلما تسجيليا. ومع أن الفيلم التسجيلي موصوم عادة بالفشل التجاري، إلا أن هذا الفيلم شق طريقه بنجاح جماهيري يستحقه؛ إذ يختار التذكير بأن هيئة لبنانية مستقلة بادرت في الستينات بإطلاق صواريخ فضاء قبل أن ينضم الجيش إلى جهودها، من قبل أن تتدخل الدول الكبرى طالبة من الحكومة اللبنانية إيقاف هذا البرنامج خوفا من أن يكون تمهيدا لضرب إسرائيل! ولن يبقى هذا الفيلم وحده في سوق الأعمال التسجيلية المعروضة، بل سيخلفه قريبا «74: استعادة لنضال» للمخرجين رانيا الرافعي ورائد الرافعي، ويسردان فيه القصة الحقيقية لقيام طلاب الجامعة الأميركية سنة 1974 باحتلال الجامعة الأميركية في بيروت لسبعة وثلاثين يوما احتجاجا على رفع رسوم التسجيل.

مع توارد هذه الأعمال، وهناك أكثر منها قادمة، تبدو السينما اللبنانية على قدر عجيب من النشاط. فرغم النجاحات، فإن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية طاغية، والتفسير الوحيد لهجمة الرواد على الفيلم اللبناني ليست الدوافع الوطنية بقدر ما هي محاولة فهم وضع اللبنانيين في الماضي والحاضر.

* لبنان في «كان»

* يتوجه فريق من المشرفين والإداريين والسينمائيين اللبنانيين إلى مهرجان كان هذه السنة محملين بما يلزم من أدوات ترويج الفيلم اللبناني، وهذا تبعا لتقليد انطلق، بلا توقف منذ ست سنوات، يهدف إلى حضور السينما اللبنانية في المهرجان السينمائي العالمي الأكبر. للأسف ليس هناك من فيلم لبناني جديد في المسابقة أو أقسام المهرجان الرسمية، وهو الذي اعتاد على الخروقات المفاجئة منذ أيام الراحل مارون بغدادي، وصولا إلى أفلام نادين لبكي.