صوفيا كوبولا تلتزم بالفيلم المستقل حبا في الواقع

فيلمها يفتتح قسم «نظرة ما» في «كان»

إيما واتسون
TT

تعود المخرجة صوفيا كوبولا (42 سنة) إلى مهرجان «كان» السينمائي للمرة الرابعة في مسيرتها السينمائية بفيلم عنوانه «The Bling Ring» أو «حلقة الجواهر»، الذي يفتتح قسم «نظرة ما» في دورة «كان» الحالية. «بلينغ» هي واحدة من كلمات إنجليزية جديدة من تلك التي انتشرت في السنوات العشرين الأخيرة، وقاموس أكسفورد يقول إنها «الجواهر والملابس المكلفة»، في حين أن مراجع أخرى تقترح أن الكلمة وردت أولا في بعض أغاني «الراب» كمصطلح لما يلمع ويلفت النظر من الجواهر التي يرتديها الناس.

مهما يكن فإن الكلمة دخلت التاريخ السينمائي بفضل المخرجة التي سبق لها أن قدمت في «كان» ثلاثة أفلام هي «قصص نيويوركية» (1989) و«عمليات انتحارية عذراء» (2002) و«ماري أنطوانيت» (2006). خارج «كان» عرضت «ضاع في الترجمة» (2003) و«مكان ما» (2010) على شاشة مهرجان «فينيسيا». وكل هذه الأفلام خيالية التأليف، حتى بالنسبة لفيلمها الأكبر حجما «ماري أنطوانيت»، ذلك لأن المخرجة، وباعترافها، نسجت عن الشخصية أحداثا عامة ومواقف غير موثقة كونها لم تشأ سرد قصة حياة.

«حلقة الجواهر» على عكسها، مأخوذ عن وقائع. طبعا من المحتمل جدا أن تكون المخرجة طورت هذه الوقائع، لكن المرجح أنها حافظت على صلب الأحداث التي وقعت قبل سنوات قليلة: مجموعة من الفتيات والشبان ألفن عصبة (أو حلقة) لسرقة منازل نجوم السينما. في عام 2008 بدأت العصبة عملياتها باقتحام منزل باريس هيلتون وسرقة ما خف ثقله وغلا ثمنه كما يقول التعبير المعهود. لكن هذه لم تكن المرة الوحيدة التي تعرضت فيها هيلتون لهذه السرقة. فالعصبة تسللت مرتين أو ثلاثا إلى منزلها وسرقته في كل مرة ما بين عامي 2008 و2009. كذلك كان من بين الضحايا أورلاندو بلوم (نال شعبيته في سلسلة أفلام «سيد الخواتم» و«قراصنة الكاريبي») وميغان فوكس («ترانسفورمرز»). فقط عندما حاولت المجموعة سرقة منزل لندساي لوهان قامت الكاميرا الخفية بالتقاط ملامحهم التي استطاع البوليس عبرها القبض عليهم.

* ليست وحدها

* لفتت الحكاية انتباه المخرجة بالتدريج. أولا قرأت تحقيقا مطولا عنها نشرته مجلة «فانيتي فير» الشهرية. بعد ذلك عادت إلى ذلك التحقيق وقررت ابتياع حقوق الاقتباس لحساب الشركة التي أسسها والدها فرنسيس فورد كوبولا («العراب» و«سفر الرؤيا الآن» إلخ...) على أن تقوم بإنتاجها. لكنها في نهاية المطاف وجدت نفسها راغبة في إخراجها بنفسها.

لكن صوفيا لم تكن الوحيدة التي أثارها هذا الموضوع. محطة «لايفتايم» الأميركية قررت إنتاج فيلم تلفزيوني عنه. وبينما كانت صوفيا لا تزال تكتب السيناريو كان تصوير الفيلم المذكور (وتحت العنوان نفسه «ذا بلينغ رينغ») جاريا على قدم وساق تحت إدارة مخرج اسمه مايكل لمبك. لم ينجز الفيلم الكثير من اللغط أو التداول. البعض قرر أن الفيلم حاول أن يربح كل الأطراف، فأفراد العصابة الشبان ليسوا أشرارا أو عنيفي الطبع، لكنهم بالطبع يمارسون أفعالا يعاقب عليها القانون. في الوقت ذاته، هم لطيفو المعشر لكنهم في نهاية المطاف لصوص.

غير معلوم إذا ما شاهدت المخرجة الفيلم التلفزيوني لكن منوال أعمالها السابقة يؤكد أنها حتى ولو فعلت فإن عملها (وهو لم يعرض حين إعداد هذا المقال بعد) سيختلف، إذ سينبع من تلك الرؤى الشخصية والفنية ومن أسلوبها الذي يصب في خانة «سينما المؤلف» وليس سينما السرد الحكائي وحده.

إلى ذلك، ليست صوفيا في وارد تحقيق فيلم بوليسي أو تشويقي، بل دراما عن الشخصيات التي تجدها مثيرة هي وظروفها المعقدة. هذا هو منوالها في أفلامها السابقة، وحين خرجت عن ذلك الخط في «ماري أنطوانيت» لم تحقق نتيجة فنية تستحق الاهتمام. على عكس «ضاع في الترجمة» مثلا أو «عمليات انتحارية عذراء» تعاملت مع التاريخ والشخصية على نطاق غير ذاتي (رغم أنه حمل وجهة نظرها الشخصية) وخرجت من المحاولة مجروحة.

أفلامها إجمالا رقيقة الحاشية، ملمة بالمكان والزمان جيدا لكنها ما زالت أضعف شأنا من أفلام مخرجين - مؤلفين أميركيين أمثال ألكسندر باين ونيل لابوت وجيم يارموش. لكنها جهدت سابقا لكي تؤخذ على محمل الجد. فهي بدأت ممثلة طفلة عندما صورها والدها في فيلميه «العراب» و«العراب 2» ثم في أفلام أخرى له مثل «غير المنتمين» و«رامبل فيش» و«كوتون كلوب». حين كبرت وأسند إليها والدها دورا رئيسا في «العراب 3» (1990) هوجمت على أدائها، ومع أنها أطلت كممثلة بضع مرات أخرى، فإنها أدركت أنها ترغب في مهنة أخرى غير التمثيل... تريد أن تصبح مخرجة.

ومع أنها تمشي الآن في خطى السينما المستقلة وميزانيات الفيلم الصغيرة (كلف هذا الفيلم ثمانية ملايين دولار) وجمعت له ممثلين يقف بعضهم أمام الكاميرا لأول مرة، لكنّ منهم أيضا ممثلين محترفين مثل البريطانية إيما واتسون (ممثلة سلسلة «هاري بوتر»، التي أمضت أسابيع تدرس لكنة فتيات كاليفورنيا).

صوفيا كوبولا لا ترى أن هذا يعني أنها لن توافق على فيلم لحساب واحد من الاستوديوهات الكبيرة. حاليا على الأقل فإن ما يهم هو كيف سيستقبل النقاد فيلمها هنا في «كان». والساعات القادمة ستكشف ذلك.

*صاحبة الجوائز

* نالت المخرجة صوفيا كوبولا حتى الآن ما يتجاوز أربعين جائزة، ولو أن معظم هذه الجوائز معنوية من مؤسسات وجمعيات نقدية. لكنها خطفت الأوسكار عن أفضل سيناريو مكتوب خصيصا وذلك عن «ضاع في الترجمة» ونالت جائزة سيزار فرنسية عن الفيلم ذاته (كأفضل فيلم أجنبي) والفيلم ذاته سمح لها باقتناص جائزة «غولدن غلوب» سنة 2004 في حين نال «مكان ما» الأسد الذهبي في مهرجان «فينسيا» الإيطالي.