صالة لواحد

لقطة من «كثبان حسب يودوروفسكي»
TT

إخراج: فرانك بافيتش تسجيلي | الولايات المتحدة 2013 تقييم: ثلاثة (من خمسة).

على المشاهد حيال هذا الفيلم التسجيلي قراءة ومعرفة تاريخ سينمائي اسمه أليهاندرو يودوروفسكي كان والده هاجر من روسيا إلى تشيلي حيث وُلد المخرج هناك وبدأ تحقيق الأفلام من عام 1968. تلك المعرفة ضرورية للتواصل مع لب هذا الفيلم الذي يتحدّث فيه يودوروفسكي عن تاريخ فيلم كان يريد تنفيذه هو «كثبان» (Dune) وكيف حضّر لذلك طويلا قبل أن تخطف هوليوود ذلك المشروع وتسنده إلى المخرج المستقل ديفيد لينش الذي حقق منه الفيلم المعروف بالعنوان نفسه سنة 1984 بالنسبة إلى يودوروفسكي، فإن «كثبان» كما تصوّره كان آيلا ليصبح «أهم فيلم في تاريخ السينما» حسب قوله.. وأكبر من «أوديسا الفضاء» لكوبريك كما يقول للكاميرا التي تستمد منه ذكرياته عن ذلك المشروع.

يضيف: «طموحي كان فائقا للمعتاد» و«لم أرد تحقيق فيلم سينمائي، بل عمل منفرد وحر ويفتح العقل» ويضيف في مكان آخر من حديثه: «حين شاهدت فيلم ديفيد لينش فرحت.. فرحت لأنه فشل». وفي لحظة من تلك اللحظات يبلغ به الهيام بالحديث بهذا المشروع إلى حد يشرف فيه على البكاء.

«كثبان» هو رواية خيال علمي وضعها الأميركي فرانك هربرت (1986 - 1920) في خمسة أجزاء نشرت في الستينات وتناول فيها أحداثا عاصفة تقع بعد مئات السنين وتجسّد الصراع السياسي والديني وما ستؤول إليه العلاقة بين الاثنين. في هذا الشأن كانت الرواية قراءة في مستقبل قريب (بل وحاضر دائم) أيضا. فيلم بافيتش الذي شوهد في قسم «نصف شهر المخرجين» في «كان» يترك للمخرج يودوروفسكي الحديث عن خلفيات كثيرة لم يكن أحد اطلع عليها. والمقابلات تشمل كذلك مصممي إنتاج ومنتجين (بينهم منتجه الفرنسي المستعد لتمويل أي فيلم يقدم عليه يودوروفسكي وهو ميشال سيدو) يمنحون الكاميرا شهادات نيرة بحق مشروع قام المخرج ومن معه بتصميمه لقطة لقطة ووضع الصفحات المرسومة في ملف سميك قبل أن يبدأ يودوروفسكي وسيدو مشاوير مكوكيّة بين استوديوهات السينما في هوليوود: «كلهم أحبوا الفيلم. كلهم كانت لديهم مشكلة واحدة اسمها أليهاندرو يودوروفسكي»، يقول المنتج بصراحة.

«كثبان حسب يودوروفسكي» فيلم ينجح في إطلاعنا لا على خفايا مشروع لم يتم على يدي مؤسسه، بل على شغف ذلك المخرج الكبير به. لكن من هو يودوروفسكي تحديدا ولماذا، إذا ما كان مخرجا كبيرا وفريدا، لم يحقق ما أنجزه آخرون من أترابه؟

أثار يودوروفسكي اهتماما ونجاحا لافتا في فيلميه «إلتوبو» (1970) و«الجبل المقدّس» (1973) خصوصا في عروضهما الفرنسية. من البداية أبدى المخرج نزوعا قويا نحو الشخصيات الناشزة (سلوكا ومظهرا) والمواضيع الحادة في نقدها للمجتمعات وللدين المسيحي في وقت واحد. هذا يتّضح في «دم مقدّس» (1989) حامل أفكار مجنونة متوفّرة بخيال مثير للاهتمام. هذا الجنوح أثار اهتمام النقاد والمثقفين لكنه كان أصعب من أن ينجز للمخرج مكانا بين المخرجين الناجحين. لهذا السبب فضّلت هوليوود عدم التعامل معه محققة نسختها الخاصة من الرواية ذاتها.

فيلم آخر في موازاة هذا الفيلم، عرض «نصف شهر المخرجين» لفيلم جديد من إخراج يودوروفسكي هو الأول له منذ نحو عقدين عنوانه «رقصة الواقع» يتناول فيه حكاية صبي أراد والده الستاليني الميول إعادة تقويمه ليصبح رجلا. هناك قدر من سذاجة المواقف، لكن ما يغفر للمخرج جرأته في إنجاز الفيلم الذي يريد هو، ولو أن ما يريده هو لم يعد جديدا في منواله حتى بالنسبة للملمّين به. وقد تكون لنا عودة له.