سينما جزائرية جديدة مرشحة لغزو المهرجانات العربية

تغيب ثم تظهر من جديد

المخرج رشيد بوشارب
TT

من المبكر لأوانه التأكيد، لكن مهرجانات السينما العربية تستعد حاليا لكي تفحص ما لدى السينما الجزائرية من أعمال جديدة. هذا هو الحال في كل سنة، باستثناء أن الاختيارات عادة ما كانت محدودة. أما هذا العام، وتبعا لنشاط لم تشهد السينما الجزائرية مثيلا له منذ سنوات بعيدة، فإن هناك أكثر من عشرة أعمال يمكن لأي مهرجان سينمائي أن يختار منها.

نبيلة زرايق، رئيسة دائرة السمعي البصري في «الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي»، تعيد هذا النشاط إلى قرار الدولة الجزائرية ضرورة إحياء الصناعة السينمائية بعد سنوات عجاف. تقول: «خلال السنوات الماضية وجدت الإدارة السياسية أن المصلحة القومية تقتضي مساعدة السينما الجزائرية التي كانت في إحدى الفترات ذات رصيد شعبي كبير».

كخطوة رئيسة تمت استعادة الهيئات العاملة في الشأن السينمائي من وزارة الداخلية، كما كان الحال منذ سنوات، وإسنادها إلى وزارة الثقافة. إلى ذلك، تم تخصيص ميزانيات تكفي لإنتاج ستة أفلام كل سنة على أساس أن يشمل الإنتاج أفلاما تصور في الجزائر وأخرى تصور خارجها: «إسناد المهام السينمائية لوزارة الثقافة كان مطلبا من قبل العاملين ورغبة من الدولة في نفض التجاهل الذي أصاب السينما خلال الفترات السابقة». وتحدد السيدة نبيلة بعض تلك الفترات: «بعد الأزمة المالية والعنف السياسي الذي امتد من عام 1988 إلى عام 1999 ثم تبعا للغياب المؤسف للسينما الجزائرية عن المحافل العالمية كان لا بد من استعادة المبادرة».

* الأكثر طرحا

* في الواقع، لم تغب السينما الجزائرية تماما إلا في سنوات متباعدة. كل عام كان هناك فيلم أو - في الأقصى - فيلمان من إنتاج جزائري. في أحيان كثيرة كان الفيلم يحمل اسم الدولة لمجرد مساهمة لوجيستية بسيطة، أو لاشتراك مؤسسة إنتاج خاصة، في حين أن التمويل الرئيس آت من فرنسا. هكذا كان الحال مثلا عندما قدم رشيد بوشارب فيلمه «البلديون» (سمي كذلك بـ«أيام المجد» سنة 2008، وهو الفيلم الذي تحدث عن الإسهام المغاربي في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وعندما قدم مرزاق علواش أعماله مثل «باب الواد سيتي» (1994) و«الحراقون». الأمر نفسه ينطبق على المخرجة الجزائرية جميلة صحراوي التي أقدمت على تحقيق فيلم صارخ حول أم فقدت ابنها المحارب مع القوات النظامية على أيدي مجموعة إرهابية ينتمي إليها ابنها الآخر عنوانه «يما» («الأم» بالفصحى).

رشيد بوشارب ضمن الخطة الجديدة وحاليا ينجز تصوير فيلم أميركي التصوير بعنوان «طريق العدو» يقود بطولته فورست ويتيكر في دور رجل مسلم يمد يد الصداقة إلى رجل بوليس. هارفي كايتل وإلين بورستين ولويز غوزمان من بين الممثلين الآخرين في هذه الدراما.

المخرج بوشارب بات الأكثر طرحا بين كل الجزائريين على نحو دولي نظرا لأفلامه السابقة، وهو بالتأكيد سيشكل احتفاء متواصلا للسينما الجزائرية، لكن ذلك يجب أن لا يطغى على أهمية ونشاط عدد كبير من المخرجين الجزائريين العاملين داخل الجزائر نفسها.

هناك علي موزاوي الذي يقف وراء فيلم جديد بعنوان «الكاذب»، وهو واحد من عدة أفلام تتمحور حول المرأة. فيه نجد ليلى، ابنة مناضل جزائري يعيش مع ذكرياته الشاحبة، تتعرف على شاب غير صادق في حبه ثم على شاب يحبها لكنه مرتبط بزوجته المقعدة، ما يخلق وضعا استثنائيا لدى الجميع.

المرأة أيضا في صدارة «البطلة» لشريف أغيون، وهذا له صلة أيضا بأوضاع إرهابية حيث تناضل بطلة الفيلم، في أحداث تقع في التسعينات، للحفاظ على استقلالها بعد هجوم إرهابي على بلدتها الريفية. في «حلال شرعا» حكاية حول فتاتين، واحدة فرنسية ستتزوج بجزائري، والأخرى جزائرية، تقرران مناهضة الزواج العشائري والتقاليد الصارمة التي تفرض على المرأة الاقتران بمن لا تحب.

هذا الفيلم من المخرج المعروف محمود زموري الذي سبق وقدم أعمالا سابقة لها علاقة بالقرى والتقاليد، من بينها «شرف القبيلة» (1993) و«جيل أبيض أحمر» (2006). اسم آخر معروف يعود إلى التصوير حاليا هو بلقاسم حجاج الذي ينتقل من جديد إلى فترة الاستعمار الفرنسي في «الراية المشتعلة»، ومثله في هذه العودة فيلم لليث سالم عنوانه «الوهراني»، كلاهما يستمد من حرب الاستقلال وظروفه مادتهما الأساسية.

تلك الحرب كانت موضوع السينما الجزائرية مباشرة بعد نيل البلاد استقلالها سنة 1962 عبر أفلام مثل «الفحام» و«فجر الملعونين» و«الأفيون والعصا» و«قائع سنوات الجمر» الفيلم العربي الوحيد لليوم الذي فاز بسعفة مهرجان «كان» الذهبية، وذلك سنة 1975. لكن ما فات السينما الجزائرية لاحقا الاستمرار في درب كانت خطت فيه بضع خطوات ثم توقفت، وهو اللجوء إلى مخرجين غير جزائريين لتمويل أفلامهم. هكذا ولد مثلا فيلم كوستا - غافراس «زد» (1969) ولاحقا «الصالة» لإيتوري سكولا (1983). وهكذا أيضا تم بناء تعاون مع المخرج المصري الراحل يوسف شاهين استمر لبعض حين.

في الوقت ذاته، يلفت كم تراجعت السينما الجزائرية بعد تلك الفترة لدرجة تحولها من بلد منتج وحاضر دائم في مهرجانات عربية وأوروبية، إلى أرض جافة لمعظم التسعينات والعشرية الأولى من هذا القرن. أمر يعد القائمون عليها أنه انتهى.

* الفيلم - البداية

* إذا ما كان هناك فيلم واحد يصلح لأن يكون البداية الفعلية للسينما الجزائرية، فهو فيلم أنتجه الجزائري سعدي يوسف وقام بإخراجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو سنة 1966 بعنوان «معركة الجزائر». ذلك الفيلم الواقعي في نبضه وأحداثه تناول أحداث الثورة من وجهتي النظر الجزائرية والفرنسية، وأرخ كذلك لتلك السنوات التي سبقت الاستقلال وأدت إليه.