المشهد

سينما مستقلة عمَّن؟

TT

يتكرر الحديث عن السينما المستقلة ومفهومها وهويتها بين هواة السينما ومحترفيها من الشباب على الأخص. ما الفيلم المستقل؟ ومستقل عن ماذا بالفعل.. عن هوليوود.. عن الجمهور السائد.. عن الترفيه؟ وما خصائصه وملامحه وكيف تتألف هويته؟

الفيلم المستقل - في المقام الأول - موقف. بصفتك مخرجا لديك موقف ما حيال العلاقة بين السينما التي ستقوم بتنفيذها، والطريقة التي يتم تنفيذ السينما بها.. تريد أن تكون مستقلا عن الطريقة المتبعة ولديك الأسباب الموجبة. هذه الأسباب في مجموعها تشكل موقفك. أنت ترى أن السينما السائدة ذات النجاحات التجارية الكبيرة (كما الإخفاقات التجارية الكبيرة لكنها ما زالت مصنوعة للتوجه إلى السائد من أذواق المشاهدين) ليست ما يستطيع حمل رؤيتك الفنية والموضوعية لا تجاه السينما ولا تجاه الحياة.. تريد أن تستقل.. وما تستقل عنه ليس فقط جهة التمويل وما تفرضه من شروط (تأتي في البداية على أنها تمنيات) لكي تخطو معك إلى عملية تنفيذ الفيلم، بل الفكر الذي يوجه التمويل نفسه.

على السينمائي أن يفهم الاستقلالية بصفتها موقفا يدفعه للابتكار والإبداع الفني أولا. غير ذلك، هو سينتج فيلما تقوم السينما التجارية عادة بإنتاجه مع فارق أنه سينتجه بربع ميزانيتها أو أقل فيحرم نفسه من بعض الحسنات. بطبيعة الحال يختلف موقعه عن موقع المنتج الذي ينظر إلى الجمهور على أنه أوراق مالية. أنت تريد أن تحقق ما يجعل هذا الجمهور أكثر رفعة وذوقا وذكاء، والمنتج ابن السوق يراك ستحقق فيلما يجمع عددا أقل من الجمهور لرغبات ذاتية هو ليس مسؤولا عنها.. لم سيمنحك الفرصة؟

بشطحة كاريكاتورية تستطيع أن تتخيل المنتج وهو يحمل صندوق مال يدور به على صفوف المشاهدين، وكلما كان الصف طويلا، كان أكثر سعادة. إذا ما كان فيلمك المستقل سيدخله 300 أو 500 مشاهد، فإن الصندوق لن يمتلئ.. أما إذا كان النوع الذي يود هو أن ينتجه، فصندوقه لن يكون فارغا.. سوف يفرغه كل يوم كذا مرة.

هذا هو الفاصل.. النهر الجارف الذي يقف المخرج المستقل على ضفة منه ويقف المنتج المستقل على الجانب الآخر منه.. كل منهما ينظر إلى الآخر نظرة الضد.. المخرج يعتبر المنتج عدو رسالته، والمنتج ينظر إلى المخرج معتبرا إياه عدو نجاحه. وفي عمق النظرتين الجوانب الأخرى: المخرج المستقل يرفض المظلة التقليدية التي يوفرها المنتج، وهذا يرفض التعامل مع سينمائي يراه بلا مستقبل.