المشهد

المخرجون لا يعودون

TT

* في بلدة تكساسية صغيرة اسمها أنارين، تترعرع الحياة المنسية والمحدودة لعدد من الشخصيات في مطلع خمسينات القرن الماضي. في تلك البلدة هناك أحلام وآمال وعلاقات حب وصالة سينما آيلة إلى إغلاق أبوابها وتقديم العرض الأخير. هذا هو فحوى فيلم بيتر بوغدانوفيتش الثاني «آخر عرض سينمائي» أو The Last Picture Show المنجز سنة 1971 مع سيبيل شيبرد وكلوريس ليتشمان وتيموثي بوتومز وجف بردجز وإيلين بيرستن في الأدوار الأولى.

* بوغدانوفيتش استقبل جيدا في ذلك العام من قبل النقاد. فيلمه كان موحيا وشعريا وهو ابتسم لذلك المستقبل الذي تراءى له جميلا. وهو بالفعل تحول إلى مخرج ناجح ومتنوع وفي الوقت ذاته ذي لمسة فنية في سلسلة أفلام في السبعينات ومنها «قمر ورقي» و«ما الجديد يا دكتور؟» و«نيكولوديون» وسواها. ثم هو أضاع البوصلة في الثمانينات قبل أن يجدها في التسعينات، لكن الظروف تغيرت والاستديوهات التي كانت دوما تلهث وراء المخرج الناجح وضعت حواجز إضافية أمام كل من لم يستجب للتغيير.

* الآن هو في عودة. بل عودتين. الأولى في إطار فيلم كوميدي من إخراجه انتهى تصويره لحساب شركة مستقلة وفي صدارته جنيفر أنيستون وأووين ولسون ولوسي بانش. والثانية كممثل أول في دراما عنوانها «إقلاع عن» (المعنى الضمني لعبارة Cold Turkey). عمره الآن 75 سنة مما يجعله كبيرا بعض الشيء على التمثيل، ناهيك عن دور أول. لكن بوغدانوفيتش كان بدأ كممثل إلى أن قام بإخراج مشهد في مدرسة نيويوركية لتعليم التمثيل نال إعجاب أساتذته فركب هواه الجديد وحقق عام 1968 فيلمه الأول «أهداف»: تشويق بوليسي بالأبيض والأسود من بطولة الراحل بوريس كارلوف.

* كم أتمنى لو أن في بلادنا العربية المنتجة للسينما فرصا للعودة. مخرجونا الغائبون، وهم ما زالوا أحياء، أكثر من مخرجينا العاملين. عاطلون عن العمل ولا اهتمام من جانب أحد لمعرفة كيف يعيشون ومن أين ينفقون وأين أصبحت تلك الأحلام الوردية التي عايشوها. أتحدث عن رأفت الميهي وبشير الديك وعلي عبد الخالق وجورج نصر ونبيل المالح والناصر خمير، وسواهم. طبعا هناك من يخرجون من الظلال للعمل هنا أو هناك: ها هو خيري بشارة يمثل في «فيلا 69» وعلي عبد الخالق ينجز حلقات تلفزيونية وسعيد مرزوق مريض في المستشفى وهو لم يحقق فيلما منذ أكثر من عشرين سنة.

* .. وهل انضم شريف عرفة إلى جموع الغائبين؟ سواء فعل أو لم يفعل فهو وسواه من السينمائيين مدعوون للاشتراك في مسعى لإنقاذ السينما المصرية من جمودها الحالي التي من بين مآسيها غياب المنتجين ذوي الحس الوطني والإلمام الفني والمسؤولية الثقافية.