شاشة الناقد

وودي ألن جديد وكايت بلانشيت فذة

كايت بلانشيت وحيدة وحزينة في «بلو جاسمين»
TT

إخراج: وودي ألن عن سيناريو كتبه بنفسه.

أدوار أولى: كيت بلانشيت، أليك بولدوين، سالي هوكنز، أندرو دايس كلاي.

النوع: دراما [الولايات المتحدة، 2013] تقييم:(4*)(من خمسة) في صميم هذا الفيلم تقف العلاقات العاطفية مثل تقاطع طرق وصلت إليه شخصيات عدة لا تعرف أين تتجه. تحاول وتخفق. ولا تحاول وتخفق أيضا. ما لم يتغير لدى المخرج وودي ألن (77 سنة، مما يعني أن القطار فات التغيير) هو تصويره تلك العلاقات على نحو غير مستقر دوما وعلى طريقة أن كل شخصية واقعة في الحب تجد نفسها مشدودة فجأة نحو حب آخر ما يولد سلسلة من الخيانات العاطفية التي تترك البعض أشلاء وتهدم سعادات.

رغم ذلك، هذه المرة نحن أمام وودي ألن أكثر تجددا من أي وودي ألن سابق في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل. ذلك التصوير التقليدي لنوعية العلاقات العاطفية يجري وضعه في نطاق جديد ورفعه إلى مستوى جاد. في الحقيقة هذا الفيلم هو فيلمه الأول غير الكوميدي (ولا يعني ذلك أنه خال من بضع ضحكات) منذ «أزواج وزوجات» سنة 1992. في ذلك الفيلم، وقبله مثل «سبتمبر» و«امرأة أخرى» جاء الجد على حساب السلاسة وبدا تأثر ألن بإنغمار برغمن تقليدا فاشلا أكثر منه تطويرا أو استكشافا.

هنا يختلف الوضع. هذا الفيلم يذكر بلمسات برغمن التي تحنو صوب كشف الداخل من المشاعر، لكنه منفصل تماما عن التأثر أسلوبيا وكأجواء وأكثر إمعانا في وودي ألن جديد إلى حد يجعل تلك القضايا المثارة حول العلاقات الحائرة لإبطال الفيلم فاعلة ضمن الأطر التي وضعت فيها.

كايت بلانشيت في دور جاسمين التي نراها تصل من نيويورك إلى سان فرانسيسكو لتعيش مع شقيقتها جنجر (البريطانية سالي هوكنز). جاسمين مضطرة لأنها تطلقت من زوجها اللعوب (أليك بولدوين) بعدما تأكد لها أنه لم يترك امرأة أخرى تعرف عليها أو تعامل معها إلا وخانها معها. ألن يبدأ الانتقال بين مشاهد الحاضر (سان فرانسيسكو) ومشاهد الأمس (نيويورك) باكرا في الفيلم، ويعود إلى ذلك التناوب أكثر من مرة وطوال العرض. جاسمين في حياتها القريبة الغابرة كانت امرأة ثرية، عرفت ممن تتزوج لتأمين حياة باذخة لكنها أخفقت في زواجها بسبب عدم إخلاص زوجها لها، وهكذا وجدت نفسها خارج الفردوس التي اعتقدت أنها ستعيش فيها أبدا. الآن تصل إلى منزل شقيقتها التي تنتمي إلى طبقة عاملة بالكاد تستطيع تأمين متطلباتها المادية والتي تطلقت (بعدما سطا زوج جاسمين على مدخرات زوجها بحجة استثمارها) وتعيش حاليا حياة عاطفية غير مسؤولة.

يرسم ألن خطين متوازيين لشقيقتين مختلفتين تماما في كل شيء باستثناء أن لدى كل منهما نصيبا من الخطأ. ها هي جاسمين تعتقد أنها على وشك الزواج مجددا من محب جديد وميسور، لكنها تحاول إخفاء ماضيها الذي ينكشف (في موقف صدفي ضعيف) فينهار مشروعها. جنجر، في الوقت ذاته، تتعرف على رجل آخر غير صديقها تشيلي (بوبي كانافال) الذي يستغلها عاطفيا ثم يهجرها. لا شيء من هذا كله يتحول إلى ميلودراما من نوع ندب الحظ والبكاء على سوء الطالع، بل يبقى شاهدا لحياكة سينمائية واعية وفنية. الكاميرا (بإشراف الإسباني خافييه أغويرساروبي) رشيقة وتتحرك مع الممثلين لتبقى معهم في التقاط أنفس وتعابير.

في هذا الصدد، تمثيل كيت بلانشيت يؤثر إيجابا في الفيلم بقدر ما يبدو الفيلم قد صاغها من جديد ليذكر بموهبتها الفذة. ما عليك سوى التمعن بوجهها لرصد مفرداتها التمثيلية وكيفية استخدامها لها لتأمين وصول شخصية امرأة منهكة ومرتبكة وآيلة إلى وحدة مؤلمة في النهاية.