شاشة الناقد

في سجن النساء

«يوميات شهرزاد»
TT

إخراج: زينة دكـاش تقييم الناقد:(4*)(من خمسة) فضلت لجنة التحكيم لمسابقة المهر العربي في «مهرجان دبي»، بقيادة المخرج المصري يسري نصر الله، منح جائزتها الأولى للفيلم المصري «الميدان» للمخرجة جيهان نجيم، وهو فيلم جيـد، لكنه ليس جيدا بما يكفي لتجاوز جودة هذا الفيلم، ثاني أعمال اللبنانية زينة دكـاش بعد «اثنا عشر رجلا غاضبا» قبل عامين. لهذا الفيلم التسجيلي نحو من العمل مثير للاهتمام، لا تتمتع به غالبية الأفلام التسجيلية الأخرى: الكاميرا التي تحكي بمفردها ما لا تحكيه الكلمات. تذهب إلى أبعد ما تعنيه العبارات وإلى ما بعد المشهد ذاته، فتخط سبيلها المنفرد في استكشاف المكان وشخصياته.

في منطقة بعبدا اللبنانية، حيث القصر الجمهوري بالطبع، يكمن سجن بعبد للنساء. والمحكوم عليهن اللاتي يعشن فيه هن؛ إما مذنبات بالفعل، وإما بانتظار الحكم عليهن، وبعضهن يؤكد أنهن لم يرتكبن الجرائم المدنية التي اتهمن بها. إحداهن (واسمها عفاف) ليست لديها مشكلة في أن تعترف، فهي دخلت إلى السجن وخرجت منه عدة مرات. الغائب هو القانون الذي ينتصر للمرأة حين تتعرض للعنف والضرب من الزوج أو من الأب، وكلـهن، تقريبا، تعرضن لذلك، وأجساد بعضهن ما زالت تحمل آثار العنف الذي مورس عليهن، في مجتمع ما زال الرجل فيه، رغم الحرية البادية، يستطيع تعنيف امرأته وضربها من دون أن ينتصر القانون لها. القصص الجامعة التي ترويها السجينات في معظمها هي قصص اضطهاد من الطفولة وإلى اليوم. بعضهن يبكي، وبعضهن يضحك ألما، لكنهن جميعا تحت وطأة سنوات من الجور والحرمان، من دون أن تتوه أو أن تنفصم أو تضعف من أهمية ما هو ماثل مباشرة.

المخرجة زينة دكـاش، التي أسست «المركز اللبناني للعلاج بالدراما»، تقوم بما وهبت نفسها له: علاج الذوات المعذبة بالدراما. تلبس عددا من السجينات زيا ملونا متشابها تمهيدا لتقديم وصلات مسرحية، إلقائية ورقصا تعبيريا. وهن سعيدات بأن يستقبلن ضيوفا من الرجال والنساء جيء بهم لحضور حفلة تمثيلية تتولـى فيه السيدات السجينات رقص الفلامنغو الإسباني والبوح بما يخالجهن من شعور وما يعشنه من أحلام مكسورة.

تعالج المخرجة اللبنانية الجريمة بالفن: تدرب النساء على الفلامنغو والإلقاء وسبر الغور لاستخلاص الموضوع الذاتي الذي ستعبـر عنه، فإذا بعدد كبير منهن يبدين أكثر مما هو متوقع وعلى نحو يفجـر مواهب شخصية في كل ذات. كاميرا جوسلين أبي جبرايل أكثر من حاضرة لقراءة الوجوه والتعابير وتفاصيل الحركة المعبـرة عن إحساس اللحظة. وفي مرات، تترك كل شيء وتسجل صورا من الحاضر، فاتحة خطـا موازيا لما يقع. هذا هو المقصود بأن الكاميرا تحكي بمفردها. تكون مفردات لغوية وتعبيرية خاصة بها.

المخرجة دكـاش أذكى من أن تقع في العاطفي والخطابي، لكن ذلك لا يمنع أن بعض القصص التي ترويها النساء، بعض تلك التعابير الخاصة، وبعض الوقائع المسرودة تترك تأثيرا عاطفيا وإنسانيا جامحا في الذات ليخلص الفيلم إلى سؤال حول المجتمع ونمط التعامل الإنساني مع نساء، ليست بينهن من واحدة ولدت وفي ذاتها شر.