المشهد

مع الفيلم ضد الديجيتال

كاميرا 35 مم: الطريق الأصعب هو الأفضل.
TT

* تعامل السينما في العواصم العربية مع التطورات التكنولوجية معقـد وغير طموح وفي أحيان تعامل بدائي. كبداية، تلك الهجمة على الأفلام المصورة ديجيتال تأخذ بالاعتبار عاملا اقتصاديا مهما وهو رخص الكلفة بالمقارنة مع ما يتطلـبه التصوير بالكاميرا الفيلمية. لكن لتكنولوجيا الديجيتال، كأي أداة حالية، وجهان، واحد يبتسم لنا على أساس أنه سيسهـل المهام والتكلفة وسيكون خير معين للباحثين عن تمويل لأفلامهم القصيرة أو الطويلة، وآخر شائك كونه يتـصل بما هو أبعد من مجرد ضغط الزر وتحريك الكاميرا المحمولة يمينا أو يسارا.

* لا شيء - والكلمة هنا فاصلة مستوحاة من آراء لفيف المصورين العالميين - يضاهي التصوير بالكاميرا التي تستخدم الفيلم. لكي يتساوى معه في بعض الجوانب (كحدة اللقطة وعناصرها اللونية) على المصور أن يكون فنانا ملما كذلك على الكاميرا أن تكون حديثة للغاية (وسعر هذه الكاميرات بات أكثر ارتفاعا عما كان عليه الحال قبل عشر سنوات). لكن حتى مع هذا الجانب، فإن كاميرا الفيلم تمنح المشاهد القدرة على النظر إلى العمق بحدة أفضل. وفي بعض الأحيان تتبدى الألوان ذاتها على نحو مختلف. في كاميرا الديجيتال يبقى اللون مشروطا بتقنيات الكاميرا بصرف النظر عن الترتيبات الفنية في مكان التصوير. لذلك، مثلا، التصوير بالديجيتال في مكان داكن من دون إضاءة إضافية، وهو أمر ممكن بالنسبة لكاميرا تستخدم الفيلم بهدف منح المشهد حسا واقعيا، سيطمس الشاشة بدكانة غير محببة وذات مسحة عامة وليست تفصيلية.

* معظم مخرجينا العرب الجدد في الميدان الذين يعتبرون استخدام كاميرا الديجيتال هو الحل المثالي لإزالة عوائق العمل، لا يدركون كذلك ناحية مهمة أخرى: استخدام الفيلم التقليدي يجعل المخرج قادرا على سبر غور الاختلافات في المكان والإضاءة وتبعا لحساسية الفيلم. بكلمات أخرى، هناك ما يسمى بـ«عزل المـشاهد» وهو مفهوم يتداوله المخرجون ومديرو التصوير ومفاده منح كل مشهد عالمه الخاص وإبراز تفاصيله. هذا العزل غير ممكن باستخدام كاميرا الديجيتال. هناك مقال منشور على موقع www.cinemtographers.nlيلقي ضوءا آخر على المعضلة: كاميرات الديجيتال لليوم لا تملك القدرة ذاتها على التقاط تفاصيل داخل اللقطة. المقال يذكر مثالا بالغ الأهمية فيقول: إنه لو قام الممثل بتغيير هادئ في تعابيره داخل المشهد الذي يقوم به، فإن كاميرا الديجيتال لن تستطيع التقاطه.

* أستطيع المضي طويلا في فحص هذه الجوانب منتصرا للتصوير بالكاميرا السينمائية، لكن الهدف هنا ليس تأييد كاميرا وانتقاد أخرى، بل للوصول إلى بيت القصيد: لا عجب ومعظم مخرجي اليوم الجدد فرحون بوجود الديجيتال كحل لأزمة التصوير، أن غالبية ما نراه من أفلام يعاني في النواحي التقنية بأسرها. أكثر من ذلك، يفرض استخدام كاميرا الديجيتال اللجوء لحلول سهلة مثل تصوير الفيلم بأسره بكاميرا محمولة. يطلقون على ذلك تبريرا جاهزا وهو أن التصوير المحمول ينقل «نبض الحياة» وأن ذلك فعل مطلوب لأن على السينما أن ترتبط بالواقع الذي تتحدث عنه.

* الحقيقة هي أن معظم مستخدمي الكاميرا المحمولة لا يعرفون تقنية وفن تحقيق الفيلم بثوابته الكلاسيكية. لا يجيدون تصميم المشاهد ولا تصميم اللقطات ولا توقيتها ولا أحجامها ولا حتى فن بناء الفيلم سردا وشكلا. لذلك، وبكل موضوعية، هناك فن في سينما الترفيه (البعيدة - من حسن الحظ - عن الشعارات الواقعية) لا يمكن أن نجده في أي منوال آخر. لقطة واحدة من فيلم لهيتشكوك، وايلدر، أوزو، كمال الشيخ، هوكس، دوان، دي توث، غودار، تاركوفسكي، برغمن، روزي وسواهم تساوي 90% مما صنعناه حتى الآن من أفلام دجيتال. م. ر