«مهرجان صندانس» ما زال يجذب هوليوود الباحثة عن الجيد والجديد

يعرض فيلمين عن الهم السوري

من «أنا أصول»
TT

هناك ثلج كثيف هذا العام فوق تلك البلدة التي تحب الخشب والتي ستستوعب عشرات ألوف الزائرين ما بين السادس عشر من هذا الشهر وحتى السادس والعشرين منه. الكثير من مبانيها خشبية، أسسها جيل وطئ تلك الجبال العالية في ولاية يوتا وعدها مسكنا. تصل إلى مطار عاصمة الولاية (سولت لايك سيتي) ولديك خيارات: طائرة مروحية ترتفع بك فوق الجبال الشمالية لتحط بك في «بارك سيتي» حيث المهرجان، أو تأخذ سيـارة تصعد بك تلك الجبال ذاتها وتتوقـف بك عند الشقـة أو الفندق الذي ستحل به.

هناك آلة لإزاحة الثلج تعمل في أحد الشوارع الموصلة إلى المبنى الذي تتخذه إدارة المهرجان مركزا لها، لكن السحب والبرد يهددان بمزيد من الثلوج، وهي لا تزال على أي حال تغطي الميادين والحدائق والمباني. هذا ما تتوقـعه وهذا ما تراه. أنت هنا في مهرجان شتوي بولاية شمالية في عام تميـز ببرودته الشديدة. وسط ذلك، وفي جحور صالات السينما، ستخرج للنور أفلام جديدة لم تعرض سابقا، والجامع بينها أنها تلتقي تحت مظلـة السينما المستقلة. المهرجان اسمه «صندانس»، وذلك تيمـنا بنصف عنوان فيلم «بوتش كاسيدي آند صندانس كـد» الذي حققه جورج روي هيل سنة 1969 مع روبرت ردفورد في دور «صندانس كد» (وبول نيومان كبوتش كاسيدي).

لكن المهرجان بدأ قبل أن يقرر روبرت ردفورد إدارته ومؤسسة «صندانس» التي جرى تأسيسها قبل نحو ثلاثين سنة. الدورة الأولى من هذا المهرجان جرت في عام 1978 في العاصمة بغاية جذب هوليوود للتصوير في ربوع ولاية يوتا. في ذلك العام، كانت هناك عدة عروض لافتة، ليست بالضرورة مستقلـة الإنتاج، لكنها كانت جيـدة بل متميـزة؛ من بينها فيلم جون شليسنجر «مدنايت كاوبوي» حول التكساسي الذي يحط في نيويورك بكبريائه ليخرج منها ذليلا، ومواطنه البريطاني جون بورمان قدم فيلمه الصارخ «خلاص» عن أربعة رجال حطـوا الرحال في غياهب أدغال الجنوب الأميركي وخرجوا أيضا مهزومين.

روبرت ردفورد نقله إلى تلك الجبال العالية وغيـر موعده من سبتمبر (أيلول) إلى يناير (كانون الثاني) وخصصه للسينما التي يحققها الجدد وبجهود خارج مؤسسات هوليوود الكبيرة. سريعا ما انتبهت هوليوود إلى أن هناك منجم ذهب في هذه الأفلام التي لم تنتجها ولن تكلـفها كثيرا إذا ما اشترتها، فأخذت تتوجـه إلى يوتا لا للتصوير، كما كانت الخطـة الأولى، بل للتبضـع. في السنوات الخمس عشرة الأخيرة ظهر واضحا أن المهرجان صار ملتقى سينمائيين يريدون أن يبيعوا ومؤسسات هوليوودية تريد أن تشتري.

وفي حين شاخت مهرجانات أميركية أخرى، منها مثلا «سان فرانسيسكو» الذي خطف الأضواء في السبعينات وجزء من الثمانينات، ومثل «شيكاغو» الذي لعب على أوتار محبي سينما الدهشة والعناوين الكبيرة في الثمانينات.

* حروب وإرهاب ثلاثون سنة ونيـف ليست بالقليلة، وروبرت ردفورد، (77 سنة)، يوحي بأنه سيترك العمل الإداري ويقدم على المزيد من التمثيل والإخراج وربما على إنتاج حلقات تلفزيونية. لكنه سواء أعلن عزمه هذا خلال هذه الدورة أو بعدها، إلا أن ما جرى اختياره لها من أفلام يؤكـد أن «صندانس» لا يزال هو الملتقى المنشود لصانعي السينما، خصوصا من الأجيال الأصغر منه سنـا. ومثل كل مهرجان آخر، هو فخور بالعروض العالمية الأولى التي جمع من بينها تسعة عشر فيلما ليعرضها في قسم خاص.

واحد من هذه الأفلام «فتوة» (Boyhood) للمخرج ريتشارد لينكلتر المعروف بثلاثية «ما قبل»، التي احتوت على «ما قبل الغروب» و«ما قبل الشروق»، ثم «ما قبل منتصف الليل» في العام الماضي. «كالفاري» للآيرلندي جون مايكل ماكدوناف، يدور حول راهب طيب لديه أسبوع واحد ليعيشه حسب تهديدٍ، مصدره رجل غامض. ومن آيرلندا أيضا، «فرانك» لليني أبرامسون، حول حياة موسيقار شاب يقع تحت استغلال الذين لجأ إليهم لمساعدته.

المخرج الأميركي مايك كاهيل، الذي سبق أن اختطف جائزة رئيسة من هذا المهرجان عام 2011 عن فيلمه «أرض أخرى»، يعود بفيلم عنوانه «أنا أصول» (I Origins) الذي يمنحه مجال اللعب حول علاقة رومانسية بين تلميذ البيولوجي وفتاة ربما كانت أكثر من بواعث أحلامه.

الأنظار ستتوجـه لفيلم تشويقي من كتابة جون لي كاري بعنوان «أكثر رجل مطلوب» (A Most Wanted Man)، حول جاسوس ألماني اسمه غونتر باكمان يتعقـب مهاجرا شيشانيا وصل هامبورغ بغية معرفة ما إذا كانت له علاقة بـ«إرهابيين مسلمين»، كما يذكر الفيلم في ملخـصه. الفيلم من إخراج أنطون كوربين الذي قدم لنا عام 2010 فيلم «الأميركي»؛ بطولة جورج كلوني في دور القنـاص الذي يلجأ لبلدة إيطالية صغيرة لكي يغيـر حياته، ليكتشف أن ذلك لن يكون سهلا. بطولة «أكثر رجل مطلوب» للممثل فيليب سايمور هوفمن وراتشل أدامز ووليم دافو.

من بين «البرمييرز» أيضا، فيلم كان المخرج البريطاني مايكل ونتربوتوم صور جزءا منه تحت عنوان «الرحلة» عام 2010. لا أحد يعرف لماذا؟ لأن المخرج المعروف لم يطرحه للتوزيع، وقليلون جدا الذين أتيحت لهم مشاهدة الفيلم. الآن، يعود في فيلم، ربما هو تكملة لسلسلة في البال، صوره في العام الماضي، بعنوان جديد هو «الرحلة إلى إيطاليا»، من بطولة ستيف كوغن وروب بريدون.

في «صندانس» أربع مسابقات، اثنتان منها للروائي، واثنتان منها للتسجيلي. المسابقتان الروائيـتان؛ واحدة أميركية والثانية عالمية، كذلك الحال بالنسبة للتسجيلي.

أحد الأفلام التسجيلية الأميركية التي يـنتظر لها أن تلقى إقبالا كبيرا: «الفريق ئي» (E - Team)، وهو الفريق الذي تبعث به مؤسسة (Human Rights Watch) لتقصـي الحقائق على الأرض. وما يهم مخرجي الفيلم، روس كوفمن وكاي شيفيني، هو ما رصده الفريق حين وصل إلى ليبيا وإلى سوريا من سوء أوضاع وفساد وسقوط الحقوق الإنسانية تحت وطأة الديكتاتورية الفردية.

في الشأن السوري، وفي مسابقة الأفلام التسجيلية العالمية، نشاهد «عودة إلى حمص» الذي أخرجه طلال ديركي، حول شابـين سوريين يعودان إلى مدينتهما حمص، منقبين في حالها تحت وطأة الحرب الدائرة. كلاهما يتحول بعد حين من شابين مسالمين إلى مقاتلين في صفوف المعارضة ضد الحكم الباطش.

والموضوع السياسي يمتد ليشمل فيلما فرنسيا نمساويا مشتركا عنوانه «أتينا كأصدقاء»، ويتناول استغلال الصين من ناحية ومؤسسات أوروبية وأميركية من ناحية أخرى الوضع في جنوب السودان لاستثماره لصالح مواردها الاقتصادية. يكشف الفيلم، الذي أخرجه الفرنسي هوبير سوبر، عن كيف تشتري الصين 300 ألف برميل نفط يوميا من موقع في جنوب السودان بينما يموت سكان القرية القريبة من جراء تسمم مياههم الطبيعية.

* أين أفلام الدورة الماضية؟

* ككثير من مهرجانات العالم، قليل فقط من الأفلام التي يعرضها «صندانس» يجد طريقه لعروض نشطة لاحقا. في العام الماضي، نال فيلم «أخ بالدم»، لستيف هوفر، جائزة المهرجان كأفضل فيلم تسجيلي أميركي، لكنه بعد جولة شملت بضعة مهرجانات لا يزال يبحث عن توزيع، على عكس فيلم تسجيلي أميركي آخر عنوانه «وعد أميركي» الذي شهد عروضا تجارية وإن لم تكن مثمرة. الفيلم الذي شهد رواجا أفضل، وإن بقي محصورا، هو الروائي الأميركي «ليست هذه أبدان ملائكية» لديفيد لاوري، كذلك «اقتل أحباءك» لجون كروكيداس. معظم الباقي اختفى.