شاشة الناقد

ماما روما

الجمال العظيم
TT

إخراج: باولو سورنتينو تقييم الناقد: (*4)(من خمسة).

نجمة من النجوم الأربعة التي يستحقها هذا الفيلم تذهب إلى قرار المخرج سورنتينو تصوير فيلمه الجديد «الجمال العظيم» بكاميرا 35 ملم، عوض اللجوء إلى الحل السهل الذي يتراكض وراءه الجميع هذه الأيام وهو استخدام كاميرا الدجيتال. في حديث للمخرج مارتن سكورسيزي حول فيلمه الأخير «ذئب وول ستريت»، قال إنه عاين مشاهد صوّرت بالدجيتال وبالفيلم التقليدي واختار بعد ذلك تصوير معظم العمل بكاميرا سينمائية ولو لم تكن أن الميزانية كانت وُضعت على أساس أن التصوير سيجري بالنظام الرقمي، لصوّر العمل كله بالكاميرا الفيلمية.

في «الجمال العظيم» جمال صورة عظيم أيضا. صورة نقية بألوان واضحة. لقطات ثرية التأليف تقنيا وبصريا مع حركات كاميرا بإدارة لوكا بيغازي (55 سنة، 84 فيلما) تعيدنا إلى أفضل ما عهدناه من السينما الأوروبية (والإيطالية تحديدا) في هذا المجال. هذا الفيلم، بكلمة الأول بين ما يمكن اعتباره أفضل ما حققته السينما الإيطالية في العام الماضي ويعرض حاليا في الصالات الأوروبية والأميركية.

يقود بطولته توني سرفيللو، وهذا الممثل حكاية أخرى تحتاج إلى وقت، لكن ملخصها أنه بعد سنوات كثيرة من العمل بات نجما أوروبيا مهم الشأن وهو في الخمسينات. هنا يؤدي دور كاتب روائي ناجح اسمه جب غامبارديللا عاش كما كان متوقعا منه. حفلات ورقص وعلاقات وحياة زاخرة بما يدخل في وقتنا الحالي ضمن خانة تحقيق النجاح. كما يقول معلقا في مطلع الفيلم، لم يأت الكاتب من نابولي إلى روما لينضم إلى ركب المجتمع، بل «لأصبح ملك المجتمع»، ولم يهتم لحضور الحفلات بل رغب في امتلاكها. في اندفاعه جنوح صوب التدمير يعرفه تماما. فهو حين ورد في سن شابة إلى روما التي سرعان ما اعتنقها من دون أن يذوب فيها، كتب رواية ناجحة كبيرة واحدة فتحت له الأبواب التي أرادها. هذا كان قبل أربعين سنة (يقدّم الفيلم بطله على أنه في منتصف الستينات من العمر) لكنه من يومها لم يكتب، أو لم يكتب ما يوازيها ما جعل الوسط الأدبي والنشري يعتبره أخفق في إنجاز ما وعد به. بالنسبة إليه لم يكترث لتحقيق وعود الآخرين بل وعوده هو والتأليف لم يكن من بينها. مارس الصحافة وحقق فيها ما جلب له الحضور والتأثير الذي أراده لنفسه.

لكن جب الآن، وهو يحتفل بعيد ميلاده الخامس والستين، يطرح على نفسه (وعلينا بسبب قيامه بالتعليق المباشر) أسئلة وجدانية عما ضاع منه وعما تحقق، ليجد أن ما ضاع هو أكبر حجما ونصيبا. هنا يشعر المشاهد بأن هذه الأسئلة المحقة لا يمكن أن تكون من نصيب الشخصية وحدها وأنها تأتي متأخرة عن موعدها بنحو خمس وعشرين سنة (على أساس أن أزمة منتصف العمر تكمن في الأربعين)، لكن هذا الخاطر يضمحل حتى ولو كان صائبا حيال نجاح الفيلم في التعليق على روما من خلال شخصية جب، كما كان فدريكو فيلليني علق عليها في «الحياة اللذيذة» عام 1960.