معرض العنف في الفن: صور غير قادرة على الارتفاع إلى مستوى القضية

TT

مرحبا بالعنف من جديد.. تلك الكلمة الثلاثية التي لا تحتاج الى تعريف، مرحبا بها في معرض «جهنم» الذي يفتتح اليوم الجمعة، في رويال اكاديمي في لندن، وقد بدا كأن الناس شاهدوه من قبل من كثرة ما سمعوا عنه من قبل. ومع ذلك يلتف الاعلاميون حول نورمان روزنتال سكرتير الاكاديمية يريدون ان يسمعوا الكلمة الاخيرة عن المعرض: كيف بدأت الفكرة، ما هو هدفه وما هي المعايير التي استخدمت لتنظيمه، وهل يتعارض مع اتجاه الاكاديمية التقليدي؟ الاجابة لم تكن مقنعة، ولكنها اضافت الى مزيد من الكلام عن الفن والعنف والجمال.

«ابوكاليبس» عنوان المعرض الرسمي، يواجهك بمعناه الديني واللغوي وحتى السينمائي عند المدخل كما تواجهك العتمة، اذ يجد الزائر نفسه بين اجسام حقيقية واقفة في الظلام ينظر اصحابها الى شاشة كبيرة تعرض لقطات في حركة بطيئة لرجل وامرأة وما بينهما من حنان. لكن يبدو ان العواطف النبيلة لا تخلو ايضا من العنف القابع دائما تحت السطح ليعبر عن نفسه من دون شعور. كريس كانيغهام صاحب الانتاج استولى على الاهتمام بهذه الصور التعبيرية ليظل الناس جامدين في اماكنهم يعيدون النظر الى الفيلم القصير الذي يجري عرضه باستمرار.

في الغرفة الرئيسية نشاهد كوخا في شكل معبد بوذي يصطف الزوار امامه، اغلبهم من النساء، في انتظار الدخول الى المكان، ماذا يفعل معبد داخل متحف؟ هل هذه نهاية كل ما له علاقة بالروح؟ لكن اليابانية ماريك موري انشأت القطعة متيحة الفرصة للناس ان يجربوا هدواء خاصا، وسط ضجيج الحياة اليومية. ويبدو من ازدياد طول الصف ان هناك من يصدق ذلك، الكثيرات تحدثن عن الشعور بنوع من الجمال الداخلي!. اذا كان من الصعب الدخول الى هذه المساحة للاختلاء والتأمل فان القطعة في الغرفة المجاورة توحي بمشاهدة مسرحية. التكوين هو عبارة عن ديكور: غرفة بالسرير والمائدة وموقد الغاز وقطع منزلية اخرى، اقامها الفنان مايك كيلي، اين هو الحدث؟ انه يجري في مكان آخر حيث يعرض فيلم فيديو يصور نقاشاً حاداً بين صديقين يعيشان في الغرفة وقد قررا في النهاية الانتحار معا بغاز الموقد.

لا يمكن القول ان ما يجذب الناس للمعارض اليوم هو الصدمة وصور الوحشية، لكن من المحتمل ان يكون ما يجذب الاهتمام هو ما توحي به الاعمال وما تثيره من صدى في النفس والخيال. الا انه من المؤكد ان العمل الفني مهما كان تصنيفه وبغض النظر عن قيمته يثير في المشاهد العواطف التي يمثلها لديه. انها خصوصية التعامل مع العمل الفني بشكل عام. المسرح قد يصدمنا، والموسيقى قد تصور احوال الحروب او عذاب الزحام والانتظار في الحياة اليومية، العمل الفني يتيح لنا مواجهة الحالة التي نحملها الى المعرض معنا في صمت وكثير من التأمل.

شاهد الناس البقر المشطور، وصور المجرمين قتلة الاطفال وتمثالا مصنوعا من دم الفنان، وسريرا متسخا وروث الفيلة. لقد كانت فترة مزدحمة بالاثارة اعتمدت على نشاط منظمي المعارض المهرة في الاعلان والاشهار.

قبل ان يترك الزائر معرض «ابوكاليبس» يمر في بهو جدرانه مغطاة بالمرايا. الفنان انغوس فير هيرست مهتم بتصوير الروتين والحياة المكررة المعادة. واذ تقف في البهو مواجها دائرة كبرى مسلطة على الجدار في شكل ميناء الساعة تشعر ان الزمن والصور المعكوسة في المرآة تحاصرك بتكرارها من كل جهة.

انهم يتحدثون هناك في غرفة اخرى عن بيكت والعبث والعدم بالصورة عوضا عن الكلمة، وقد تجمع الناس حول كومة من النفايات ترتفع قريبا من السقف. منظم المعرض ماكس ويغرام يتحدث عن جمال التكوين، ونجد في المنظر سهولة فنسأل عن المجهود في هذا العمل، ويقول المنظم وهو يشيح بوجهه نحو القمامة ان الفنان تيم نوبل جاء الى لندن معدما، فلم يستطع شراء المواد الفنية لانشاء اعماله، فاستخدم ما كان متوفرا عنده: النفايات لصناعة تماثيل واشكال وغيرها. وقد جمع اكوام «الازبال» التي وضعها وسط هذا الغاليري الجميل من نفايات الاستوديو بمساعدة صديقته خلال فترة معينة. ثم يشير المنظم الى الوان المواد وجمال تكوين المخلفات. لكن التأثير يظل في شجاعة تنفيذ الفكرة وما تدل عليه خارج اطار النفايات المتراكمة التي تمس حياة الناس جميعا.

يهتم المعرض عموما بطرق تعريف لحظات معينة من الحاضر وتجميدها امام الانظار لاستخلاص ما يريدون منها. وكما قال روزنتال فان الفنانين تجاوزوا الرمز ولم يعودوا يقنعون بالوسائط «انهم يريدون ان يقدموا كل شيء كما هو، على حقيقته».

لقد مات العالم الجميل في المنظر التالي الذي يحتل مكانا شاسعا في المعرض، وهو عبارة عن تصوير لمعارك حربية مر بها الانسان يجسمها خلال تماثيل جنود في احجام صغيرة مثل لعب الاطفال. الفنان دينوس تشابمان اراد ان يذكر الناس بعنف الحرب الملاصق لهم كالظل، وكيف قد يتحولون في اية لحظة الى دمى ولعب حينما تقرع طبول العصبية. لكن الطريقة التي استخدمت هنا تظل مجرد صور تعبيرية غير قادرة على الارتفاع الى مستوى القضية، اذ يظل الشكل او التركيب مشغولا بنفسه وبطرق الانشاء والتعبير.