نقاد السينما العرب أخلصوا لحبهم وواكبوا كل حدث وفيلم

من جيل الريادة الزمنية إلى جيل الريادة المعرفية وما بعد

الناقدة أمل الجمل من جيل جديد
TT

في سلسلة مقابلات أجراها الناقد صلاح سرميني بين عدد من النقاد العرب، مختارا أصواتا من المغرب ولبنان ومصر والجزائر والعراق من بين أخرى، طرح نقاط حوار تدور حول موقف النقاد السينمائيين العرب من المهنة التي يمارسونها ومع مفهوم النقد السينمائي على وجه التحديد.

وجاءت الإجابات مختلفة ومتعددة، وهو أمر طبيعي، لكنها صادقة وفي كثير من الأحيان عفوية. فالنقاد المشاركون، ومنهم رامي عبد الرازق وأمل الجمل وعبد الكريم القادري وأحمد تامر جهاد إلى جانب آخرين، من النخبة الجادة في عملها والتي تعتمد على حبها للسينما لكي تلعب الدور الثقافي الذي اختارته ولتساعد في نشره وإيصال المعلومة والرأي إلى القارئ الراغب.

والواقع أن هؤلاء وكثيرين سواهم، واكبوا السينما طويلا وتناوبت أجيالهم في محاولة تحليل أفلامها والكتابة عن مخرجيها وصانعيها وتياراتها ومهرجاناتها. كونوا تاريخا خاصا بهم قد لا ينظر إليه كوحدة عمل متصلة ومتواصلة لكنه، وبشكل مؤكد، نوع من التاريخ الذي واكب كل حدث وكل فيلم وكل صعود وهبوط لمخرج أو سينمائي من العالم العربي أو من خارجه.

* تاريخ مقروء وفي قراءة موجزة، يستطيع المرء أن يدرك هذه المواكبة من أكثر من زاوية ووجهة أو جانب. مثلا، كما أن السينما لم تكن اختراعا عربيا (والكلمة نفسها لا ترجمة محددة لها)، فإن النقد السينمائي لم يأت من لدن مجموعة من المثقفين العرب شاهدوا الأفلام الأولى، في الثلاثينات، فسبقوا العالم الغربي بالكتابة عنها. بالتالي، هي مهنة انتشرت بالضرورة الصحافية التي حتمت على صحف ذلك الحين الاهتمام بالعروض المسرحية والمعارض الفنية والإصدارات الكتبية. الفيلم جاء لاحقا بفضل الجمهور الذي أقبل على تجارب العروض السينمائية الأولى. إذ فعل الجمهور ذلك انبثقت رغبة المطبوعات اليومية والأسبوعية والشهرية بمتابعة هذه العروض لأن هناك جمهورا لها وإن كان من كتب في هذا الصدد آنذاك أبعد من أن يكون متخصصا سينمائيا أو على اطلاع شامل بهذا الفن الوليد وتجاربه وخلفياته.

عالميا، كان هناك زاوية نقدية أسبوعية قبل 101 سنة هي تلك التي قام بكتابتها بريطاني اسمه WG Faulkner في صحيفة «لندن إيفنينغ نيوز»، وسماها: «كينيما». الحلقة الأولى من هذه الزاوية ظهرت تحديدا في السابع عشر من يناير (كانون الثاني) سنة 1912. لكن هذا لا يعني أنه كان أول من كتب نقدا أو استعراضا نقديا لفيلم ما. الكاتب الروسي ماكسيم غوركي كتب سنة 1896، قبل إحدى عشرة سنة من قيام الحكم الماركسي، عن مشاهدته الأولى، حيث أعرب عن دهشته مما شاهد. صحيفة «ذا نيويورك تايمز» نشرت سنة 1895 مقالتين من مراسلها في باريس حول عروض الأخوين لوميير.

أول مجلة سينمائية (وبها صفحات غير سينمائية أيضا) صدرت بانتظام كانت مجلة «Variety» الأميركية التي لا تزال تصدر إلى اليوم. بعدها بعام واحد صدرت مجلة أخرى باسم «Talking Machine World». ثم في عام 1911 صدرت مجلتان الأولى باسم «Motion Picture Story Magazine»، والثانية باسم «Photoplay»، ثم صدرت، سنة 1914، مجلة سينمائية أميركية ثانية باسم «Movie Pictorial»، وبعدها بعامين صدرت مجلة ثانية باسم «Film Fun»، وما إن شرقت شمس العقد الثاني من القرن التاسع عشر حتى تكاثرت المجلات السينمائية: «Film Truth» و«Filmplay» و«Motion Picture Classic»

* الكم الكبير بما أن هذا ليس استعراضا تاريخيا أو زمنيا كما ليس مراجعة لتاريخ المجلات السينمائية، فإن ما هو ضروري هنا القول إن كل هذه المجلات احتوت على أشكال من النقد السينمائي والشكل الأكثر رواجا كان ذلك الجاد الذي يبحث في الخصائص وينقب في الجوانب ويقرأ في القضايا الفنية والأسلوبية. وهو نقد تزامن مع قيام الصحف العالمية بأسرها بالكتابة عن السينما في زوايا نقدية متواصلة مؤسسة بذلك صرحا ما زال مستمرا حتى اليوم.

على أن النقد السينمائي العربي إذ شق طريقه المتواصل منذ مطلع الأربعينات، على الأرجح، ولد طبيعيا في كنف الأعمال السينمائية العربية كما في كنف الأفلام الأجنبية وعلى نحو واسع. وتتالت الأجيال على نحو متواصل. فمن جيل الريادة الزمنية، إلى جيل الريادة المعرفية في مطلع الستينات ومنه إلى الجيل الحالي الذي يواصل حمل الرسالة ذاتها ولو أنه بات أكثر سعيا للاختلاف مستفيدا من تكنولوجيا المعلومات كما لم يكن ذلك متاحا، بهذا القدر، من قبل.

الفاصل بين جيل مثله كثيرون من بينهم سامي السلاموني وفتحي فرج وسعد الدين توفيق ورفيق الصبان وسمير فريد وكمال رمزي وعلي أبو شادي وإبراهيم العريس وأمير العمري وعدنان مدانات، وكاتب هذه الكلمات، وبين جيل أحدث من بين أبنائه مجدي الطيب وهوفيك حبشيان ونديم جرجورة ورامي عبد الرازق ومبارك حسني ومحمود عبد الشكور وأحمد شوقي وأحمد الملا وريما المسمار وأمل الجمل، وسواهم، ليس زمنيا. فبين هذين الجيلين هناك من دخل المجال في وقت لاحق للأول وسابق للثاني مثل ماجدة موريس وخميس الخياطي وعبد الكريم قابوس من بين آخرين.

الكم كبير بالفعل. عدا هذه الأسماء يمكن ضم العشرات سواهم منتمين إلى كل السنوات السابقة والحالية وما بينها. لكن الثابت أنه في حين يلتقي الجميع على الرغبة في الكتابة في فن السينما، فإن الغالبية تختلف في فن الكتابة النقدية ذاته. بكلمات أخرى، هناك مستويات مختلفة حتى بين الذين يدركون ويمارسون المهنة على نحو جدي لا هزل فيه. طبعا، هذا الزخم يستثني الذين يكتبون قليلا أو يواكبون القافلة حبا في الظهور ومن دون علم يمكنهم من الالتحام فعلا بالجسد النقدي الماثل. ولأن الرسالة النقدية ما زالت مهمة، نجد أن الكتابة لم تعد تعرف، من ناحية أخرى، مبدأ الأجيال على نحو صارم لأن العديدين من كتبة النقد في الستينات والسبعينات ما زالوا يمارسون المهنة إلى اليوم جنبا إلى جنب النقاد الجدد.

لكن هل يعني ذلك أن الوضع النقدي العربي في حال جيد.

الحال أنه جيد في أحوال وسيئ في أحوال أخرى. على الصعيد الأول يؤمن وجود الجيل الجديد مواكبة غير متقطعة وإيمانا حثيثا بالنقد كتعبير عن حب وتقدير كما كمهنة. أيضا من الحسنات أن الحرية الممنوحة للنقد السينمائي العربي أكبر من تلك الممنوحة للكثيرين من نقاد السينما في الغرب، ذلك لأن صحف هؤلاء تفرض عليهم الكتابة أساسا عن الأفلام الهوليوودية الكبيرة وتترك لهم حرية الكتابة عن الأفلام ذات القيمة الفنية في عدد محدود من السطور.

على الصعيد الثاني، هناك إفلاس وفوضى. إفلاس من قبل الذين لم يعودوا قادرين على التطور وتوقفوا عند مفاهيم ثابتة، وفوضى لأن جدار النقد منخفض يسمح لكل من هب ودب بأن يتحول إلى «ناقد سينمائي».

* هل يعرف الناقد أكثر من المخرج؟

* حاول النقد السينمائي أن يسد فراغا في إبداء رأيه وقراءته لما هو منجز من أعمال سينمائية. هذه المحاولة كثيرا ما ووجهت من قبل مخرجين بالصد وأحيانا بالعداء، لكونهم عدوا أن النقد أقل مرتبة من صنع الأفلام ذاته. لكن التجارب أثبتت أن نقادا كثرا حول العالم يعرفون أفضل ويشاهدون أفلاما أكثر، بل بعضهم لديه شعبية لا يصل إليها المخرج بسهولة، إذا ما وصل يوما.