ساموراي الشرق ضد كاوبوي الغرب

موجة أطلقها كوروساوا وما زالت حاضرة

يول براينر وستيف ماكوين في النسخة الأميركية «السبعة الرائعون»
TT

عندما يضرب المحارب زاتوإيشي بسيفه عدوه فيرديه لا يكترث لأن يراه يهوى على الأرض، ولو اكترث لما استطاع أن يراه، فزاتوإيشي محارب ساموراي أعمى.. يضرب من دون أن يرى، مستخدما حواسه الأخرى بمهارة فائقة.. يسمع وينصت ويحدد. يشم ويحفظ ويعرف، وحين يتقدم منه عدو أو أكثر (وعادة أكثر) يتحرك وسطهم مدركا تماما حركة كل منهم.. من أي صوب هو قادم وما إذا كان يهجم بسيف مصوب إلى الصدر أو مرفوعا ليهوى على الرأس.. زاتوإيشي لديه عيون لا نراها موزعة حول رأسه، أو هكذا يخال المشاهد.

إذ يصل «47 رونين» إلى الصالة المجاورة في كل البلاد العربية وسواها، يطلق مناسبة الحديث عن واحد من علامات اللقاء بين أساطير الساموراي اليابانية والعالم المترامي بفعل قيام هوليوود في أكثر من مناسبة، بينها هذه الأخيرة، باستلهام شخصيات وحكايات الساموراي في أفلامها.

«رونين» هو الساموراي بعد أن يخسر سيده ولا يجد من يعمل لأجله، و«47 رونين» قبل أن يكون فيلما من بطولة كيانو ريفز (انظر النقد أدناه). بالنسبة للمحارب الأعمى زاتوإيشي، فإن الأمر يختلف قليلا.. هو ساموراي المهارة، لكنه ليس «رونين تقليدي» لأنه لم يعمل لحساب سيد أو مع مجموعة.. هو ذئب وحيد ينتقل من قرية إلى أخرى، في أحداث تقع في القرن الثامن عشر كمعظم أفلام الساموراي، يتعيش من وراء تدليك الأبدان ولديه مهارة، ويصرف على لعب القمار حيث يستخدم حاسة سمعه القصوى، فهو لا يرى الزهر لكنه يعلم إذا ما كان مغشوشا أو أن راميه قصد رميه على نحو معين لكي يربح. من يستهين بالمحارب الأعمى قد يندم لو عاش.. معظمهم لا يندم!

* سبعة آخرون مع أن حكايات الرونين (فريق من 47 مقاتل ساموراي وجدوا أنفسهم مهانين حين تحولوا إلى البطالة ليلجوا بعد ذلك إلى آخر قتال يحفظ لهم كرامتهم)، والزاتوإيشي موجودة في عمق الثقافة اليابانية منذ مطلع القرن العشرين، وفي السينما منذ 1928، إلا أن «الساموراي السبعة» للمخرج أكيرا كوروساوا (1954) هو من عرف غير اليابانيين بهذا الرعيل من المحاربين المهرة. في ذلك الفيلم الذي كتبه ثلاثة بينهم كوروساوا نفسه وخرج من مهرجان فينيسيا بالجائزة الفضية في عام إنتاجه، سبعة محاربين يعيشون تلك البطالة وشعورهم المر بالإهانة والعدمية عندما يتقدم إليهم قرويون يسألونهم مساعدتهم في درء عصابة من اللصوص اعتادت سرقة محصولاتهم في هذا الوقت من كل عام. ليس لدى المزارعين أي مال، لكنهم سيوفرون لهم الطعام والمأوى. عرض يقبل به الساموراي، فبطونهم خاوية ويفتقدون إلى سقف فوق رؤوسهم. كوروساوا بعد ذلك يلج الفصل الثاني، وهو تدريب القرويين على القتال، وبعده الفصل الذروة حيث تغير العصابة على القرية لتكتشف قوة دفاعاتها ولتدور بعد ذلك معارك كر وفر يبلي بها الساموراي وأهالي القرية بلاءا رائعا.

هوليوود التقطت الفكرة وأطلقت سنة 1960 نسختها من ذلك الفيلم الياباني. السبعة المعنيون باتوا أميركيين متشرذمين يعيشون جنوبي الحدود المكسيكية.. يلم شملهم اثنان (يول براينر وستيف ماكوين) لتأليف عصبة تدافع عن أولئك القرويين المساكين الذين جاءوا طالبين الحماية من عصابة شرسة (يقودها إيلاي والاك). الفيلم حمل عنوان «السبعة الرائعون» وأخرجه جون سترجز، خبير من خبراء سينما الـ«وسترن»، وجرى نزع عنصر الساموراي تماما منه، فالمحاربون، من الطرفين، يقاتلون بالأسلحة النارية وحدها. وفي حين أن «الساموراي السبعة» خص العصابة بالسلاح الناري للإيعاز بنهاية فترة من البطولة كان فيها المتحاربون يكتفون باستخدام السيوف، فإنه لا شيء من الجديد – ضد – القديم، ولا طروحات حول الكرامة والعزة النفسية، يحوم فوق القصة الأميركية وشخصياتها.

بسبب نجاحه، جرى تحقيق ثلاثة أفلام أخرى مشتقة هي «عودة السبعة» (إخراج بيرت كندي - 1966) و«مسدسات الرائعون السبعة» (بول وندكوس - 1969) و«الرائعون السبعة يغزون» (جورج ماكغووَن - 1972).

* ساموراي فرنسا لكن المقارنة بين سيف الساموراي ووحدة صاحبه، وبين البطل التقليدي في الغرب الأميركي جرت منذ الفيلم الأول.. كليهما وحيد وجدانيا إن لم يكن فعليا.. كليهما يحارب في سبيل مبدأ، وكليهما مسلح بما هو ماهر في استخدامه.. لكن السيف بقي لامعا، وهوليوود توسمت فيه خيرا أكثر من مرة.

ففي عام 1971 استقدمت شركة أميركية (اسمها «لس فيلمز كورونا») الممثل الياباني توشيرو مفيوني ليكون واحدا من أربع شخصيات تقود بطولة فيلم بعنوان «شمس حمراء»، قام بإخراجه ترنس يونغ الخارج من سلسلة «جيمس بوند»، الأولى: وسترن حول عصبة متنافرة تضم الأميركي تشارلز برونسون، والسويسرية أرسولا آندرس، والفرنسي ألان ديلون، والياباني مفيوني، وتقود معارك ضد بيض أشرار حينا وضد الهنود الحمر حينا، وعندما لا تواجه أعداءها تواجه بعضها بعضا. الرجلان الغربيان (برونسون وديلون) يتقاتلان على ثروة، لكن همّ مفيوني هو استعادة سيف ساموراي مقدس ضاع من سيده عندما حط في الغرب الأميركي.

اختيار مفيوني لم يكن اعتباطيا بالطبع، لأن الممثل كان تميز في «الساموراي السبعة» لاعبا شخصية الساموراي الأكثر تهورا من بين والأكثر فتكا، ولعب بعد ذلك أدوارا في أفلام ساموراي عديدة، مكونا في الغرب الرغبة في الاستعانة به لتأدية ما يجيده في الشرق.

طبعا ألان ديلون كان العنوان المجسد في ترجمة المخرج الفرنسي جان - بيير ملفيل لمفهوم المحارب الياباني في «الساموراي» (1967): كل شيء فرنسي هنا باستثناء ذلك التجسيد للعنوان والاقتباس المشهدي من سينما «الفيلم نوار» الأميركي. هنا لا يلتقي ديلون مع شخصية مفيوني لأنه لن يمارس الساموراي، لكنه سيستلهم وجوده من شخصية ألان لاد في فيلم «هذا المسدس للإيجار» الذي قام فرانك تاتل بإخراجه سنة 1942.

لكن هوليوود لم تتوقف عن الاستعارة من الساموراي وشخصياتها: المحارب الأعمى زاتوإيتشي انقلب إلى محارب ساموراي أميركي اسمه نك باركر (أداه روتغر هاور) في فيلم فيليب نويس «فورة عمياء». اسم «رونين» ومفاده استخدم في فيلم الأكشن «رونين» بطولة روبرت دينيرو وجان رينو وستيلان سكارسغارد وإخراج جون فرانكنهايمر سنة 1989. وهناك ساموراي أسود (فورست ويتيكر) في فيلم جيم يارموش «كلب شبح: طريقة الساموراي» (1999)، ولا ننسى تأثر المخرج كونتين تارانتينو بثقافة الساموراي واستخدامها بفعالية في فيلمه «أقتل بل» و«أقتل بل 2».

* أميركي في اليابان

* «إذا لم يأت إليك فاذهب أنت إليه».. وهوليوود ذهبت إلى اليابان أكثر من مرة لتصوير أفلام ساموراي مختلفة. ثلاثة منها هي الأكثر حضورا لليوم: «ياكوزا» لسيدني بولاك حيث يهب روبرت ميتشوم لإنقاذ صديقه الياباني من غضبة العصابة، و«آخر الساموراي» لإدوارد زويك (2003) عندما يترك توم كروز الغرب الأميركي ويلتحق بمقاتلي الساموراي، وبينهما «مطر أسود» مع رجل البوليس مايكل دوغلاس الذي يعيش مغامرة حياته في طوكيو تحت إدارة ريدلي سكوت.